أطفال سورية: يتحدون داعش والإرهاب بالملابس العسكرية / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي ( سورية ) الأربعاء 12/8/2015 م …

لا تقتصر خطورة تنظيم داعش على التخريب والدمار الذي يمارسه فحسب، ولا على تدمير النسيج الإجتماعي من خلال القتل والذبح والتهجير والطائفية، بل امتد ليشمل الأطفال ويغتصب أحلامهم البريئة، إذ زج هذا التنظيم بأطفال لا تقوى أذرعهم على حمل السلاح في أتون المعارك الدائرة في سورية، ليستغل أجسادهم النحيلة لتحقيق أهدافه ومآربه، ولا تقتصر التدريبات لهؤلاء الأطفال على الجانب الجسدي، بل أصبحت عقولهم مرتعاً للأفكار العدائية التي يغذيها متطرفي داعش، في إطار ذلك ولد الصراع المسلح في سورية والحرب الممتدة منذ عام 2011 آثار سلبية على حياة الأطفال دفع ببعضهم إلى الحديث بنبرة صوت عالية مع أقاربهم وآخرين أصيبوا بأعراض أخرى منها تقليد القتال وتمردهم على قرارات الآباء والأمهات.

اليوم تبدو إستراتيجية داعش في تجنيد أطفال لا تتجاوز أعمارهم سن السادسة عشر ودفعهم لإرتكاب أعمال قتل وعنف وكأنها رسالة للعالم بأن هذا التنظيم لا يعمل فقط على نشر الإرهاب والفوضى وتفتيت الدول، لكنه يعمل أيضاً على تخريج أجيال جديدة من الإرهابيين، فهولاء الأطفال الذين تربوا وسط مشاهد العنف والتفجير والقتل وغسيل للأدمغة على المستوى السيكولوجي، سينشأون وهم يعتبرون أن القتل جزء من حياتهم اليومية، وهو ما ينشأ أجيال أشد عنفاً وقسوة من الإرهابيين الحاليين.

في سياق متصل يجمع التنظيم مئات الأطفال ويخضعهم لدورات شرعية، وفق منظور داعش للشريعة،  كما عمل على فتح معسكرات جديدة في محافظة الرقة وتحديداً في الطبقة لتجنيد الأطفال دون سن البلوغ وتسميم عقولهم بأيديولوجيته المتطرفة وتدريبهم على كيفية لبس الأحزمة الناسفة أو تفجير أنفسهم على الثكنات والمقرات العسكرية، إذ جرى مؤخراً تخريج آخر دفعة وهي ١١٠ أطفال للقيام  بالأعمال العسكرية ونقلهم إلى مقدمات صفوف جبهات المواجهة القتالية المتعددة التي تخوضها داعش، ويتم التغرير بالأطفال من خلال الخيمات الدعوية وتوزيع هدايا عليهم والسماح لهم بإستخدام أسلحتهم واللعب بها، وفي حالات أخرى يخطفون من الأهالي ويجرى تجنيدهم وتوظيفهم كشخصيات إنتحارية ومتفجرات متحركة  ودروع بشرية لحماية المنشآت والتحصينات من الضربات الجوية أو في العمليات الأمنية النوعية كالتسلل إلى المدن وتفخيخ العجلات والمنازل، وقد وثقت بعض المصادر لحقوق الإنسان مصرع 52 طفلاً مقاتلاً دون سن الـ16 عاما، بينهم ما لا يقل عن 18 فجروا أنفسهم بعربات ملغومة، منذ تخريج أول دفعة من الجنود الأطفال وإرسالهم للقتال في مدينة كوباني في 25 يناير الماضي.

وعلى صعيد آخر يعود إتساع ظاهرة تجنيد الأطفال الى إنخفاض عدد المقاتلين الأجانب المتسللين لمناطق التنظيم نظراً لتشديد الإجراءات الأمنية على بعض الحدود، باللإضافة الى الخسائر التي لحقت بصفوف مقاتلي داعش في سورية، فهذا التتنظيم يهدف الى كسب الأطفال وجعلهم خلايا نائمة مستقبلية له حتى بعد تحرير المناطق كي يتواصل معهم ويتمكن من إستخدامهم لتنفيذ مخططاته الخبيثة، أو لإنشاء عناصر مؤمنة بأفكاره، ونتيجة لذلك إنتفضت منظمات وهيئات الأطفال لرفض ما يقوم به تنظيم داعش، فأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف”، رفضها التام لأعمال التنظيم وحذرت من استغلاله للأطفال، وتجنيدهم واستخدامهم في النزاعات المسلحة.

ومن ناحية أخرى أن الأطفال تغيروا كثيرا فبدل أن كانوا أطفال يلهون في الشارع لا يعرفوا شي أصبحوا يسألوا عن داعش والقوى المتطرفة الأخرى والداعمين لها وعن السبب الذي جعلها تدخل الأراضي السورية وتقتل وتدمر وأصبح عندهم حب للإنتقام، وفي الاتجاه الآخر ومع تصاعد وتيرة تقدم الجيش السوري والقوات الأمنية ضد تنظيم داعش، تزايد إقبال الأطفال بمختلف أعمارهم على شراء الملابس العسكرية في مختلف المدن السورية، بمختلف أنواعها التي تشبه ما يرتديه منتسبي القوات الأمنية من جيش وشرطة ولجان شعبية، فهؤلاء الأطفال بسبب زيادة إعجابهم بالقوات الأمنية وبغية التشبه بهم، طالبوا بشراء الملابس العسكرية أسوة بأصدقائهم في مختلف المناطق، الذين اتفقوا على شراء هذه الملابس دعماً منهم لقوات الجيش السوري، إن الزي العسكري لم يقتصر على الأطفال من فئة الذكور فقط فهناك الزي العسكري الخاص بالإناث مما أسهم بزيـادة الحس الوطني لدى الأطفال جميعاً، وبالتالي فإن ظاهرة انتشار الملابس العسكرية في الأسواق ليست بالجديدة فأبناء المحافظات يتحدون داعش ويقبلون على إرتداء هذه الملابس ولديهم الرغبة في الالتحاق بصفوف القوات العسكرية من أجل تحرير بقية مناطق سورية من تنظيم  داعش،  كما أن الملابس العسكرية تزيد من قوة الشخصية لدى الطفل وتشعره بالدور البطولي الذي يقوم به الجندي السوري في ساحة المعركة، بالإضافة الى أن هناك أناشيد وطنية وحماسية قام بغنائها مختلف الأطفال لمساندة قوات الجيش ومشيدة بالإنتصارات التي حققتها وهم يرتدون الملابس العسكرية مما جعل الصورة العسكرية عالقة في أذهان الكبار والصغار من أبناء سورية، ومن هنا فإن إرتداء الأطفال الملابس العسكرية ماهي إلا عملية تقليد لذويهم أو إخوتهم أو جيرانهم من أبناء منطقتهم الذين التحقوا في صفوف القوات العسكرية للدفاع عن الأراضي التي احتلها تنظيم داعش، كما سخر عدد من الأطفال من الفيديوهات التي ينشرها تنظيم داعش عن قتله الرهائن التي يختطفها عناصر التنظيم بطريقة بشعة كالذبح والحرق، وقد قلد هؤلاء الأطفال أمراء التنظيم ومقاتليه أثناء ذبح الرهائن بطريقة ساخرة ما أثار دهشة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى، جاء ذلك في رسالة وجهها الأطفال للتنظيم تحمل رسالة مفادها الصمود وعدم الخوف مما يقومون به من قتل وذبح للرهائن، بإختصار شديد يرجع الإقبال على شراء الزي العسكري لدى الأطفال السوريين لحالة الحرب التي تخوضها الدولة السورية على داعش، عدا إن إرتداء الزي يعبر رمزياً عن الالتفاف حول الجيش والقيادة، كما يزرع حب الوطن والتضحية في سبيله.

مجملاً….هؤلاء الأطفال يناشدون المنظمات الإنسانية العالمية والمنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني، لإيقاف نزيف هذه الحروب، حرصاً على مصلحة الوطن ، وتقديم المساعدات والعلاجات لمن عانوا من هذه الحروب، وأمام جيشنا السوري بكل عناصره الوقت اللازم للتصدي لتلك الزمر المجرمة التي لا يروق لها إستقرار سورية وتحقيق الأمان فيها، لذلك لا بد من تحصين أطفالنا من سموم تلك الجماعات وهو الأمر الذي لابد أن يعطى الأولوية في كافة برامجنا وخططنا التي تعمل من خلالها على دحر الإرهاب والقضاء على فلوله الذين عاثوا في الأرض فساداً.

[email protected]

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.