«خطباء الجهاد» يرسمون ملامح المرحلة: المعركة طويلة!
الأردن العربي – صهيب عنجريني ( الجمعة ) 22/3/2019 م …
أطلق تنظيم «داعش» شارة بدء مرحلة جديدة من تاريخه، هي مرحلة «حرب العصابات الجهادية»، على طريق استعادة أراضي «الخلافة»، فيما أعلنت «هيئة تحرير الشام» بوضوح سعيها إلى تحقيق «شوكة التمكين» في إدلب، قبل التفكير لاحقاً في «حرب تحرير طويلة». أما «الحزب الإسلامي التركستاني»، فشرع في التمهيد لمعركته الخاصة بعيداً عن سوريا، وهي معركة «الجهاد ضد الشيوعية».
صدرت في الأيام الماضية ثلاث كلمات مهمة لزعماء «جهاديين» ينتمي كلّ منهم إلى جماعة متطرفة مختلفة عن الأخرى. آخر الكلمات بثّاً، كانت كلمة صوتية للمتحدث الرسمي باسم تنظيم «داعش»، أبو الحسن المهاجر، فيما سبقتها بساعات كلمة لـ«شرعي هيئة تحرير الشام/ النصرة»، عبد الرحيم عطّون، وتزامنت معها كلمة ثالثة لـ«أمير الحزب الإسلامي التركستاني»، عبد الحق التركستاني. على رأس التفاصيل اللافتة، يأتي حرص الجماعات المتطرفة الثلاث على إصدار كلماتها بالتزامن مع ذكرى «الثورة السورية». ويبدو الوقوف على محتوى الكلمات المذكورة كفيلاً بتلمّس ملامح «الجهاد» في المراحل المقبلة، كما تراه الجماعات الثلاث. وعلى رغم أن كلاً من المتحدثين قد أخذ على عاتقه شرح أولويات جماعته، بما يعنيه ذلك من تباينات بين مشروع وآخر، إلا أن ثمة مُشتركات أساسية بين تلك الرؤى، أبرزها الحديث عن «طول أمد المعركة». وتشترك كلمتا المهاجر (داعش) وعطّون (تحرير الشام) في أن كلّاً منهما تحمل ملامح مشروع واضح، فيما تتمايز كلمة التركستاني عنهما بأنها تؤسّس لـ«مشروع واعد»، لم تنطلق شرارته الميدانية بعد.
«داعش»: المعركة في أولها!
جاءت كلمة أبو الحسن المهاجر تحت عنوان «صدق الله فصدقه»، وبثّتها «مؤسسة الفرقان»، إحدى الأذرع الإعلامية للتنظيم، وامتازت بطولها (45 دقيقة). جهد المتحدث للتأكيد أن «دولة الخلافة» ما زالت قائمة، برغم الهزائم التي منيت بها. وشدد على أهمية الجهاد ومركزيته في الشريعة الإسلامية، وأن «الصبر والنصر أخوان شقيقان». وأبدى التنظيم تمسّكاً برؤيته لـ«العالم اليوم»، حيث ينقسم إلى «فسطاطين لا يلتقيان»، هما «فسطاط أهل الإيمان» وتُمثّله «دولة الخلافة»، و«فسطاط أهل الكفر» ويضمّ كلّ من لا يعترف بسلطة «خلافة داعش». وتعود بذور هذا التقسيم إلى «خطاب الفسطاطين» الشهير لمؤسس تنظيم «القاعدة»، أسامة بن لادن، إثر هجمات 11 أيلول (2001)، الذي تبنّاه «داعش» على لسان زعيمه، أبو بكر البغدادي، قبل خمسة أعوام (للمفارقة، كان الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش (الابن)، سبّاقاً على بن لادن نفسه في تقسيم العالم وفق النهج ذاته، حين قال قبل شهر من كلمة بن لادن: «من ليس معنا، فهو ضدنا»).
حدّد المهاجر عديد مقاتلي التنظيم باثني عشر ألفاً
وجرياً على العادة، نهلت كلمة أبو الحسن المهاجر من القاموس الطائفي، فانطلقت التهديدات ضد «ربّة الوثنية أميركا»، و«التحالف الصليبي»، و«رافضة العراق»، و«ملاحدة الشام»، و«الصفويين الفرس»، و«حكومات الردة في جزيرة محمد». كذلك جهد المتحدث في التشديد على أن «معركة الجهاد طويلة»، وأن الولايات المتحدة «أعلنت نصراً مزوراً». وبدا لافتاً حرص المهاجر على التذكير بمعظم تصريحات الساسة الأميركيين التي بشّرت بأن تنظيم «داعش» لم ينتهِ، وبأنه قادر على العودة إلى المشهد في أقل من عام، ليخلُص إلى أن «الدولة عائدة إلى المناطق التي انحازت منها، طال الزمان أو قصر». الناطق هدّد بـ«حرب مفتوحة متعددة الجبهات، تحت راية واحدة»، وبـ«مطاولة العدو ومراغمته في كل مكان وشبر من الأرض».
كذلك، حرص على ذكر معركة الباغوز، والتذكير بتفجيرات الحسكة ومنبج التي استهدفت عناصر «التحالف» والتلويح بتكرارها، ولم يُغفل «مذبحة نيوزلندا». وخصّ المهاجر «الأكراد» بنصيب وافر من تهديداته: «خضتم حرباً لستم لها بأهل، وما بمقدوركم تحمل تبعاتها (…) معركتنا معكم لم يحمَ وطيسها بعد». وحرص في الوقت نفسه على تحذير «عشائر أهل السُّنة وأبناءهم في الشام وشرقيّ الفرات خاصة، من مغبة الانخراط في صفوف الملاحدة الأكراد». ودعا «آساد الدولة في البركة (الحسكة)، والرقة، والخير (دير الزور)» إلى «إعلان غزوة الثأر، واستئصال شأفة أهل الكفر». وعلى نحو مشابه، حثَّ المتحدث «عشائر أهل السُّنة في العراق» على الاستعداد للمعركة الطويلة، وقال: «ولتعلم الرافضة أن دار الخلافة بغداد لن تكون طهران أو قم ثانية، وأن بيننا وبينهم وقائع تشيب لهولها الولدان». واحتوت الكلمة على إشارتين شديدتي الأهمية: أولاهما، التأكيد أن البغدادي، زعيم «داعش»، ما زال حياً، ويوصي بوصفه «أميراً للمؤمنين» جميع «جنود الخلافة بترك أجهزة الاتصال» منعاً للتجسس. أما الإشارة الثانية، فتحديده عديد مقاتلي التنظيم باثني عشر ألف مقاتل «لم يُهزموا بإذن الله».
«النصرة»: نحن «الثورة والجهاد»!
بدوره، حرص «شرعي النصرة»، عبد الرحيم عطّون، على وضع كلمته في إطار «ذكرى الثورة السورية المباركة»، وحمد الله «على نعمة الثورة والجهاد»، فقد «دخلت الثورة في الجهاد ودخل الجهاد في الثورة ولم يعد من فرق بينهما». وعلى نحو مماثل لنظيره المهاجر، شدد عطّون على أهمية الصبر، وضرورة «إطالة أمد المعركة»، ورأى أن «المحتل حقق مرحلياً بعض النجاحات العسكرية، لكن الأمور إلى انقلاب وتغير (…) وما بين أيدينا من مكتسبات يصلح ركيزة ومنطلقاً لحرب التحرير الطويلة». وبدت ملامح «المشروع» الذي تسعى «النصرة» إلى تثبيته في إدلب حاضرة في كلمة عطون، عبر تأكيد «ضرورة انتظام مقومات الثورة الباقية في مشروع يخدم هدفاً واحداً»، في إشارة إلى خطط «النصرة» لتكريس «إمارة أرض واقع» وتحقيق «شوكة التمكين». وجدد تمسّك جماعته بـ«المهاجرين» («الجهاديين» غير السوريين)، الذين يشكلون إلى جانب «السكان الأصليين والمهجّرين، مخزون الثورة الاستراتيجي». وطلب من «كلّ مَن يحمل السلاح في المحرّر التحضير للحرب الطويلة»، التي لن تنتهي إلا بـ«تحرير دمشق وحكمها بشرع الله».
«التركستاني»: أعينونا في «الجهاد» ضدّ الصين
سلكت كلمة «الأمير العام للحزب الإسلامي التركستاني» مساراً مغايراً لمسار نظيرَيه. وخلت الكلمة من أي إشارة إلى «الساحة الشامية»، في مقابل تركيزها على «استنهاض الهمم» وضرورة «مدّ يد العون لمجاهدي تركستان في جهادهم ضدّ الصين». وحثّ التركستاني «علماء الأمة الإسلامية» على ضرورة «مخاطبة المسلمين في كل مكان، وتعريفهم بمظلومية تركستان وشعبها المسلم، وتذكيرهم بأن تركستان تُباد». وبدت الكلمة أشبه بإشارة مفتاحية إلى حملة وشيكة، تركّز على «مظلومية الأويغور». وقالت مصادر «شرعية» لـ«الأخبار» إن «خطب يوم الجمعة القادمة في معظم مساجد إدلب ستتناول قضية تركستان، وجهاد شعبها المسلم». وتكتسب هذه التفاصيل أهمية مضاعفة، في ظلّ التحولات التي طرأت على الخطاب الإعلامي لـ«الحزب الإسلامي التركستاني» في الشهور الأخيرة. وتكاد تخلو الأعداد الثلاثة الأخيرة من مجلة «تركستان الإسلامية» (أبرز الأذرع الإعلامية الناطقة بالعربية للتنظيم) من أي ذكر لسوريا و«الجهاد في الشام»، في مقابل التركيز على قضية إقليم شينغ يانغ، و«الجهاد ضد الشيوعية».
التعليقات مغلقة.