ماذا بقي للعرب من مروءة بعد إهانة ترامب ونتنياهو؟ / فوزي بن يونس بن حديد
فوزي بن يونس بن حديد ( الأحد ) 31/3/2019 م …
ماذا بقي للعرب؟ دول بأكملها انهارت، ودول بعينها تعيش اضطرابات وصراعات، وشباب عربي تائه وسط هذه الصراعات، بين متطرف لا يعرف إلا قطع الرؤوس، وغير مبال بما يحدث حوله وقليل من يهتم بأمر شعبه ومصلحة بلاده وهم القوة النافذة في كل مجتمع يمثلون الأمة العربية التي تمزق شملها وضاعت هيبتها وانمحت قوتها وتأثيرها رغم أنها تملك ما لا يملكه غيرها، من ثروات طبيعية وبشرية هائلة، ماذا بقي للعرب أن يقولوه في قمتهم المرتقبة في تونس سوى تمتمات وكلمات وخطابات، حروفها مكسّرة، ونحوها مشوّه، ومضمونها فارغ من أي دعوة إلى اتحاد حتى لو شكلًا، إضافة إلى التمثيل الضعيف الذي سيكون على مستوى متدنّ لأغلب الدول العربية.
جمعتهم جامعة، لكنها سقمت، وسقمها مؤثر هذه المرة لا يرجى برؤه بسرعة، زادت الأسقام في الفترة الأخيرة وبدا دور العرب خافتا جدا يكاد يضمحل من المشهد العالمي، لكن الغريب أن الشعوب العربية اهتزت هي الأخرى ولم تعد تبالي بالوحدة العربية والقوة العربية، كانت أغنية ” وين الملايين وين الشعب العربي وين” تلهم حماس العرب شرقا وجنوبا، شبابا وكهولا، رجالا ونساء، وكانت خطابات جمال عبد الناصر تدوّي في آذان كل عربي، وكانت منابر حسن البنا تشعل القلوب العربية مروءة وشهامة ورجولة، كل ذلك ذبل وانتهى اليوم.
نعيش عصرا قوي فيه الاهتمام بالأنا، وكثر فيه الطمع والجشع، وانتصرت فيه المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن، فعم الفساد كل الأمكنة ونخر دولا بأكملها، وسمح المرء لنفسه أن تعتدي على الوطن، ومصلحة الوطن ومقدرات الوطن، فانتهى الحلم العربي ودُفن ولكن لا أقول للأبد ربما يأتي يوم من يوقد شمعة الأمل فتنير الدرب لحاملي الرايات النظيفة وهموم الأوطان البريئة، فيفرح كل مهموم وكل مغموم وكل مظلوم وكل ملهوف وكل مكلوم وكل مقهور، وينشأ من أصلابنا من يدافع عن قضايانا بكل قوّة ولا يخاف لومة لائم.
إن العرب اليوم في وضع لا يحسدون عليه، تمزّقٌ من الداخل، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ونهشٌ من الخارج، يستنزف الثروات ويبيع الأوطان ويقتل الإبداع والمبدعين والعلماء والمبتكرين، ويميّع الشباب ذكورا وإناثا، ويفكّك الأسر التي تبني المجتمعات، ويجرح القيم والمبادئ والأخلاق، ويقضي على كل مقاومة أينعت في البلاد العربية وأرادت العزة والكرامة.
ماذا بقي للعرب أن يقولوا في قمتهم العربية المقبلة في تونس، وبلادهم العربية تنهار الواحدة تلو الأخرى، بل مستعمرهم يهديها لغير مستحقها وأمام أعينهم، وهم يندّدون فقط، ويطالبون فقط، ولا يجرؤون على فكّها بالقوّة والقانون، متى تكون للعرب عزّتهم، متى نرى وحدتهم، متى نشعر أنهم أقوياء في وجه الطغمة الامبريالية الأمريكية والعنصرية الصهيونية التي احتلت البلاد طولا وعرضا بغير حساب، في وقت ظن العرب وإن بعض الظن إثم، أن إسرائيل تجاملهم وأن أمريكا تصادقهم، ألم يعلموا أن إسرائيل تستغل ضعفهم ووهنهم، وأن أمريكا تقايضهم بالذي هو أدنى وتستنقص من مروءتهم، ما أحلى العرب وهم يجتمعون على كراس فاخرة وأمام طاولات باهرة ويبتسمون ويقهقهون وهم يعلمون أنهم لا يفعلون شيئا.
ماذا بقي للعرب من مروءة وشهامة؟ ماذا بقي للعرب من أراض مقدسة غير محتلة؟ ماذا بقي للعرب من نخوة وحميّة؟ هل وصل العربي إلى هذا الحد من الدناءة والوضاعة؟ فإن كان الجواب نعم فإنه يستحق العقوبة، وعقوبته تأتيه من الذين يظن أنهم أصدقاء له وقد ذكر له الكتاب المقدس أنهم أعداء يخفون مالا يظهرون، وإن كان الجواب لا، فماذا ينتظرون أن يعلنوا الوحدة العربية، في إطار من الأخوة والتعاون المثمر، ونبذ الصراعات الداخلية وتنحّيها جانبا، والتفكير جديا بما يصلح الشعوب العربية ويكفل عزتهم ومجدهم ونصرهم وقوتهم.
صدقوني لو حصل هذا سيهاب منا ترامب ونتنياهو، ولن تقوم لهما قائمة، ليس الإرهاب فقط أن يحمل الإنسان سلاحا ويقتل الأبرياء بل إن احتلال الأرض واغتصابها دون موجب حق أو قانون هو الإرهاب بعينه، وتجويع شعب وخنقه اقتصاديا هو الإرهاب بكل تفاصيله، فقد يقتل الإرهابي الذي يحمل السلاح خمسين أو مائة شخص ولكن الإرهابي الذي يصدر قرارا باحتلال أرض أو عقوبات اقتصادية قد يقتل شعبا بأكمله، فانظروا إلى ما يحدث في اليمن وفي غزة وفي غيرهما من بلادنا العربية والإسلامية.
لو حصل الوفاق بدل الشقاق، والتعاون بدل التشرذم، والوحدة بدل العزلة، لاتّحدت الشعوب العربية في وجه الافتراس الغربي الموحش الذي ينهش أجسامنا العربية كل يوم، ويصيبها بسقم جديد يحمل سمّا ناقعا، يثبط كل أمل في الحصول على أمل قريب، فهل يحدث اختراق في قمتنا العربية أو في قممنا العربية مستقبلا؟
التعليقات مغلقة.