القمع في غزة وإعلان نتنياهو بأن لا دولة فلسطينية ستقوم / فايز رشيد
مؤسفة هذه المناظر البشعة والمؤلمة، التي نشاهدها في وسائل الإعلام عن قمع حركة «حماس» لشعبنا الفلسطيني في القطاع، وقد نظّم شبابه مظاهرات سلمية تحت شعار «بدنا نعيش»، رفضاً للغلاء وفرض ضرائب جديدة، كما التدهور الاقتصادي، في ظل الحصار الإسرائيلي الذي يعيشه القطاع، منذ استلام الحركة دفة الحكم عام 2007، وما تبعه من انقسام فلسطيني.
تواصلت المظاهرات التي انطلقت من مناطق عدة من قطاع غزة، لتتصاعد باعتداء الأجهزة الأمنية لحماس على شبان الحراك. لم يرفع المحتجون مطالب تعجيزية، بل طالبوا بوقف العمل بقرار جمع الضرائب والمكوس عن جميع السلع والخدمات، التي ترهق المواطن الفلسطيني في قطاع غزة. كما طالب المحتجون بتوفير فرص عمل دائمة للعمال والخريجين، وإنشاء مكتب عمل يحمي حقوق العاملين في قطاع غزة.
وعقب التطورات التي شهدها القطاع منذ يوم الخميس الماضي، أصدرت فصائل منظمة التحرير، بيانات أعلنت فيها دعمها لمطالب المسيرات الشعبية ضد الغلاء، وتردي الأوضاع المعيشية في القطاع. وقالت الفصائل في بيانها إن «الأزمة الكارثية التي يشهدها القطاع سببها الاحتلال والحصار والانقسام، وقد عظّمتها الإجراءات العقابية، وقرارات المسؤولين في غزة بفرض المزيد من الضرائب وابتكار أشكال جديدة للجباية». وطالبت الفصائل بضرورة «محاسبة كل من تورط بالاعتداء على المتظاهرين، وأكدت على ضرورة حماية الحراك الشعبي من محاولات الاستخدام والشيطنة». بدورها استنكرت حركة الجهاد الإسلامي (حليفة حماس) سلوك أجهزتها الأمنية تجاه المتظاهرين، واستخدامها للعنف والأساليب القمعية تجاه المتظاهرين. مظاهر القمع واحدة، أيّا كان من يرتكبها ضد أبناء شعبه، كما ممارسات العدو الصهيوني. لذا، فإننا نستنكره بكافة أشكاله، سواء كان في غزة أو في الضفة الغربية، أو في بلدان الوطن العربي، أو في أي دولة من دول العالم. نعم، أيا كانت التبريرات التي سيقت من حماس، سواء في وصف ما جرى بـ»الخطأ» الذي مارسته عناصر منها كانوا يعملون على صيانة الصواريخ الموجّهة، أو اتهام المتظاهرين بالتبعية للسلطة الفلسطينية، والتنسيق مع أجهزتها الأمنية، ومن ثم جرى اعتقال العديدين منهم، بعيدا عن سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وفرض الضرائب الجديدة حتى على السلع الغذائية الرئيسية! فإن قمع المظاهرات السلمية، هو أسلوب بائس يعبّر عن أزمة ومأزق كبير يعيشه الطرف الذي يتولى السلطة، فليس من السهل التوفيق بين مبدأ المقاومة والتهدئة، كما أن بندا من بنود صفقة القرن، بعد أن كشفها التلفزيون الأمريكي «أي .بي. سي»، عبر المحلل السياسي فيه ستيفن كيوورد، يقضي بفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة فصلا جغرافيا وسياسيا، لذلك فليس من السهل المناداة بمبدأ المقاومة، وإبرام تهدئات مع العدو، فهذا التوافق في حقيقته ليس أكثر من مناورة مكشوفة للمراقبين. الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال الصهيوني أفيخاي درعي قبل بالرواية حول صيانة الصواريخ، التي تؤشر إلى أن ثمة صفقة يجري ترتيبها، خاصة بوجود وفد مصري في غزة (غادر القطاع بعد أن طلبت منه إسرائيل ذلك) قبيل قيامها بسلسلة من الغارات على القطاع. مهمة الوفد المصري تمثلت في دعم وتعزيز التهدئة المبرمة بين إسرائيل والحركة من خلال الجهود المصرية .
للأسف، جاء قرار حماس بتأجيل مسيرة العودة الكبرى يوم الجمعة الماضي، حتى بعد مضيّ قرابة العام على هذه المسيرات، التي شاركت فيها جماهير غزة بتصميم وإرادة كبيرتين، رغم محاولة الحركة الحد من هذا الحراك بتوظيفه في المساومات التي تجري، سواء لمناكفة السلطة الفلسطينة، أو الوصول لتفاهمات مع العدو الصهيوني، بعد إقراره بأن الصاروخين على تل ابيب أُطلقا خطأ، كما تبريرات حماس بأن التأجيل انما هو «استعداد لمليونية الارض والعودة، في الثلاثين من مارس الجاري». التأجيل جاء بضغوط هائلة من جانب وفد المخابرات المصرية، الذي زار غزة مؤخرا، وهو طلب من الجانب الصهيوني، ذلك مقابل تسهيلات اقتصادية ولوجستية وخدماتية لسكان القطاع، وليس إلغاءً للحصار، الذي يعاني من تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والخدماتية فيه، والمترافِقة مع ارتفاع نِسَب الفقر والبطالة والمواد الحياتية الرئيسية منذ سيطرة حماس على القطاع، وفشلها في تقديم أدنى الخدمات لمواطنيها. أيضا، يأتي قمع مظاهرات «بدنا نعيش» بعد تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني، بأن لا دولة فلسطينية ستقوم، وأن هناك 22 دولة عربية، يستطع الفلسطينيون أن يذهبوا إليها، وفي ظل قيام قطعان المستوطنين باقتحامات يومية للمسجد الأقصى المبارك. وقرار الحكومة الإسرائيلية ببناء الآلاف من الوحدات السكنية في المستوطات، والنيّة الإسرائيلية ببناء كنيس بالقرب من باب الرحمة للمسجد الأقصى، كذلك بعد قرار واشنطن بإسقاط صفة الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وهضبة الجولان العربية السورية، وقد استعملت أمريكا التعبير الذي ينفي صفة الاحتلال عن هذه المناطق في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان لعام 2018. الذي صدر منذ أسبوعين. كذلك، بعد التطور الخطير على قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، بنزع المقرر الخاص المعني بالأقليات التابع للأمم المتحدة، بإطلاق صفة «عديمي الجنسية» على اللاجئين الفلسطينيين، في تقريره المقدم للدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في جنيف، لذلك فإن الحل الذي يطرحه، هو بالتجنيس وليس بالعودة، رغم أن ذلك يتنافى مع القانون الدولي وأوضاعهم التي حددتها القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، المنعقدة في جنيف. إن هذا التوصيف يندرج تحت بند تصفية القضية الفلسطينية، ونزع الحق القانوني عن اللاجئين بالعودة إلى فلسطين. نعم، الفلسطينيون لا يعانون مشكلة انعدام، اما حق العودة بحد ذاته فإنه لا يتأثر بالتجنيس، لان الخروج واللجوء الفلسطيني كان قسريا وليس طوعيا. الفلسطيني لاجئ، وهكذا تعامله المفوضية أيضا، ولو كان عديم الجنسية لكان الفلسطيني في منطقة الأونروا خاضع لولاية المفوضية. لأن الفلسطيني يستثنى من ولاية المفوضية في مناطق عمليات الأونروا، كما أن العودة مكفول بالقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الثالثة. نتنياهو في زيارته لأستراليا العام الماضي، أعلن صراحة، بأنه يرفض قيام دولة فلسطينية رفضا مطلقا، وطرح حكما ذاتيا مكانها، متجنبا الحديث عن سرقة معظم مناطق الضفة الغربية، وكرر مزاعمه حيال الصراع العربي ـ الصهيوني وشروطه التعجيزية لحله. كما اعتبر خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأسترالي ملكوم تورنبول، في رده على سؤال حول إقامة الدولة الفلسطينية، بأن لا دولة فلسطينية ستقوم لأن من الأفضل عدم التعامل مع الشعارات، بل مع المضمون. وتساءل حينها، ماذا سيكون طابع الدولة الفلسطينية المستقبلية؟ هل هذه ستكون دولة تدعو إلى تدمير إسرائيل؟ هل هذه ستكون دولة ستستولي قوى الإسلام المتطرف فورا على أراضيها؟ وتجاهل الحصار غير الإنساني الذي تفرضه دولة الكيان الصهيوني على قطاع غزة والحروب العدوانية التي شنتها ضده، والدمار الرهيب الذي خلفته فيه.
نتنياهو يزعم دوما، «بأن جوهر الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، هو الرفض الفلسطيني المستمر للاعتراف بالدولة اليهودية مهما كانت حدودها. وحينما يعترف الفلسطينيون بالدولة اليهودية وببقائها، وبحق إسرائيل في الوجود وبأنها الدولة «القومية» للشعب اليهودي على أرض أجداده، ستقع سائر القضايا في محلها». بُثت تصريحات نتنياهو هذه ضمن فيديو بثه حزب الليكود على شبكات التواصل الاجتماعي، خلال حملته لانتخابات الكنيست المقبلة في التاسع من إبريل المقبل، حيث تطرق أيضا إلى «قانون القومية»، الذي ينص على أن «دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي، وأن حق تقرير المصير في دولة إسرائيل، يقتصر على اليهود فقط وأضاف: «أن قانون القومية، يعني لمن يتبع هذه الدولة من ناحية قومية، أن إسرائيل هي دولة تتبع للشعب اليهودي، تضم العلم باللونين الأزرق والأبيض، والنشيد الوطني هتكفا، وما شابه من رموز». وأيضا كتهيئة لإمكانية طرد فلسطينيي 48، الذين اعتبرهم في مؤتمر هرتسيليا الرابع، الذي عقد عام 2003، «قنبلة ديموغرافية». للأسف، بدلا من تحقيق الوحدة الوطنية كاشتراط ضروري لأي حركة تحرر وطني، يجري اتباع الأساليب التي تعزز الانقسام الفلسطيني المدمّر.
التعليقات مغلقة.