هل تنزلق تركيا إلى.. مربع العنف؟ / محمد خروب
محمد خروب ( الأردن ) الخميس 13/8/2015 م …
تقدمت تركيا على سُلّم الاخبار الدولية في الاونة الاخيرة، وخصوصاً بعد سلسلة «العمليات» التي استهدفت القنصلية الاميركية ومراكز شرطة ومواقع عسكرية، بما في ذلك طائرة مروحية، الامر الذي اثار المخاوف من احتمال وقوعها في دائرة العنف ليس فقط مع انهيار «الهدنة» التي كان اعلنها حزب العمال الكردستاني PKK بل وايضاً في عودة «اليسار الثوري» التركي الى الاضواء واصراره على العمل العسكري طريقاً لتحقيق اهدافه في «استرداد» تركيا من الاستعمار الاطلسي على ما تقول ادبياته وعلى وضع حد للحكومات الفاسدة التي تعاقبت على حكم تركيا سواء خلال حكم المؤسسة العسكرية عندما صعّد الجنرالات بدباباتهم الى قصر شنقايا في انقرة ثلاث مرات خلال اقل من نصف قرن، ام خلال حكم الأحزاب (الفاسدة والضعيفة في نظر اليسار) التي كانت تلتزم تعليمات الجنرالات، تحت طائلة الاعتقال او «اغلاق» الاحزاب او حتى الاعدام.
بالطبع لا يُبرر لليسار لجوءه الى العنف لتحقيق اهدافه السياسية، رغم انه كان على رأس ضحايا الانقلابات العسكرية وخضعت كوادره وقياداته ونشطاؤه الى مطاردات وملاحقات واعتقالات واعدامات وتنكيل وحشي وبخاصة بعد الانقلاب الذي قاده الجنرال كنعان ايفرين في العام 1980، الاّ ان المناخات التي اوجدتها الحرب «المفتعلة» التي اشعلها رجب طيب اردوغان ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي والاتهامات الموجهة الى زعيم حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) صلاح الدين ديميرطاش، بأنه داعم للعنف والارهاب، فضلاً عن الاعتقالات التي طالت نشطاء يساريين بذريعة الحرب على الارهاب، وخصوصاً بعد مجزرة «سوروتش» التي استهدفت ناشطين يساريين في 20 تموز الماضي.. «كلها» زادت من منسوب الاحتقان والتوتر ودفعت بالمنظمة اليسارية الابرز «جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري» DHKP (وهي المنظمة الاقدم في اليسار التركي التي ورثت «تاريخ» وتجربة عدة منظمات يسارية تركية معروفة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي) للقيام بمهاجمة القنصلية الاميركية في اسطنبول، والتهديد بمواصلة عملياتها ضد مراكز وممثليات النفوذ الغربي وخصوصاً الاميركي في تركيا.
على المرء ان يكون اكثر حذراً وعدم الذهاب بعيداً، عند تحليل ما يجري في تركيا الآن، من عنف، وخصوصاً عدم الوقوع في فخ الاستنتاجات المُتسرِعة عن «انقلاب السحر على الساحر.. اردوغان» وانه سيدفع ثمن مغامراته ومؤامرته في سوريا وانه سيشرب من الكأس المسمومة التي حاول «تجريعها» للنظام السوري، لأن «جزءاً» من نتائج ما يحدث الآن في تركيا سيستثمره اردوغان لصالحه.. سياسيا، ويوظفه في خدمة مشروع حياته الذي لم يتخلَ عنه بعد، ونقصد تحويل النظام البرلماني القائم الى نظام رئاسي، لهذا فهو يلجأ الى خطوات «محسوبة» لفرض واقع جديد على خصومه (إقرأ اعدائه) سواء كانوا كرداً ام منظمات يسارية تركية مختلفة الرايات والشعارات والايديولوجيات، بهدف تخويف الجمهور التركي من «ارهاب» الاكراد واليسار (بالمناسبة اليسار التركي اسهم في تمكين حزب الشعوب الديمقراطي من تجاوز نسبة الحسم 10% والتوفر على 80 مقعداً في البرلمان، وكان ذلك على حساب حزب العدالة والتنمية في وجه الخصوص)، وبذلك فانه (اردوغان) يعتقد ان «منطقه» سيجد «تفهماً» لدى الجمهور التركي الذي سيمنحه المزيد من الدعم والاصوات في الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي قد تجري في تشرين الثاني القريب.
ليس مفاجئاً او غريباً اذاً، ان يوجِّه صلاح الدين ديميرطاش اتهاماً مباشراً لاردوغان بأنه قد اعدّ للحرب.. «مسبقاً»، عندما اراد استرضاء الرأي العام الدولي، وبدأ الحرب «الشكلية» على داعش، لكن كان هدفه الاساسي هو الاكراد والقوى الديمقراطية، الذي يراهم اخطر من داعش.. هدفه – يواصل ديميرطاش – هو ترهيب الاكراد والقوى الديمقراطية..
هل ينجح مخطط اردوغان في استدراج «اعدائه» الى فخ الافراط في استخدام العنف، وبالتالي دفع الجمهور الى احضان حزب العدالة والتنمية من جديد؟ أم أن حزب الشعوب الديمقراطي والقوى الديمقراطية التركية ستكون اكثر نُضجاً ومسؤولية، لتفويت الفرصة على قارعي طبول الحرب وعسكرة الحياة السياسية في تركيا، حيث يسعى اردوغان من خلالها الى تجسيد حلمه الطوراني الاستعماري، ولكن بنسخته العثمانية الجديدة؟
.. الأيام ستقول
التعليقات مغلقة.