مسلسل العبث : من حل المجلس التشريعي الفلسطيني إلى تشكيل حكومة اللون الواحد / عليان عليان

مسلسل العبث : من حل المجلس التشريعي إلى تشكيل حكومة اللون الواحد



عليان عليان ( الأحد ) 17/3/2019 م …

توالي قيادة السلطة الفلسطينية وقيادة حركة فتح إجراءاتهما العبثية ، المعمقة للانقسام ، في سياق مواصلة تحديهما لحركة حماس، واتهامهما لقيادة حماس بعرقلة المصالحة وإنهاء الانقسام ، وبدت هذه الإجراءات وكأنها أشبه ” بفشة خلق” ، أو السباحة في الفراغ دونما إدراك لعواقبها الوخيمة وتأثيراتها السلبية على القضية الفلسطينية.
وتتصرف هذه القيادة على نحو وكأنها فرغت من مقاومة الاحتلال ، ووضعت حد للاستيطان وكأنها أنهت إلى غير رجعة مؤامرة صفقة القرن الصهيو أمريكية ، ضاربة عرض الحائط بسلم الأولويات الخاصة بالقضية الفلسطينية .
لست هنا بمعرض الدفاع عن حركة حماس- التي تتحمل هي الأخرى جزءاً كبيراً من المسؤولية ، إنما بمعرض التفريق بين التناقض الرئيس والتناقض الثانوي ، فما يدور الآن هو تغليب للثانوي على الرئيسي ، ولا يفيد في هذه المرحلة استمرار المناكفات والملاسنات واستعراض عضلات اللسان لهذ المسؤول أو ذاك ، وليس أمام هذا القائد أو ذاك – فشعبنا هذه الأيام ، يفتقد لمسمى القيادة بعد رحيل الجيل المؤسس للثورة ولمنظمة التحرير –
فالشعب الفلسطيني ما عاد يأبه للمبررات التي يسوقها هذا الطرف أو ذاك ، وهو يرى قضيته تتراجع أميالاً إلى الخلف ، بعد أن بات يدرك أننا أمام صراع على السلطة ، وليس أمام تنافس على خدمة القضية ورافعتها ممثلةً بالوحدة الوطنية والمقاومة بكل أشكالها.
كانت الخطوة الأولى التي أقدمت عليها قيادة السلطة ، هي حل المجلس التشريعي بدون أية مسوغات دستورية حقيقية، حيث أجمعت كل من الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب ، وحركة فدا ، والمبادرة الفلسطينية ، وحركة حماس ، والجهاد الإسلامي ، ولجان المقاومة على رفض القرار واعتباره قراراً سياسياً ، ولا سنداً قانونياً له في النظام السياسي الفلسطيني .
وأمام انكشاف زيف المبرر الدستوري، راح البعض في السلطة ، يطرح مبرر أن المجلس معطل منذ عام 2007 ،وأن مدته القانونية قد استنفذت ، الأمر الذي أثار استغراب واستهجان المراقبين، في ضوء أن كل مواقع السلطة والمنظمة استنفذت منذ عام 1996 شرعيتها الزمنية والقانونية ، بدءاً من المجلس الوطني مروراً بالرئاسة وصولاً إلى المجلس التشريعي.
وكانت الخطوة الثانية من قيادة السلطة الفلسطينية ، الإعلان عن توجهها لتشكيل حكومة جديدة من فصائل منظمة التحرير واستبعاد الفصائل الإسلامية ” حركة حماس والجهاد الإسلامي “، التي قوبلت برفض فصائل الائتلاف الديمقراطي الفلسطيني (الجبهة الشعبية ، الجبهة الديمقراطية ، والمبادرة الفلسطينية ، حزب الشعب وحركة فدا )، لأنها رأت فيها خطوة تعمق الانقسام في الساحة الفلسطينية ، وتصب في خانة فصل الضفة عن القطاع .
وبعد أن رفضت فصائل الائتلاف الديمقراطي الفلسطيني، تشكيل حكومة من فصائل المنظمة وبعد أن وضع د. رامي الحمد الله قرار الاستقالة، بعهدة الرئيس عباس في 29 كانون ثاني الماضي ، اتخذت لجنة فتح المركزية في مطلع شهر آذار الجاري قرارها بتشكيل حكومة برئاسة أحد أعضائها ، وتنفيذاً للقرار الفتحاوي قام رئيس السلطة الفلسطينية، بتكليف د.محمد اشتية- عضو اللجنة المركزية لحركة فتح- لتشكيل الحكومة، وهي المرة الثانية التي يرأس الحكومة فيها أحد قيادات حركة فتح ، وكانت المرة الأولى في مطلع الألفية الراهنة عندما اضطر الرئيس الراحل ياسر عرفات، للتخلي عن رئاسة الحكومة لصالح مح مود عباس بضغط أمريكي .
الفصيلان الوازنان في منظمة التحرير ، وفي الائتلاف الديمقراطي اليساري-الذي جرى تشكيله في مطلع كانون ثاني الماضي – “الجبهة الشعبية ، الجبهة الديمقراطية” أعلنا عن رفضهما المشاركة في حكومة فئوية ، وأكدتا على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية ، مهمتها الإشراف على إنجاز انتخابات رئاسية وتشريعية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني ، في حين أدانت كل من حركة حماس والجهاد الاسلامي، هذا التكليف ورأت أنه ينم عن سلوك تفرد وإقصاء وهروب من استحقاقات المصالحة وتحقيق الوحدة ، ووصفة عملية لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة ، وتكريس الانقسام “.
و في أول تصريح للدكتور اشتية بعد تكليفه بتشكيل الحكومة ، أعلن بأن مهمتين رئيسيتين لحكومته هما (الأولى) استعادة الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام واستعادة غزة للشرعية الوطنية( والثانية) تكمن في تعزيز الاقتصاد الوطني بعد رفض السلطة الفلسطينية تسلم أموال الضرائب التي تجمعها (إسرائيل) نيابة عنها على البضائع التي تدخل إلى السوق الفلسطينية ، مقابل عمولة بنسبة (3) في المائة ، جراء مصادرة الكيان الصهيوني قسم من أموال الضرائب بذريعة أنها تذهب لأسر الأسرى والشهداء الفلسطينيين .
المهمة الأولى التي تحدث عنها محمد اشتية ،تنطوي على قدر كبير من التضليل ، إذ كيف لحكومة اللون الواحد وبعض الفصائل المجهرية، أن تتولى تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام”.
وهذا التضليل يشي بأن حكومة اشتية ، قد تقدم على خطوات تضييقية على قطاع غزة تتجاوز الخطوات التي تمت في عهد حكومة رامي الحمد الله ، تحت عنوان استعادة الشرعية .
والغريب العجيب ، أنه في الوقت الذي تتعرض فيه القضية الفلسطينية لخطر التصفية عبر صفقة القرن ، التي سيصار إلى الاعلان عنها بعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية ، يصار إلى تشكيل حكومة فئوية ، بدلاً من تشكيل حكومة وحدة وطنية ، تكون مهمتها بالإضافة إلى الاشراف على الانتخابات ، هو التصدي لمخططات حكومة اليمين أو اليمين المتطرف ” لا فرق” القادمة، في مجالي التهويد والاستيطان ، والتصدي لصفقة القرن التي جرى تطبيق بعض بنودها بشكل أحادي وخاصةً بند اعتبار القدس عاصمة موحدة وأبدية للكيان الصهيوني.
وبصدد المهمة الثانية المتعلقة بمواجهة الأزمة الاقتصادية ، لم يشر د. اشتية إلى كيفية حلها ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ، أنه حتى لو وصلت أموال الضرائب كاملةً للسلطة الفلسطينية ، فإنها لا تحل الأزمة الاقتصادية ،خاصةً بعد أن قطعت الإدارة الأمريكية المساعدات عن السلطة البالغة 840 مليون دولار ، ويبقى المخرج المالي في نظر السلطة هو اللجوء إلى دول الخليج ، لكن الكل يدرك أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية ، لا يمكنها أن تصرف دولاراً واحداً للسلطة بدون الحصول على الموافقة الأمريكية ، وبدون تقديم تنازلات سياسية ، على نحو قبول الدخول في مفاوضات حول صفقة القرن.
ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن حكومة الوحدة الوطنية ، بوسعها في حال تشكيلها، اشتقاق حلول للأزمة الاقتصادية ،من خلال علاقات العديد من فصائلها بمحور المقاومة ، وإيران على وجه التحديد ،التي سبق وأن عرضت على السلطة عام 2006 تعويض السلطة عن الأموال التي أوقفتها الدول المانحة، والتي اعترضت في حينه على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة أحد قادة حماس “اسماعيل هنية”.
ما يجب الإشارة إليه ، أن اختيار اشتية- الذي التحق بحركة فتح قبل عقد من الزمن، وفاز للمرة الثانية بعضوية لجنتها المركزية – ينطوي على معنى سياسي ، من عدة زوايا منها:
1-أنه منسجم مع نهج عباس في موقفه الرافض للمقاومة المسلحة.
2- أنه مسكون بفكر التسوية، منذ أن شارك في مفاوضات مدريد ، ومباحثات واشنطن وفي المفاوضات الاقتصادية مع الكيان الصهيوني ، التي أسفرت عن توقيع اتفاق باريس الاقتصادي الذي كرس تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي. .
3- أن تكليفه بتشكيل الحكومة – حسب مصادر فلسطينية- يحظى بقبول أمريكي وإسرائيلي وخليجي.
4-ناهيك أنه مندغم بالفكر الليبرالي ،وانعكاسات هذا الفكر على توجهاته السياسية، فهو ينتمي لذات المدرسة ، التي ينتمي إليها رئيس الوزراء السابق سلام فياض ، التي تنسجم مع سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين ، وفي ضوء هذه المدرسة شغل مواقع عديدة مثل : رئيس المجلس الاقتصاد الفلسطيني للتنمية والاعمار (بكدار) ، وعضو دائم في اللجنة المؤقتة لتنسيق المساعدات للشعب الفلسطيني ، وعضو دائم في المجموعة الاستشارية للدول المانحة.
كاتب وباحث فلسطيني

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.