القمة العربية والمطالب الثورية / د زهير الخويلدي

د زهير الخويلدي* ( الأحد ) 24/3/2019 م …




 أول مرة تنعقد القمة العربية في تونس منذ نجاح الثورة الشعبية في الإطاحة بالحكم الشمولي وتركيز التجربة الديمقراطية التشاركية وتفعيل التعددية الحزبية والمواطنية وترسيخ الانفتاح والتعايش السلمي.

ما يميز الوضع العربي الراهن هو شدة الانقسام بين الدول وتباين التوجهات والتحالفات وبلوغ الاختلاف بين الأنظمة الحاكمة نقطة خطيرة ووصول القرار العربي إلى حالة من الضعف المحيّر والتراجع الفظيع.

لم يعد القرار السياسي بيد العرب أنظمة وشعوب وإنما صار خاضعا ومرتهنا للإرادات الإقليمية والدولية وبات المطبخ السياسي العربي حلقة تنفيذ وتطبيق الاملاءات التي تصنع في دوائر معادية للأمة والوطن.

لم يتفق زعماء العرب على بوصلة معينة منذ اندلاع حركات الاحتجاج الاجتماعي وفيهم من كان اعتصم بالمقاومة والصمود وحشد في سبيل ذلك الكثير وخاض حروب مدمرة ضد قوى داخلية مناهضة له وفيهم من تكلم بلغة التقاليد وحافظ على ما تبقى من تماسك اجتماعي وسلطة شكلية تتداعى للسقوط والتصدع وفيهم من انقلب على المسار الثوري وبسط سلطة الجيش على الشارع المنتفض وعاد بالزمن إلى الوراء وفيهم من يعيش اللحظات الأخيرة من حكمه ويكاد يفقد السيطرة على مقاليد الدولة بسبب الحراك والانتقاد وفيهم من يعيش حركية استثنائية في التأسيس ويتجه نحو استكمال المسار الديمقراطي وبناء المؤسسات.

فكيف سيتوحد القرار العربي في ظل هذا التشتت التنظيمي والفوارق الزمنية في التموقع والتحركات؟ وماهي النقاط العاجلة والمطالب الأساسية التي يمكن مناقشتها على جدول أعمال القمة غير الانقسام ذاته؟

ماهو مرفوض من الأوساط الشعبية عموما هو الاتفاق على المزيد من التطبيع والتنازل لصالح الأعداء دون مقابل وبصفة مجانية وتمرير صفقة العصر لمصلحة بني صهيون بغية التوجه نحو التعمير والتنمية.

والحق أن هذا المنطق الانهزامي السائد يختلف جذريا عن إرادة الشعوب الثائرة التي نادت بإنهاء الانقسام الفلسطيني وتوحيد الجهود نحو بناء قرار عربي واحد وثابت يحتكم لتلازم الثورة والديمقراطية والمقاومة.

كما ينتظر المراقبون تفعيل العرب لكثير لمحاور الشراكة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والتنسيق الأمني والعسكري من أجل بناء الأمن القومي العربي وتحقيق المزيد من التعاون التقني وتبادل للخبرات.

تنتظر المجتمعات العربية بفارغ الصبر تحقيق المزيد من التلاحم والاندماج على المستوى المؤسساتي وتطوير أداء الهياكل الثقافية والحقوقية والمالية والاجتماعية والتربوية القائمة لكي تطرح بالجدية الكافية قضايا التحولات والثورات ومطالب الشارع واستحقاق التشاركية والحرية والمواطنة والفضاء العمومي.

لكن في الغالب ما تقتصر هذه الاجتماعات على التلويح بشعارات فضفاضة حول التصدي للإرهاب ودعم القضية الفلسطينية ونبذ الخلافات بين الأشقاء وتوحيد الجهود العربية في التنمية الشاملة والاندماج ولكنها تنتهي دون توافق وإجماع وتتغلب المصالح القطرية والحسابات الضيقة على المصالح العربية المشتركة. فمتى تتصاعد وتيرة التغييرات ويستفيق العرب من غفوتهم ويعودوا إلى الجادة ويجعلوا من التصور الوحدوي هو العلاج الحاسم؟ وكيف يمكن أن ينتشر روح الثورات والتقدم داخل أنحاء الخيمة العربية؟

 *كاتب فلسفي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.