تطاول ترامب ووقاحة بومبيو والخنوع العربي / د. فايز رشيد
يعتقد الرئيس وتاجر العقارات الأمريكي الرئيس دونالد ترامب، أنه يستطيع التحكم بالعالم، كما يمتلك الوطن العربي، فيقوم بتوزيع أراضيه وفق ما يشاء، ويعلن قرار اعتراف الولايات المتحدة، بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان العربية السورية المحتلة، معتبرا أنها ذات أهمية استراتيجية للأمن الإسرائيلي، تماما كما منح من قبل، مدينة القدس العربية الفلسطينية لها، في قراءة بل تزييف واضح للتاريخ والوقائع، متجاهلا ردود فعل الشعوب العربية والإسلامية، وغير عابئ بحكوماتها، التي لم يتخذ بعضها سوى بيانات شجب واستنكار ملّ منها المواطن العربي، والتي قال عنها نتنياهو، بأن مصيرها هو وضعها في سلّة المهملات.
يأتي القراران الأمريكيان حول القدس والجولان، وسط الرفض الإسرائيلي المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني والحقوق العربية في أراضي الدول المحتلة، وحتى لما سُمّي بـ»مبادرة السلام العربية» التي اقترحتها قمة بيروت عام 2002، ومعادلة «الأرض مقابل السلام» والإصرار على المعادلة الأخرى «السلام مقابل السلام». رغم كلّ ذلك، يجري التطبيع المجاني بين بعض الدول العربية وإسرائيل.
كما أن نتنياهو أعلن منذ فترة قريبة، وفقا لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، أنه يتباهى بـ»إقامة علاقات سياسية مع ست دول عربية وإسلامية، كانت معادية لإسرائيل إلى وقت قريب، وبعض هذه العلاقات ما زالت في طور السريّة، وتعدّ من الدول المهمة». يلجأ مسؤولو الإدارات الأمريكية المتصهينة إلى الارتكاز على المقولات الدينية لتسويغ سياساتهم، فمثلا قال وزیر الخارجیة الأمريكي بومبيو مؤخرا: «إنني أعتقد أن الله أرسل الرئیس الأمريكي ترامب من اجل إنقاذ إسرائیل من إیران»، أثارت التصریحات ردود فعل عدیدة، لأنھا تثبت أن الإدارة الأمريكیة تدیر سیاساتھا بشكل یقترب من الإلهام الإلهي، وإشارات آخر الزمان، بما یفسّر وقوف ھذه المدرسة إلى جانب الإسرائیلیین في اعتداءاتهم وجرائمهم، ذلك فوق القداسة الزائفة التي یمنحھا الوزیر للرئیس، وھي القداسة ذاتها التي حاول الرئیس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن إضفاءها على نفسه حین صرح ذات مرة: أن الله یتحدث الیه مباشرة ویكلفّه بمھمات مختلفة. أيضا، فإن بومبيو أظهر وقاحة وعنجهية كبيرتين، أثناء زيارته مؤخرا إلى لبنان حين تدخّل بشكل فظ ّ في الشؤون الداخلية اللبنانية، لكن اللبنانيين الذين اكتووا بنيران الفتن الأمريكية والإسرائيلية، التي تمثلت في حرب أهلية استمرت أكثر من 15 عاما في سبعينيات القرن الماضي، أظهروا درجة عالية من الوعي، ولذلك أفشلوا مهمة بومبيو الملغومة، واستطاعوا المحافظة على نوع من الوحدة الوطنية.
فعندما تدّعي إسرائيل أن المربّع التاسع في البحر المتوسط الغني بالنفط والغاز هو ملكها، وترفض السماح لشركات التنقيب التي تعاقدت معها الحكومة اللبنانية ومنحتها امتيازات، وتستمر في احتلالها لمزارع شبعا، فإن هذا استفزاز يجعل اللبنانيين يلتفون حول جيشهم، وحركات مقاومتهم لحماية المصالح والثّروات اللبنانيّة، وتحرير ما تبقّى من أراضيهم تحت الاحتلال.
معروف تأثير الإنجيليين الأمريكيين على الإدارات الأمريكية، وبخاصة الإدارة الحالية، ويسمونهم في الولايات المتحدة بالتيار الصهيومسيحي، وهم من أهم مؤيدي إسرائيل فيها. إنهم يدعمونها أكثر من يهود أمريكا، الذين يعدّون 6 ملايين، من 14 مليونا من اليهود ينتشرون في مختلف أنحاء العالم. الإنجيليون هم، وكما وصفهم سفير إسرائيل في واشنطن رون ديرمر، بأنهم دعامة إسرائيل الأمريكية. ووفقا لمجلة «ديلي بيست» فإن بنيامين نتنياهو لا يعول كثيرا على الطائفة اليهودية الأمريكية من أجل استغلالها في التأثير على حكومة ترامب، لاسيما أنه لم يصوت للملياردير الأمريكي سوى 18% فقط من اليهود الأمريكيين خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بل على الإنجيليين بشكل رئيسي. لقد جوبهت خطوة ترامب الاستفزازية، برفض غالبية دول العالم لها، بما فيها الاتحاد الأوروبي، كما الأمم المتحدة وغيرها. ولقد أعلن الاتحاد الأوروبي عدم تغير موقفه الرافض للاعتراف بأي سيادة لإسرائيل على الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها هضبة الجولان.
يلجأ مسؤولو الإدارات الأمريكية المتصهينة إلى الارتكاز على المقولات الدينية لتسويغ سياساتهم
وأعلنت وزارة الخارجية البريطانية أنها ترفض الاعتراف بضم إسرائيل مرتفعات الجولان، وشددت في بيانها، على أن القانون الدولي يحظر ضمّ الأراضي باستخدام القوة. ووصف وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الخطوة الأمريكية بــ «الانتهاك الصارخ للقانون الدولي، وأضاف لافروف في اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو: أن هذا الاعتراف يعرقل تسوية الأزمة السورية، ويعقّد الأوضاع في الشرق الأوسط. كما أعلنت كندا أيضا رفضها للقرار. كما ان كثيرا من المراقبين والمحللين السياسيين رأوا في قرار ترامب، أنه سيزيد من عزلة الولايات المتحدة عالميا. حتى بعض الصحف الإسرائيلية كـ»يديعوت أحرونوت»، ففي مقالها المعنون بـ»السكان رسموا حدود الجولان»، توصلت إلى نتيجة: بأن قانون ضم الجولان، كما هو أيضا الاعتراف الأمريكي، لا توجد لهما قيمة من ناحية القانون الدولي. نعم ، الولايات المتحدة التي غزت العراق بهدف المحافظة على القوانين والاعراف الدولية، وقد ثبت زيف ادعاءاتها بخلّوه من أسلحة الدمار الشامل، هي التي تخرق هذه القوانين والشرائع، وقد تبين أنها اجتاحت هذا البلد العربي العريق تاريخا ووجودا وحضارةً، وساهمت ولا تزال في تدمير سوريا، بهدف الحفاظ على الأمن الاسرائيلي.
أما عالمنا العربي، فللأسف يغرق نظامه الرسمي في حروبه البينية، واعتداءاته على بعض الدول، مثلما يجري في اليمن، الذي دخل منذ يومين السنة الخامسة من الحرب، رغم التشدّق والمكابرة والادّعاء بالأخوّة العربية والإسلامية، التي ثبت بالملموس انها مجرد شعارات إن لم تكن أساطير! تُرفع في المناسبات وعلى شاشات الفضائيات، فيما على الارض يقوم أصحابها بنسفها وتحويلها الى قنابل وقذائف تفتك بالأبرياء والمدنيين. قرارات إسرائيل وحليفها الأمريكي في واد، والنظام الرسمي العربي في واد آخر. يريدون إيصال المواطن العربي المغلوب على امره إلى حالة من اليأس واللاجدوى، وجعلوه رهينة من أجل السعي لتحصيل قوت يومه، ورغم كل ذلك، ما زال يقاوم. لا يختلف اثنان على انه مَن جاء بأسوأ الكوارث للشعب الفلسطيني بعد النكبة التي حلّت به عام 1948، كما الشعوب العربية هي السياسات الحمقاء للنظام الرسمي العربي، فلم يُسقط فحسب القضية العربية الأولى من أجندته وهي القضية الفلسطينية، وما يستتبع ذلك من حقيقة ثانية، وهي أن أسباب كل إشكاليات الوطن العربي هي إسرائيل، وحقيقة ثالثة، أن الولايات المتحدة لن تكون يوما مساندة إلا لها، ولا تعبأ بعلاقتها العربية إلا من زاوبة خدمة أمن حليفتها الاستراتيجية الأولى، وأن ما هو مهم بالنسبة لواشنطن هو نهب الثروات العربية، واستعمال الأسواق العربية مجالا لتصريف البضائع الأمريكية، وإيجاد قبول عربي لهذه الدولة بكل ما تقترفه من مذابح وموبقات بحق الفلسطينيين والأمة العربية.
أما الحقيقة الرابعة فهي أن النظام الرسمي العربي وبدلا من مجابهة إسرائيل، فهو يقع في حبائل المخططات الإسرائيلية والأمريكية، الطامحة إلى وجود تحالف عربي ـ إسرائيلي، لإظهار أن الصراع الأساسي في المنطقة، ليست إسرائيل سببه، وإنما جهات إقليمية ودولية أخرى. إننا لا ننكر بالطبع نظرية المؤامرة، والمخططات الإسرائيلية والأمريكية والغربية والإقليمية .ناهيك عما يستعِدّ له «كوشنَر وشُركاه» من إلحاق كوارث جديدة بالأمة العربية، من خلال محاولات تطبيق «صفقة القرن» وشبيهاتها، وإلحاق كوارث جيوسياسية وديموغرافية جديدة بالوطن العربي. ندرك تماما أن هذه المرحلة ليست مرحلة رفع شعار الوحدة العربية ولا حتى التنسيق العربي، ولكن فلتدافع الأنظمة العربية في أقلّ الحالات عن مصالح دولها، وذلك أضعف الإيمان! لكن، ولا حتى هذا، متوفر وبالفعل، صدق المثل العربي القائل: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض! إنه زمن الهوان العربي.
التعليقات مغلقة.