تداعيات القمة العربية وأثرها على الأمن القومي العربي / د. حسين عمر توقة
يكاد الشعب العربي من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب يجمع أن القمم العربية قد فقدت الأهداف العظيمة والآمال والطموحات التي دعت لعقدها حيث فقدت الشعوب إيمانها بقادتها هؤلاء القادة الذين فشلوا في تجاوز خلافاتهم وفشلوا في تحقيق إسترجاع أقدس مدنهم القدس وفشلوا في تحقيق تسوية القضية الفلسطينية بل كان ردهم على موافقة الرئيس الأمريكي بضم الجولان المحتلة العربية إلى السيادة الإسرائيلية ردا باهتا بلا لون أو رائحة وفشلوا حتى في تحقيق أقل بادرة من الإحترام للذات ونسوا أن تحية الإسلام هي السلام فأدار بعض القادة وجوههم عن بعضهم البعض بل سارع بعضهم إلى مغادرة القمة قبل أن تنتهي وهم أفضل بكثير ممن لم يحضروا القمة.
وفي ظل الصراع القائم في اليمن وسوريا وليبيا والسودان وفي ظل التخلص من آثار داعش في العراق ومحاربة الإرهاب في مصر العربية والرضوخ إلى حقيقة تمزيق مجلس التعاون الخليجي الذي كان من أنجح التجارب العربية في الوحدة والتعاون وفي ظلال بوادر نجاح إيقاع شرخ لا يرحم بين كل من المعسكر الشيعي بقيادة إيران وبين المعسكر السني بقيادة السعودية هذا الشرخ الذي دفع بعض الدول العربية إلى الإعتقاد أن إسرائيل هي الحليف الذي يمكن أن يساعدهم في التصدي إلى النفوذ الإيراني المتزايد في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان .
ومن جانب آخر فإن الثروات العربية ومن بينها النفط والغاز قد انفقت في تمويل ثورات وإنقلابات في دول عربية . ومن خلال هذا الإنغماس في تدمير الذات أغفل العالم العربي أن العالم الغربي وبالذات أوروبا سوف تتوجه في العام المقبل إلى الإعتماد على الغاز بدل النفط وكذلك الحال بالنسبة إلى الصين رغم حاجتحها المتزايدة إلى مشتقات النفط . وبكل أسف فإن الدول العربية حتى هذه اللحظة تفتقر إلى شبكات أنابيب النفط والغاز التي تربطها بكل من أوروبا والهند والصين بإستناء الجزائر التي تربطها شبكتا أنابيب للغاز مع كل من إسبانيا وإيطاليا بالإضافة إلى ليبيا التي تربطها شبكة أنبوب غاز مع إيطاليا . إن كل العالم العربي اليوم لا زال يعتمد على ناقلات النفط العملاقة والتي تمر من خلال مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس حتى خط أنبوب النفط العراقي إلى ميناء جيهان قد توقف . إن روسيا بنت شبكات أنابيب عملاقة لتوريد النفط والغاز إلى كل من ألمانيا والصين وإن إيران قد مددت أنبوب نفط إلى الباكستان وتطمح إلى توسعته حتى يصل الهند في المستقبل القريب . إن هذا الكم الهائل من النفط والغاز في العالم العربي هما تحت سيطرة من يسيطر على مضيق هرمز ومضيق باب المندب . إن روسيا وإيران تخططان اليوم من أجل السيطرة على أسواق أوروبا والصين والهند وهي أكثر مناطق العالم استهلاكا للنفط والغاز . ولا ننسى قيام إسرائيل بالسيطرة على حقول الغاز الممتدة من شواطىء سوريا ولبنان وغزة وقبرص وتنشط من أجل بناء شبكات أنابيب غاز تربطها بأوروبا من خلال قبرص واليونان وبأوروبا من خلال تركيا .
الأمن القومي العربي في مهب الريح :
لقد كثرت في الآونة الأخيرة المواضيع التي تحمل عنوان الأمن القومي. كما كثرت الدول التي رفعت شعار الأمن القومي. ويبدو وبكل أسف أن معظم هؤلاء الاخصائيين والخبراء قد تناسوا أو تجاهلوا بشكل أو بآخر عدم التقدمة والتمهيد لهذا المفهوم ولم يعمدوا الى تعريفه وتوضيح معانيه ومدلولاته. وانني في هذه العجالة سوف أحاول استعراض التطور الفكري والتاريخي لمفهوم الأمن القومي أملا أن أكون قد أجبت على الكثير من التساؤلات التي تخطر ببال القاىء العربي كلما أطلت عليه هذه الكلمات والمصطلحات.
ان أي دولة في العالم يدفعها حب البقاء والاستمرارية لا بد وأن تتصرف تلقائيا أو عن تخطيط مسبق لتحقيق هذا البقاء. وان كل ما تقوم به الدولة في هذا السبيل هو انعكاس للتفاعل بين مفهوم الأمن القومي للدولة وللظروف أو التهديدات التي تحيط بها. ولما كانت هذه التهديدات مختلفة بين دولة وأخرى اختلفت السياسة التي تنتهجها الدول في اطار المفهوم للأمن القومي الخاص بها. ولكن هناك بعض الأسس والمبادىء الأولية التي تلتقي عندها او على الاقل تتشابه في مدلولاتها وتركيبها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا.
قد يظن الكثيرون أن المفهوم للأمن القومي قد بدأ عندما تم تأسيس مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة عام 1947 وذلك من أجل دمج السياسات الداخلية والخارجية والحربية في استراتيجية واحدة لتحقيق الأمن القومي.
وقد يظن الكثيرون أن مفهوم الأمن القومي يقتصر على الجيش والأمن العام والمخابرات.
ان الدولة لا تحتاج الى اثبات أهميتها باللجوء الى فرض سيطرتها على بقية الدول وانما تثبت الدولة أهميتها باتباع الأنظمة الأخلاقية والقوانين الاجتماعية الخاصة بها مع البقاء على أتم الاستعداد لمجابهة أي عدوان خارجي.
ولقد قام كل من ” فرانك تريجر” و ” فرانك سيمونييه” في بحثهم ” مقدمة في دراسة الأمن القومي” بتعريف الأمن القومي ” بأنه حماية وتنمية للقيم الوطنية والحفاظ على المصالح الحيوية لا سيما القيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بوقاء الدولة والحفاظ على سيادتها واستقلالها والمحافظة على مواطنيها وسلامتهم. وان من واجب الأمن القومي احتواء الأخطار الداخلية والخارجية ومعالجتها. كما أن السياسة الخارجية للدولة تلعب دورا كبيرا في الحفاظ على أمنها القومي. كما أن سياسة الدفاع ووضع الخطط اللازمة في التسليح وتعبئة الامكانيات والطاقات ووضع الاستراتيجية اللازمة لمجابهة أي طارىء”.
ان السياسة العامة للدولة تهدف الى تحقيق المبادىء والاهداف والمصالح القومية وهي تشكل في مجموعها ما يعرف بالأغراض القومية. كما أن الدستور والقوى السياسية والاقتصادية والحربية تساهم في اعطاء الدولة القوة في الاستمرار وتحمل المسؤوليات.
وان السياسة العامة للدولة تتفرع الى ثلاثة فروع رئيسة هي السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والسياسة العسكرية. وفي عهد العولمة برزت أهمية السياسة الاقتصادية كأحد الفروع الهامة للسياسة العامة. وكل هذه السياسات تصب في ينبوع واحد هو الاستراتيجية القومية. ولقد ظهرت في العقود الماضية سياسة انشاء ما يعرف بمجلس الأمن القومي وذلك من أجل تنسيق ودمج السياسات الخارجية والداخلية والعسكرية في استراتيجية قومية واحدة. وكان اهتمام المجلس موجها في البداية لأمور السياسة التي تؤثر على أمن الدولة.
ان تحديد هذه الاستراتيجية القومية وتوضيحها هي من المهام التي يقوم بها مجلس الأمن القومي. وفي عام 1947 اقتصرت مهام المجلس وأعماله على النقاط التالية:
1 . الاقتصار فقط على معالجة الامور التي تؤثر على الأمن القومي.
2 . لا دخل للمجلس بالعمليات أو التنفيذ والتشغيل مهمته فقط رسم السياسات
3 . توجيه الاهتمام بالقوى النهائية للأمة فعلية كانت أم متوقعة حربية أم اقتصادية.
أما اليوم فان المجلس يقوم برسم الاستراتيجية القومية وتحديد مسارها فهو يضع في الاعتبار كلا من الدستور والقوى السياسية والحربية والنفسية من جهة والغايات والمبادىء والأهداف والالتزامات القومية من جهة أخرى. وبعد الدراسة يستخلص المصالح القومية ويحدد عن طريقها الأهداف القومية وبناء على هذه الأهداف يتم التخطيط لتحديد معالم السياسة القومية. وكما ذكرنا فان السياسة القومية ترتكز على كل من السياسة الداخلية للدولة والسياسة الخارجية بما فيها من التزامات وتعهدات سياسية واقتصادية وثقافية. والسياسة الحربية بما فيها من التزامات حربية وأمنية وتحديد الموقف الاستراتيجي المشترك ووضع الخطة الاستراتيجية للقوات المسلحة في مجابهة الأخطار والتهديدات الداخلية والخارجية وتحقيق السيادة والأمن.
وقبل أن نصل الى تعريف مفهوم الأمن القومي يجدر بنا ان نميز بن كل من الاصطلاحين الدارجين في ميادين السياسة والحرب وهما الاستراتيجية القومية والتي تعني الاستغلال الكامل للقوى السياسية والاقتصادية والنفسية والعسكرية للدولة في السلم والحرب لتحقيق الأهداف التي تضمن سلامتها وأمنها. أما الاصطلاح الثاني فهو الاستراتيجية الحربية والتي تعني الاستغلال الكامل الكامل للوسائل العسكرية لتحقيق أهداف الاستراتيجية القومية بالاستخدام المباشر او غير المباشر للقوات المسلحة للدولة أثناء السلم والحرب. وتجدر الاشارة هنا بأنه يتم استخلاص الاستراتيجية العسكرية من الاستراتيجية القومية للدولة لرسم السياسة العسكرية للدولة. والسياسة العسكرية السليمة للدولة هي التي تحقق القوة للدولة بما يكفل منع نشوب الحرب أو تحديد مداها اذا نشبت أو تمكننا من شن الحرب بنجاح.
وبمفهوم أعم فان الأمن القومي حسب ما جاء في كتاب ” جوهان كوينز ” عن التوازن العسكري بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ” هو دفاع شعب ضد جميع أنواع الاعمال العدوانية من الخارج”.
من كل ما تقدم لو حاولنا اختيار قاسم مشترك أعظم للتعاريف المختلفة لمفهوم الأمن القومي لخرجنا بتعريف مبسط للغاية هو ” حماية سلامة أراضي الدولة وسيادتها واستقلالها وكرامتها وازدهارها والمحافظة على حقوق شعبها في الحياة الحرة الكريمة”.
الجانب العسكري لمفهوم الأمن القومي:
ان عددا كبيرا من الباحثين والمحللين العسكريين يحاولون ربط مفهوم الامن القومي بالمفهوم العسكري سيما وان مفهوم حماية الدولة من الخطر الخارجي يحتم على الدولة ان تكون أقوى عسكريا من الدول المنافسة لها وفي هذه الحال حيث يكمن التركيز على البناء العسكري باعتباره وحده جوهر سياسة الامن القومي فهنالك اكثر من وجهة نظر وعدة تحفظات منها:
أ . ان الدول القوية في النظام الدولي لا ترضى بما تمتلكه بل تسعى الى تعظيم ما بين يديها وهو المفهوم الذي تستند عليه ” نظرية القوة POWER POLITICS” وهذه النظرية هي التي أدت الى ظهور ” دولة الأمن SECURITY STATE” حسب ما جاء في كتاب دانييل يارغن ” السلام الممزق” حيث يعرف دولة الأمن بأنها الدولة التي نشأت نتيجة الحرب أوالخوف من الثورة أو التغيير أو الأسلحة النووية أو التكنولوجيا العسكرية والهدف من وجود دولة الأمن هوصياغة الاستقرار والنظام في الشؤون الداخلية والدفاع عن الوضع القائم في العلاقات الدولية. في مثل هذه الدولة والتي يسيطر عليها ماديا ونفسيا وفكريا مفهوم الأمن العسكري فان دور المدنيين يكون محدودا للغاية اذ ينظر اليهم على أنهم عنصر تهديد للأمن وليس عنصر دعم ومساند له. وعليه فان كل تطوير لللادارة أو محاولة للتقدم في مضمار الديمقراطية ينظر اليه على أنه خروج على الدولة ومخالف لها.
ب . في نظام دولي يتميز بالتنافس الشديد بين أعضائه فان القدر الأعظم من الموارد سيتم تخصيصه لمواجهة الصراع وهكذا فان معضلة توزيع الموارد بين متطلبات التنمية الاجتماعية والانسانية من جانب، وحاجات الدفاع والأمن العسكري على حساب التنمية الاجتماعية والانسانية أي أن الأمن القومي بل أصحاب القرار يعمدون الى اختيار البندقية بدل تأمين رغيف الخبز.
ج . ان الانشغال الشديد بالقوة وتعظيمها من شأنه أن يضع الدول المتنافسة في مأزق لا تستطيع التخلص أو الفكاك منه. فهي حسب رأي رودلف رومل في كتابه ” فهم النزاع والحرب” تنزلق فيما تعارف علي تسميته علميا ” معضلة السجين ” والتي ينجم عنها الشعور بعدم الاطمئنان وعدم توفر الأمن وهي تدفع بالدول الى سباق لا يرحم حول اكتساب الأسلحة لغرض الدفاع دونما اعتبار لأي قيم اجتماعية أو اقتصادية.
د . ينظر هذا الاتجاه الى النظام الدولي على أنه نظام طبقي يتسم بالتدرج الهرمي. وتصبح غاية الدولة العسكرية الابقاء والحفاظ على هذا النظام ومن ثم يتم تكريس مظاهر تبعية العالم الثالث للدول الكبرى وذلك بخلق صراعات اقليمية وصراعات داخلية تبقي دول العالم الثالث بحاجة مستمرة وملحة الى التكنولوجيا العسكرية للدول العظمى. وان تهافت الدول على شراء هذه الأسلحة يؤدي الى صراعات اجتماعية تشكل اليوم اكثر من 90/% من الصراعات في العالم الثالث. حيث تكون البداية الحصول على الاسلحة من أجل مقاومة التهديدات الخارجية ولكنها تنتهي الى استخدامها في قمع أي اصلاح اجتماعي أو اي محاولة لتوجيه أموال الدولة في تطوير التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
الجانب الاقتصادي في مفهوم الأمن القومي
هناك بعض المفكرين الذين يخصون الانسان وعلاقاته المختلفة وحاجاته بالبحث والتنظير فهناك علاقة الانسان بخالقه وهي من خلال الاديان السماوية. وهناك علاقة الانسان بالانسان وهي من خلال القوانين الانسانية والاجتماعية. وهناك علاقة الانسان بالأرض وهي من خلال القوانين الاقتصادية. وان الهدف الرئيس لهذه القوانين تأمين الاطمئنان النفسي والأمن الجسدي… وعليه فان المدرسة الاقتصادية الاستراتيجية تتأرجح بين اتجاهين أساسيين ألأول الأمن الخاص بالموارد الحيوية ذات الطبيعة الاستراتيجية وهي ترتبط بالوظيفة الاقتصادية لنظام الحرب. أما الاتجاه الثاني فيعتمد على التنمية الاقتصادية كجوهر للأمن ومن أجل طرح أمثلة على الاتجاه الأول فان الدول الغربية وخاصة بعد تصاعد أزمة الطاقة بدءا بحرب 1973 أصبح تأمين البترول والطاقة جزءا لا يتجزأ من نظرية الأمن القومي باعتبار أن السيادة الاقتصادية هي لب الأمن القومي وهي تعني القدرة على التحكم في أكبر عدد ممكن من أدوات السياسة في المجال الاقتصادي. فتنظر الدول المتقدمة الى أي تهديد يتعلق بقدرتها على التأثير في بنائها الاقتصادي على أنه تهديد للأمن القومي . ولقد ظهرت في الدول الغربية وبالذات الدول الصناعية أهمية موضوع أمن الطاقة المتمثل في تأمين مصادر الطاقة وبالذات البترول.
أما بالنسبة الى الاتجاه الثاني المتمثل في جعل التنمية الاقتصادية كجوهر للأمن القومي يقابله في دول العالم الثالث التأخر التكنولوجي واعتبار قضايا الغذاء والتسلح والمحافظة على أنظمة الحكم هي حاجات أساسية من أجل تحقيق الاستقرار… وهنا يبدأ العد التنازلي في نظرية العرض والطلب فالدول الفقيرة تبيع ثرواتها الطبيعية ومعادنها وبترولها مقابل المنتجات التكنولوجية المتقدمة والأسلحة المختلفة. وتتحول هذه الدول دونما تخطيط مسبق الى أسواق تجارية لمصنوعات ومنتجات غربية.
ولو أخذنا الوظيفة الاقتصادية لظاهرة الحرب في الشرق الأوسط فهي ترتبط بمعضلة الاختيار بين الخبز أوالسلاح والرخاء أو الدفاع. فهناك من يرى أن نفقات الدفاع لا تعتبر عبئا على الاقتصاد القومي بينما يرى آخرون أن نفقات الدفاع تشكل خسارة اقتصادية. يضاف الى ذلك أن التنافس على التسلح يخلق مشكلات أمن لا حصر لها مثل سباق التسلح من جانب وما يسببه من تبعية عسكرية وفنية للدول المصدرة للسلاح. بالاضافة الى أن نوعية الأسلحة المباعة لا تكفي لتحقيق الأهداف الاستراتيجية القومية للدول المستوردة. فلنأخذ على سبيل المثال بعض الدول التي بلغت نفقات الدفاع العسكري في عام واحد تجاوزت27 مليار دولار ولو حاولنا جمع نفقات الدفاع لعقد واحد لتجاوزت النفقات العسكرية للدول العربية ألف مليار دولار. وبكل أسف فان النوعية التي تم الحصول عليها لا تصل بأي شكل من الأشكال الى مستوى الأسلحة المتوفرة لدى اسرائيل . وهنا يطرح الكثيرون من المفكرين العسكريين والاقتصاديين على حد سواء هل كان من الأجدى تحويل أجزاء من هذه الأموال الى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية بدل انفاقها على الدفاع العسكري أم أن معظم هذه الأسلحة تستخدم في واقع الأمر لحماية أنظمة الحكم العربية من التهديدات الداخلية أو العربية وليست لحمايتها من اسرائيل .
نظرية الأمن القومي في اسرائيل:
يعرف الخبراء الاسرائيليون الأمن القومي بأنه ” محصلة الاتصالات المتبادلة لدولة مع بيئتها القريبة والبعيدة وهذه المحصلة تعكس قوتها واستعدادها ووسيلتها وقدرتها التنفيذية على الدفاع عن مصالحها الحيوية وتحقيق غاياتها واهدافها القومية”.
وان محاولة قياس القوة الشاملة لأي دولة من دول العالم يستند على أساس مساحتها وسكانها ونظام الحكم فيها ومجتمعها واقتصادها. ولا شك بأن اسرائيل قد قلبت هذه المقاييس رأسا على عقب من خلال الحروب التي خاضتها مع الدول العربية.
ولقد نجم عن الصراع العربي الاسرائيلي مفهوم التفاضل وأثبتت الأحداث أن القوة لا تقاس بأي حال من الأحوال وفق ” الكمية ” فقط وانما تقاس وفق ” النوعية “.
ولا شك بأن العمق الاستراتيجي للدولة والطاقة البشرية وهما من العوامل الأساسية في قياس قوة الدولة. ان القوة التي أتحدث عنها حسب المفهوم الاسرائيلي بحاجة الى الجاهزية القتالية والتي تشتمل على ثلاثة متغيرات التأهب والاستنفار والمحافظة على الاستنفار وممارسته قولا وعملا في حالات الحرب. وان هذه الجاهزية القتالية هي التي تعطي القوة الشاملة الزخم المطلوب لتحويلها الى قدرة فعلية سيما اذا كانت مقترنة بالاجماع على الغاية القومية.
ويستطرد الخبراء العسكريون الاسرائيليون ان هذه القوة لا بد وأن تحتاج الى وسيلة من أجل تحقيق الغايات القومية وهذه الوسيلة تشكل سقفا لمفاهيم متعددة مثل العقيدة والسياسة والاستراتيجية الشاملة والتكتيك. ومن دون هذه الوسيلة لا يمكن تسخير القدرة ولن يكتب النجاح للتنفيذ ولن تتحقق الغاية. فالوسيلة اذن بالاضافة الى ربطها بين القوة والغاية تستفيد من دروس الماضي وتوقعات المستقبل والرد عى التحدي.
أما القاسم المشترك الأعظم الذي يحقق من ائتلاف هذه العناصر الثلاثة القوة والوسيلة والغاية النجاح فهو عامل التنفيذ أي تسخير القدرة والوسيلة لتحقيق الغاية ومواجهة التحدي في شتى الظروف والأحوال.
ولو حاولنا اليوم تحديد مهام مجلس الوزراء الاسرائيلي في مضمار ومجال الأمن القومي لوجدنا أن هذا المجلس يقوم برسم استراتيجية اسرئيل القومية وتحديد مسارها فهو يضع في الاعتبار كلا من الدستور والقوى السياسية والاقتصادية والحربية والنفسية من جهة والغايات والأهداف والمبادىء والالتزامات القومية من جهة اخرى. وبعد الدراسة يقوم مجلس الوزراء باستخلاص المصالح القومية التي يحدد عن طريقها الأهداف القومية. وبناء على هذه الأهداف يتم التخطيط والتنظيم لرسم معالم السياسة الداخلية والخارجية للدولة بما فيها من تعهدات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية. كما يتم الاتفاق على السياسة الحربية من التزامات عسكرية وتحديد الموقف الاستراتيجي للدولة ووضع الخطط الاستراتيجية للجيش الاسرائيلي وتحقيق الأهداف والمكاسب التي رسمت خيوطها الصهيونية العالمية. وكما جاء في كتاب ايغال آلون عن الجيش الاسرائيلي قوله ” ان الحدود الآمنة بدون سلام أفضل من السلام بدون حدود آمنة ” وكما أوضح مردخاي غور في عرض استراتيجية اسرائيل واستمرارها في احتلال الأراضي العربية فيقول ” لا بديل للعمق الاقليمي حتى في عصر التكنولوجيا المتقدمة والصواريخ بعيدة المدى ” ومن هنا فان اعلان آرييل شارون عدم الاعتراف باتفاقات السلام السابقة انما هو تكريس لسياسة الاحتلال وتكريس لضم الأرض. وإن إعلان نتنياهو رئيس الوزراء الحالي الاستمرار في بناء المستوطنات وتهويد القدس وضم الجولان يمثل ضعف العالم العربي من جهة ويمثل التزامه بما جاء في برنامجه الانتخابي وتحقيق هدف إسرائيل الأكبر في تكريس ضم الأراضي العربية ولو شبراً شبراً تماما بعكس المبدأ العربي القائل بتحرير الأرض شبراً شبراً.
التعليقات مغلقة.