حتى لا ينام سكان الاردن على الرمال / د. عادل يعقوب الشمايلة

د. عادل يعقوب الشمايله ( الأردن ) الثلاثاء 26/3/2019 م …



الدول كالافراد تولد وتشب وتشيب وتموت. هكذا كان حال الامبراطوريات القديمة بدءا بامبراطورية الاسكندر المقدوني وبعدها الرومانية والفارسية والصينية والاسلامية والمغولية. لم يختلف الوضع، بداية ومصيرا، مع امبراطورية الاتحاد السوفيتي التي تربعت مع خصيمتها الولايات المتحدة الامريكية على عرش العالم عقودا طويله. فبالرغم من قوته العسكرية الهائلة ومساحته الاكبر، مقارنة مع سائر دول العالم، لم يعد الاتحاد السوفيتي موجودا، وولدت من أشلائه عدة دول مستقلة بعد عام ١٩٩٠ ، في وضع مماثل لما حدث للامبراطورية العثمانية عام 1917. كما اختفى الاتحاد اليوغسلافي وتبعثر لدول هي الان اعضاء في الامم المتحدة، وانقسمت تشيكوسلوفاكيا الى دولتين، ومثلها السودان الى دولتين أيضا، وتعايش العرب مع الواقع الجديد.
مُعظمُ الدول التي اختفت أو تقسمت ليست دولا عربية ولا اسلاميه. هذا يعني ان خطر الاختفاء والتقسيم واعادة التشكيل ممكن جدا كلما اوشك نظام عالمي جديد على الظهور بناءا على قرارات سياسية استراتيجية لمن يتولى إدارة العالم، لا دخل للدين بها. لذلك على الحكومات العربية والاسلامية أن تتوقف عن المغالطات والتبجح الاعلامي الهادف الى خداع شعوبها، الى أن تفاجأ بأن الامر قد إنقضى وليس أمامها الا الرضوخ. ذلك أن جزءا من حملة الخداع والتضليل للشعوب العربية يعتمد البعد الديني محاولا إقناع الجماهير بأن ما تتعرض له منطقتنا، إنما هو تخطيط صليبي المنشأ والغاية. إن الانخداع بمثل هذه التسريبات سيؤدي الى انقسامات داخليه في الجبهة الداخلية بين أبناء الوطن الواحد، وفي نفس الوقت يفتح الباب لصراع مع كافة مسيحي العالم الذين يشغلون اربع قارات ويسيطرون على جميع القارات. مثل هذه المواجهة غير المبررة، هي كمن يطلق النار على قدميه. لذلك، على سكان الاردن ان يكونوا حذرين، وان يتنبهوا لعدم الوقوع في مصائد بعض الاسلاميين المعطوبين بعقدة الفسطاطين، والمسكونين بالكراهية بين بعضهم البعض أولا، والكراهية لكل سكان الارض غير المسلمين واعتبارهم اعداءاً، يتعين غزوهم.
على سكان الاردن وما حولها، ان يفيقوا من غفلتهم ومن اوهامهم، وان يتذكروا أن الانجليز هم من اخترع الهوية الفلسطينية التي لم تكن موجودة في اي يوم من الايام. اذ لم يكن هناك على وجه الارض قبل عام 1915 من يقول عن نفسه أنه فلسطيني، لأن فلسطين التي نعرفها اليوم خُلقت لاول مرة بعد الحرب العالمية الاولى وخصوصا بعد وعد بلفور. كان سكان نابلس والقدس ويافا والخليل عربا من رعايا الدولة العثمانية ولم يتعاملوا مع بعضهم البعض على أنهم شعب واحد، كما لم يتعامل معهم بقية العرب على أنهم شعب منفصل.
الامر نفسه ينطبق على الاردن. إذ لم يكن هناك وطن ولا دولة ولا شعب اردني ولا هوية اردنية قبل اتفاقية سايكس بيكو. لم تكن هناك اي علاقات او روابط ما بين اربد وعجلون وجرش من ناحية، وبين الكرك والطفيله من ناحية اخرى. كما لم يكن هناك علاقات ما بين الكرك والطفيلة من جهة والسلط من جهة اخرى. ومن المؤكد أن لا علاقات ما بين السلط واربد، والسلط والمفرق. السبب هو عدم امكانية حدوث اي نوع من التواصل، بسبب إنعدام المواصلات وبعد المسافات، وصعوبة التضاريس. كانت كل مدينة ومجموعة القرى القريبة منها تشكل هوية منفصلة عما حولها. هذه الغربة هي التي سمحت بتشكل خمس حكومات في المنطقة التي اصبحت الاردن. ولولا الضغط الذي مارسته الدولة المنتدبة وهي بريطانيا لبقيت الحكومات الخمس، ولعايشنا خمس هويات وخمسة اعلام وخمسة أناشيد وخمسة جيوش وخمسة حدود وجوازات. الحكومات الخمس دمجها الانجليز عُنوةً في حكومة واحدة هي امارة الشرق العربي عندما قرروا منحها للامير عبدالله، وكجزء من عملية ضبط الامور على حدود الدولة اليهودية.
لقد قام الانجليز بخبثهم باختيار “مُسمى غربي” كان يرمز لقوم غرباء عن المنطقة وهم الفلست الذين قدموا من بحر إيجه (جزيرة كريت) واحتلوا جزءا من الساحل، ثم عمموه، أي الانجليز على كامل الاراضي غربي نهر الاردن ضمن ملف وعد بلفور، تحقيقا لمطالب اليهود. أي أن التسمية هي ترجمة لرغبة يهودية بدأت منذ مؤتمر بازل، بناءا على ترداد إسم فلسطين في التوراة. لم يَرد إسم فلسطين في القرآن وانما كان يشار الى المنطقة بتسميات مثل: الارض المقدسة، الارض التي باركنا حولها، أو اكناف بيت المقدس. نفس عملية التحريف قام بها الفرنسيون، حيث ألغوا التسمية التاريخية “بلاد الشام” واستبدلوها بسوريا وهو إسم قديم، ديني الدلالة غربي الارتباط، وهو تحوير للفظ “السريان” الذي تسمى به من اصبح مسيحيا من الاراميين، أو إسمٌ يعود لقومية اخرى هي الاشورية، نسبة للاشوريين وكانت منطقتهم تشمل بلاد فارس بما فيها العراق وارمينيا اضافة الى بلاد الشام. الانجليز والفرنسيون هم من اختار هذا الاسم واستبدلوا به الاسم الدارج على المنطقة بما فيها الاردن وفلسطين، وهو بلاد الشام. الهدف هو مسح الطابع العربي عن هذا المنطقة كمرحلة من مراحل تآمرهم. فسوريا لم تكن دولة في أي يوم من الايام.
على سكان الاردن وما حولها اليقظة، والعودة الى المنبع، الى حقيقتهم التي تلاعب بها الانجليز في بداية القرن الماضي. كان الانجليز هم القابلة غير القانونية، وهم من كتب شهادات الميلاد لهويتين، ثم عملوا بعد ذلك، كُلَّ ما في وسعهم لشطب احداهما وهي الهوية الفلسطينية التي صنعوها مرحليا لابعاد الطابع العربي والمرجعية العربية، واضفاء الطابع العبراني عليها، تمهيدا لاستبداله بمسمى اسرائيل الحالي. وها نحن نسمع هذه الايام، عن تباشير شطب الهوية الثانية وهي الهوية الاردنية التي صنعوها هم ايضا خدمة لمرحلة معينة. السكان على ضفتي نهر الاردن لا هوية لهم الا هوية العروبة التي شطبها العثمانيون، باسم الخلافة العثمانية اولا، وبمحاولات التتريك ثانيا، الذي افشلته نتائج الحرب العالمية الاولى بهزيمة الدولة التركيه.
إن العودة الى الاصل، الى المنبع ، الذي يعني رمي الهوية الفلسطينية والهوية الاردنية والهوية السورية، والهوية اللبنانية في وجه من اخترعها وتنفع بها، لانه الخيار الوحيد الذي سَيُمكنُ من مواجهة خواتيم صفقة القرن، والخروج من أتونها بإقل الخسائر الممكن، ولتكن البداية من هنا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.