الثامن من آذار يوم المرأة العالمي ، يوم نضال من أجل المساواة …ولكن! / جهاد عقل

جهاد عقل ( السبت ) 16/3/2019 م …




– هذا العام نحتفل به تحت شعار :” دعونا نبني عالما متوازنا بين الجنسين.”
– الأمم المتحدة تعقد إجتماعا خاصا تحت عنوان :” نطمح للمساواة ، نبني بذكاء، نبدع من أجل التغيير”.
– الثامن من آذار يوم كفاح ضد التمييز القائم أتجاه المرأة العاملة في كافة المجالات ومن اجل المساواة.
– الفجوات ما زالت قائمة وعلى ذمة المنتدى الاقتصادي العالمي تحتاج ل 202 عام من اجل ردمها.
لمحة تاريخية
يوم المرأة العالمي الثامن من آذار ، هو يوم كفاح ونضال عالمي ، من أجل جسر الهوة القائمة من التمييز إتجاه المرأة العاملة في سوق العمل ، ومن اجل وقف ظاهرة التحرش الجنسي ومن أجل تحقيق المساواة والسلام في كافة المجالات ، لذلك نعتبر هذا اليوم وهذه المناسبة يوماً نضالياً وليس مجرد ذكرى نحتفل بها ، ولكل مناسبة وكل حدث نجد له تاريخ وأسباب لإحيائه ، في الغالب يعتمد على مرحلة نضالية أنجبته .
بالنسبة للثامن من آذار ، يوم المرأة العاملة العالمي ، الذي يحل هذا العام اليوم الجمعه 8/3/2019 ، نجد أنه ولد من رحم صرخة ألم عمالية أطلقتها عاملات النسيج / الملابس في مدينة نيويورك مطلع القرن الماضي ، وتمت مأسسته ، أي الثامن من آذار ، خلال إنعقاد مؤتمر المرأة الإشتراكية الدولي الذي سبق انعقاد الإجتماع العام للأممية الثانية، حيث عقد في شهر آب / أغسطس 1910 في مدينة كوبنهاجن عاصمة الدانمارك ، وتم خلاله طرح موضوع اليوم العالمي للمرأة العاملة ، تحت شعار المساواة في الحقوق ، تبعه العديد من النضالات النسائية الهامة ومنها مظاهرة العاملات في روسيا خلال الحرب العالمية الأولى.
في العام 1945 ، بدأت مسيرة تحديد الثامن من آذار كيوم نضالي عالمي للمرأة العاملة ، حيث تمت صياغة أول وثيقة رسمية دولية في الأمم المتحدة ، تؤكد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل ، في العام 1975 أقامت الامم المتحدة إحتفال في الثامن من آذار ، وكان أول أحتفال رسمي للمرأة ، جاء تحت شعار إعلان السنة الدولية للمرأة ، إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة إعتمدت في العام 1977 ، قراراً لها يقضي بإعلان يوم الأمم المتحدة ” لحقوق المرأة والسلام الدولي”وكان ذلك في الثامن من آذار وبذلك قامت جميع الدول بتبني هذا التاريخ أي الثامن من آذار من كل عام ك “يوم المرأة العالمي”.
مؤتمر بكين (بجين) وخارطة الطريق لتحقيق المساواة
بتاريخ 4-15 أيلول/ سبتمبر من العام 1995 عقد مؤتمر بكين بمبادرة الأمم المتحدة وهو: “المؤتمر العالمي الرابع للمرأة” تحت شعار :” العمل من أجل المساواة والتنمية والسلام”، في ختامه جرى التوقيع على :”إعلان ومنهاج عمل بجين”، وهو بمثابة وثيقه تمت صياغتها وإعتبرت بمثابة خارطة الطريق لقضايا المرأة هدفها:” التقدم في تحقيق أهداف المساواة والتنمية والسلم لجميع النساء “، بمجملها قدمت هذ الوثيقة تصوراً للعالم تحظى فيه المرأة بحقها في ممارسة إختياراتها مثل المشاركة السياسية والحصول على التعليم وعلى الأجر والعيش في مجتمع خال من العنف والتمييز ، ووقعّت على الوثيقة 189 دولة.
شعار نضالي يدعوللمساواة كل عام
منذ العام 1996 أي في العام الذي تلى مؤتمر بكين ، تقرر أن تقوم الأمم المحدة بإختيار شعار للثامن من آذار كل عام ، يطرح هدف ومهمة نضاليه من أجل تحسين شروط عمل وحياة النساء ، والتقدم نحو المساواة بين الجنسين.
ويكفي أن نذكر هنا بعض الشعارات التي رفعت في الثامن من آذار في السنوات الأخيره مثل شعار العام 2013:” الوعد هو الوعد: وقت العمل لإنهاء العنف ضد المرأة” ، وشعار العام 2012 :”تمكين النساء الريفيات والقضاء على الجوع والفقر”، وشعار العام 2014 كان :” المساواة للمرأة ، تقدم للجميع”، وشعار العام 2015 كان :”تمكين المرأة.. تمكين البشرية..تصوّر ذلك”، وشعار العام 2016 كان :” خطوة نحو المساواة بين الجنسين، 50-50 بحلول 2030″ اي التناصف بتساو بحلول العام 2030 ، وتقريبا كان شعار العام 2017 مشابها :” المرأة في عالم العمل المتغيّر :كوكب 50-50، بحلول العام 2030 “.
شعار العام الحالي 2019 : دعونا نبني عالما متوازنا بين الجنسين
شعار هذا العام أيضاً يدعو إلى التأكيد على إمكانية الوصول إلى المساواة أو التوازن بين الجنسين ، لكن الامم المتحدة قررت عقد مؤتمر خاص بهذه المناسبة تحت شعار مكمّل وهو :” التفكير على قيام المساواة، والبناء بذكاء، والإبتكار من أجل التغيير”. ووفق بيانها أكدت الأمم المتحدة بأنه سيجري التركيز على :”طرق مبتكره يمكن من خلالها تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة ، لا سيما في مجالات أنظمة الحماية الإجتماعية والحصول على الخدمات العامة والبنية التحتية المستدامة.” و :” يتطلب تحقيق أهداف التنمية المستدامة الطموحه تحولات دولية ونهج متكامل وحلول جديدة ، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعزيز المساواة بين الجنسين ، وتمكين جميع النساء والفتيات ، وإستناداً إلى مسارات العمل الحالية لن تكفي التدخلات القائمة لتحقيق هدف (كوكب 50-50 بحلول عام 2030)”. وجاء في البيان:” التوازن ليس قضية نسائية فحسب ، حيث تشارك المرأة في الإجتماعات المتوازنه بين الجنسين، كذلك الحكومات المتوازنه بين الجنسين والتغطية الإعلامية المتوازنة بين الجنسين في الثروة والتغطية الرياضية المتوازنه ..الخ فالتوازن بين الجنسين ضروري لإزدهار الاقتصادات والمجتمعات .”
وأضافت الأمم المتحدة في بيانها، بانها ستعقد مؤتمرخاص بهذه المناسبة وتحت هذا الشعار للدورة الثالثة والستين للجنة المرأة في الأمم لمتحدة بمقرها بنيويورك أيام 11-22 آذار/مارس 2019 لبحث موضوع النُظم الإجتماعية والحصول على الخدمات العامة والبنية التحتية المستدامة من أجل المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات، وأن تستمر هذه النشاطات على مدار العام.
نحتاج الى 200 عام لردم الفجوة بين الجنسين
بهذه المناسبة قمنا بمراجعة العديد من الدراسات والإحصائيات التي تناولت موضوع التمييز والفجوات القائمة في الأجور والعمل بين الرجال والنساء عالمياً ومحلياً، فوجدنا أنّ هناك فوارق شاسعه بين الأجور التي يحصل عليها الرجال مقابل الأجور التي تحصل عليها النساء العاملات وفي نفس المهن ، كذلك وجدنا أن نسبة مشاركة المراة في سوق العمل مقابل نسبة مشاركة الرجل ما زالت تحمل فروقاً واسعه محلياً وعالمياً.
في التقرير الصادر عن المنتدى الإقتصادي العالمي في شهر كانون أول 2018 يجري التأكيد على أنّ:” النساء ربما يحتجن الى عدة قرون لتحقيق التكافؤ بين الجنسين في أماكن العمل في جميع أنحاء العالم “، وعلى الرغم من أنّ التقرير يتحدث عن تقدم ما في الأجور خلال العامين 2017 و 2018 ، إلا أن هذا التقدم:” قابله إنخفاض في تمثيل النساء في المجال السياسي الى جانب عدم المساواة في حصولهن على الصحة والتعليم.” كما أشار معدو التقرير الى أنه :” وفقاً للمعدلات الحالية، أن الفجوة بين الجنسين على مستوى العالم في معظم المجالات لن تُردم قبل 108 أعوام، فيما يحتاج مجال العمل الى 202 عاماً لإزالة جميع الفروق بين الجنسين.”
منظمة العمل الدولية مستوى التعليم لدى المرأة اعلى وأجرها أقل
أما منظمة العمل الدولية فقد أشارت في تقرير الأجور للعام 2018-2019 الصادر مؤخراً أنه ما زالت الفجوة في الأجور قائمة ولا تتقلص ، وفي مسح شمله هذا التقرير وتناول معطيات 70 دولة إتضح :” بأنّ المرأة على الصعيد العالمي لا تزال تتقاضى أجراً يقل بنسبة 20 في المائة تقريباً عما يتقاضاه الرجل.” بالرغم ما توصّل له معدو التقرير من حقيقة بأن مستوى التحصيل العلمي للمرأة في بلدان كثيرة أعلى من مستوى الرجل ، إلا أنها تتقاضى أجوراً أدنى حتى عندما تعمل في المهنة نفسها إلى جانب الرجل.
صندوق لنقد الدولي أيضاً
من جهته أظهر صندوق النقد الدولي في أحدث دراسة له بخصوص عدم المساواة في الأجور بين الجنسين :” بأن بعض البلدان حققت تقدماً في الحد من أوجه عدم المساواة، مثل فرص الحصول على الرعاية الصحية، والتعليم والخدمات المالية، لكن الفرص الإقتصادية المتاحة للرجال لا تزال أكثر من فرص النساء على مستوى العالم.”
كما واكدت دراسة صندوق النقد الدولي بأن قضية المساواة بين الجنسين ، هي قضيّة عالمية وقدمت العديد من الأمثلة التي فيها فروق شاسعه بالأجور ما بين الرجال والنساء ، مثل كوريا الجنوبية 37،2% وفي الولايات المتحدة وكندا 18% وأنّ فجوة التمييز في الأجورتصل الى حوالي 20% عالمياً.
وتشير الدراسة الى أن الطريق لما يتطلبه تخفيض عدم المساواة وتقليص الفجوات في الدخل بين الجنسين :”هو القيام بالتركيز على السياسات التي تُحسّن التعليم والصحة والبنية التحتية، مما يزيد من الشمول المالي ويدعم المساواة في الحقوق .”كما دعا البنك الدولي في هذه الدراسة الى ضرورة إلغاء العبء االضريبي الذي يتحمّله أصحاب الدخل الثاني في الأسرة وهم غالباً من النساء.
الفجوات محلياً أكبر
عندما نقوم بقراءة العديد من المعطيات والإحصائيات الصادرة عن عدة جهات ، بالنسبة للفجوة القائمة في الأجور ما بين الرجال والنساء في سوق العمل على الصعيد المحلي ، نجد أنها تصل الى 21،8% وفق التدريج لمنظمة التنمية الإقتصادية ال OECD وبذلك تحتل بلادنا المكان الرابع بعد كوريا الجنوبية وأستونيا واليابان .
لكن عندما نقوم بقراءة الأرقام فيما يتعلق بالوسط العربي فأن الفجوات والفوارق تكون شاسعه بالمقارنه مع المعدل العام الذي إعتمدته ال OECD ولهذا الموضوع نحتاج الى معالجه خاصه لأهميته.
يوم المرأة العالمي فرصة لنشر السلام
وأخيراً موضوع يوم المرأة العالمي هو بمثابة رافعه هامة لطرح قضايا التمييز والعنف وغيرها التي تواجه المرأة عامة والعاملة خاصة وهي لا تعني المرأة وحدها بل جميع شرائح المجتمع وفي تصريح بهذه لغلوريا ستاينم الصحفية والناشطة المعروفه عالمياً في مجال حقوق المرأة قالت :” قصة نضال المرأة من أجل المساواة لا تنتمي الى نسوية واحدة ولا إلى منظمة واحدة ، بل إلى الجهود الجماعية لكل من يهتم بحقوق الإنسان”.
نعم نضال المرأة ليس قضية نسائية فقط ، بل هو قضيتنا جميعاً فهو يوم نضالي وفرصة هامة نقوم من خلالها بنشر رساله تحمل معاني المساواة التي تعني أيضاً راسلة السلام والتآخي في عالمنا .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.