حديث الثلاثاء : الحلقة الثانية والأربعون ” 42 ” … أزمة .. أم حرب ؟! / د. بهجت سليمان
د. بهجت سليمان ( سورية ) الثلاثاء 2/4/2019 م …
[ المعارضات السّياسيّة السّوريّة ..و الضّياع الاختياريّ المخجل في الثّقافة و السّياسة و المصطلحات ]
1▪ يتردّد البعض منذ بداية “الحرب” على سورية في اعتبارها ، بالتّسمية و التّوصيف ، حرباً أم أزمة ، فيما حسم البعض الآخر تسميتها بالحرب على سورية لغزارة توفّر الدّليل و القرينة ، كما سوف نبيّن هنا ، في الوقت الذي بقي فيه البعض الآخر مصرّاً على تسميتها بالأزمة ، إّما جهلاً و إمّا قصداً و عنوة ، يرمون من وراء ذلك إلى مقاصد مفهومة ليس أقلّها اتّهام الدّولة السّوريّة بأسباب ما جرى و يجري و حصر المسؤوليّة السّياسيّة عن هذه الحرب بالدّولة الوطنيّة السّوريّة ، جاهلين أو متجاهلين ، عدا عن مقاصد و أهداف هذه الحرب ، أبسط القواعد الفكريّة في تصنيف الأحداث التّاريخيّة و الظّواهر الاجتماعّية السّياسيّة ، و ذلك لتحقيق أغراضهم في اتّهام ”الخصوم” و الأعداء السّياسيين بما يرغبونه ، رغبة الرّاغب في خلط الأمور و تمييع الحدود بين الحقائق و تعمية النّاظرين من العامّة إلى الأحداث و توجيه رياح المواقف في الوجهة التي يُعَبِّئُون إليها التّطلّعات .
و على أنّ هذا الأمر هو شأن مدروس لدى البعض من المتصيّدين في خارج الغلاف الجويّ الأرضيّ ، إلّا أنّ جزءاً منهم قد آمنوا بذلك معهم لجهلهم بالسّياسة و أصولها ، فيما الفريقان ما زالا يعيشان خارج حركة السّياسة العالميّة و مراحلها التي تفرز مصطلحاتها الخاصّة ، و إلّا لما تمكّن أولئك أو هؤلاء من ممارسة كلّ هذا ” الإخلاص ” في الخدمة لأعداء الوطن من جهة ، و للجهل و الغباء من جهة أخرى .
2▪ و بعيداً عن هذه الجدليّة ، فإنّ مسألة استخدام ”المصطلحات” الثّقافيّة تكتسي أهمّيّة بالغة الخطورة عندما يكون الأمر متعلّقاً بفهم و تقويم أحداث و ظواهر من العيار التّاريخيّ الجارف و الكبير ، كما هي الحرب على سورية و هي تدخل بضراوتها عامها التّاسع ، مع كلّ ما ترتّب و ما سوف يترتّب على ذلك من نتائج و بخاصّة منها تلك التي ستدخل في الذّاكرة الثّقافيّة السّياسيّة الثّابتة للوعي الاجتماعيّ و السّياسيّ السّوريّ ، كما ستؤسّس لمخيال سياسيّ مديد سيكون له الأثر غير المحسوب ، الآن ، و لا المتوقّع و لا المحتمل ، على بنية النّسيج الاجتماعيّ و السّياسيّ و الأهليّ السّوريّ ، ناهيك عن الدّور الذي سيلعبه هذار الواقع في تكريس القناعات التي ستؤسّس لجملة من القراءات الأنثروبولوجّية المحلّيّة أو الاستشراقّية ، على اعتبار أنّ هذا الحدث السّوريّ إنّما هو حدث غير مسبوق في تاريخ البشريّة المعروف ؛ و من هنا كان علينا أن نقول قولاً نقديّاً موضوعيّاً في تسمية هذا الذي يدور في سورية منذ نيّف و ثماني سنين و يطول ربّما إلى المزيد .
3▪ يصرّ ، حتّى اليوم ، هؤلاء و أولئك على توصيف ما جرى و يجري في سورية من حرب عالميّة على الطّريقة المعاصرة ، بالوكالة و بواسطة الشّعوب نفسها في ما بينها ، بمصطلح ” الأزمة ”، متجنّبين الاعتراف بأنّ ما يجري هو ”حرب” موصوفة بكلّ التّفاصيل ؛ و هم يرمون من وراء ذلك إلى تحميل الدّولة – أو ”النّظام” -وفق ما يُحبّون أن يسمّوه ؛ مع أنّ الأمر لا يبخس الدّولة السّوريّة أيّة مزيّة معاصرة عندما لا بدّ لهم ، و بجميع معايير اللغات الحيّة ، أن يقبلوا بأنّ ”النّظام” هو ، في المبدأ ، عكس ”الفوضى” التي يرجون ؛ و تحميلها المسؤوليّة وحيدة في قيام ما جرى من فظاعات عالميّة و محلّيّة و أهليّة و إقليميّة ، في هذه الحرب ؛ و على أنّ ذلك مجرّد أزمة ”داخليّة” كان وراءها ، بكل الأحوال ، ما يُسمّونه ”النّظام” ، لتحميل جزء واحد ، فقط ، من الواقع الاجتماعيّ و السّياسيّ ، مسؤوليّات هذه اللحظة التّاريخيّة العاصفة ، و التي لم تكن لتحصل ، على ما كانت عليه ، و على ما هي عليه ، لولا اجتماع العالم على سورية ، من أقصاه إلى أقصاه تقريبا.
4▪ و لا مانع من أن نبدأ هذا الحديث بالتّفريق و التّمييز ما بين مصطلحيّ ”الأزمة” و “الحرب” ، و ذلك بالاعتماد على بديهيّات بسيطة يقبلها كلّ فكر غير معاند و يتمتّع بالحدّ الأدنى من العقلانّية و الواقعيّة و الموضوعيّة ؛ لننتقل في ما بعد إلى نقد الأساس الذي تقوم عليه مواقف ”المعاندين” ، أصحاب ”الأزمة” ، و تعرية الّداء الثّقافيّ الذي يُعانون منه ، و لا نرجو له ، بالطّبع شفاء !
● أولاً – في ”الأزمة” :
5▪ بمراجعة بسيطة للذّاكرة الحيّة تحضرنا عناوين نظريّة و عمليّة كثيرة تقبع في مضمونها الدّلالة الواقعّية لمفهوم “الأزمة” ، و قد يكون الجميع قد بدأ في هذه اللحظة ، فعلاً ، بالتّأمّل في هذا المغزى من خبراته العمليّة أو من خبرات الآخرين أو من تجارب التّاريخ و أدب السّياسة الذي لا بدّ و أنّه تركَ انطباعاً محدّداً في أذهاننا حول ”الأزمة” .
معروفة تلك الأزمات الاقتصادّية العالميّة ، و بخاصّة منها ما يُعتبر أحد مظاهر أو نتائج الاحتكار العالميّ الإمبرياليّ ، و منذ تفاقم قيمة المال النّقديّة و اكتشاف الرّأسماليّة المعاصرة لرأس المال الماليّ الذي صار يوظّف بوصفه ، هو ، نفسه ، خالقاً للقيمة الاقتصادّية بشقّيها ، كما بوصفه سلعة يمكن احتكارها و استثمارها السّياسيّ ، بعد انتشار الهيئات و المؤسّسات و المحافل الماليّة في العالم و سيطرة عوائل عالميّة ، على حصرها ، على مؤسّسات المال و التّمويل الدّوليّ و العالميّ العابر للقارات و أدوات العمل و وسائل الإنتاج و قّوة العمل و قوّة الإنتاج ، كما هو عابر ، تماماً ، للعمل نفسه و كذلك للسّلعة التي أصبحت في مثالنا هذا هي “المال” نفسه .
كان من أشهر الأزمات الاقتصادّية الشّاملة على مستوى الكرة الأرضّية ، تلك الأزمة الاقتصادّية التي تعرف بأزمة ”الكساد الكبير” التي بدأت في العام ( 1929 ) عندما انهار الإقتصاد العالميّ بسبب الوحشيّة غير المتناهية للاحتكارات الأميركّية – الغربيّة في تركيز رأس المال في شكل رأس المال الماليّ ، و الاحتيال في القروض العقارّية و التّهرّب الضّريبيّ .. إلخ ؛ حيث بدأت تلك الأزمة اعتباراً من ( أميركا ) بسبب انهيار سوق الأسهم و الأوراق المالّية اعتباراً من ( وول ستريت ) ، لتعمّ نتائجها التّدميريّة المخرّبة ، و التي ظهرت في صورة كساد مفزع لجميع أنواع البضائع و الصّناعات و التّجارات و العمل و الموادّ الخام و قوّة العمل.. ، جميع دول العالم من دون استِثناء .
غالباً ما تتظاهر الأزمة الاقتصادّية بانكماش للاقتصاد و الاستثمار و الاستهلاك و العمل نفسه ، إذ أنّ الأزمة هي هذه الاختناقة في جميع مظاهر الحياة العاّمة ؛ و ينتج عن مثل هذه الأزمات ، أزمات مالّية تتبعها تعبّر عن حالها بتقلّص السّيولة النّقديّة و بالإفلاسات الكّليّة أو الجزئيّة للمصارف و البنوك ..
و مثل هذه الأزمة الاقتصادّية و الماليّة تلك التي يعرفها الجميع و التي حلّت بالاقتصاد العالميّ ، و بخاصّة الاقتصاد الأميركيّ و الغربيّ و كذلك الاقتصادات المرتبطة به ارتباطاً عضوياً ، و ذلك في العامين ( 2008 – 200 7 ) ؛ و مثلها ما هو متوقّع في عاميّ ( 2020 – 2019 ) .
6▪و يمكننا قبل أن نتطرّق إلى تعريف الأزمة تعريفاً عامّاً ، أن نشير إلى أنّ مختلف الأزمات السّياسيّة و الإدارّية ، تظهر للأسباب ذاتها التي تؤّدي إلى الأزمة الاقتصادّية ، و لكن بفارق انزياحات الأصول و الملكيّات الماليّة انزياحاً عضويّاً ، بحيث تأخذ أشكالٌ من الاحتكار و الإفلاس و الانكماش ، مظاهر رمزّية بدلاً من المظاهر المادّيّة .
7▪ و بناءً على ما قلناه يمكننا أن نعرّف “الأزمة” بأنّها تلك الظّاهرة التي يغدو معها واقع مُعيّنٌ و بمختلف بُناه ُو بِناهُ ، المادّيّة و اللوجيستيّة و الرّمزيّة ، و قد أصيب بشلل ظاهر و مؤثّر و فعّال ، في صميمه العضويّ ؛ و بشكلٍ سلبيّ ، أيضاً ، و هو الأمر الجوهريّ و الشّرطيّ و الأساسيّ ، إذ أنّ“الأزمة”حالة انسحاب ماّديّ و رمزيّ ، بحسب نوع الأزمة ، و انكماش و فشل عضويّ ذاتيّ يُصيبُ الواقع و الأشياء بجمود يليه آثار مختلفة تتّجه كلّها في اتّجاه من العضويّة الدّاخليّة ، من مركزها ، لتنتشر إلى الخارج و إلى أطراف مسرح الأزمة ، و ذلك بموجب قانون و حالة التّعضّي التي يكون عليها نسيج العلاقات التي تشملها الأزمة ، بالتّأثير المباشر أو بالتّأثير غير المباشر .
8▪ و في مفهوم الأزمة ، نحن لسنا أمام ”انزياحات” نوعّية ، بقدر ما نحن أمام انتشار من البؤرة إلى الأطراف ، و هذا في جميع أوصال الظّاهرة المحدّدة الواحدة و التي تتشارط عضويّاً ، من غير أن تنزاح هذه الحالة – الأزمة إلى ما يوازيها أو ما يصاقبها أو ما يجاورها من حقول عينيّة أخرى ، بمثال أنّ الأزمة الإدارّية لا تتعّدى ذاتها إلى الواقع المنزليّ ، أو بمثال أنّ الأزمة الاقتصادّية لا تشمل قطاعات عليها أن تكون بمنأى عن تأثيراتها كالقطاع العسكريّ و الجيش و السّلاح و التّسليح .. أو بمثال أنّ الأزمة السّياسيّة لا تشمل الأطفال الرّضع ، حيث ، بالطّبيعة ، هم في بعد عضويّ كاف ليكونوا بمنأى عن هذه الأزمة .
9▪ ونحن لا نجد ، هنا ، أنّنا في حاجة إلى تكرار تعريفات الأزمة ، التي يقترحها أو يتّفق عليها رأي أو آراء في دائرة معيّنة ، كما هو الحال في التّواضع على التّعريف الأكاديميّ القاصر للأزمة ، لنصل مع هؤلاء إلى مفاهيم مثل “ احتواء الأزمة ” و “ إدارة الأزمة ” و “ الاستفادة ” من تجربة الأزمة و مراكمة خبراتها لوضع الخطط التي تأخذ بحسبانها أسباب أزمة معيّنة ، إذ أنّ الأزمات تتعّدد و تتوالى ، و قلّما تتكرّر أزمة واحدة بالشّروط و الأسباب و الأحوال التي كانت لسابقتها و لو كنّا نتحدّث عن أزمات في الشّأن الواحد ..
و نحن نحبّذ أن نترك هذه الاجتهادات الأكاديمّية لأطروحات شهادات الماجستير و الّدكتوراه !
ويبقى من المفيد أن نعيد تأكيد أنّ الأزمة ، بكاّفة أشكالها ، إنّما تقوم على أمرين كشرطين لازمين لحصولها ، مع أخذنا بالاعتبار الشّروط الكافية الأخرى و التي تخضع لتباينات الزّمان و المكان و الموضع و الموقع و غير ذلك ، و أعني بذين الشّرطين :
▪ التّضمّنيّة الدّاخليّة ، من جهة ..
▪ و الأدائّية السّلبيّة لفيزيولوجيا الأطراف و الأشياء ، في عضوية مسرح الأزمة .
● ثانيا – في الحرب :
10▪من الطّبيعيّ أنّ الحرب بذاتها هي بغنى عن التّعريف بل و لا تحتاج إلى تعريف .
و لكنّ ما يجعل المرء يلجأ إلى تعريف المعرّف و المعروف ، إنّما هو واقع السّياسة الذي يظنّ المشتغلون فيه بأنّ كلّ شيء مباح فيه ، بما في ذلك العناد و الغباء و الجهل و التّجاهل و ضيق الأفق و البلاهة الفكرّية و التّعصّب الّلئيم للعواطف التي تجرّ وراءها أصحابها جرّاً على أبوازهم عندما يُسلّمون قياد أفكارهم لغريزة القطيع ..
على كلّ حال ، فإنّ الحرب يمكن أن نقاربها بالمقارنة مع ما قلناه عن ”الأزمة” ، بأنّها حالة اعتداء تقع على دولة أو مجتمع أو شعب أو أمّة بالوسائل العنيفة كالسّلاح و الإعلام و الحرب النّفسيّة المرافقة للحرب العسكريّة المسلّحة .
11▪ واضح من خلال هذا التّعريف المألوف للجميع ؛ و أعني باستثناء ، الأدوات المخصّصة لمهامّ و وظائف رخيصة خاوية من الشّرف الوطنيّ و الشّرف الشّخصيّ ، معاً ؛ أنّ ( الحرب ) على عكس ( الأزمة ) هي فعل عدائيّ خارجيّ يقع على “الآخر” بالإقدام على العمل ، و أعني بحالة أدائيّة موجّهة إلى هدف بغرض يتجاوز ، غالباً ، وقائعها ؛ فيما هي ، أيضاً ، على عكس الأزمة ، فعل خارجيّ خالص ، و ذلك ، في رأينا ، حتّى في الحروب الأهلّية ، إذ أنّ أدواتها و دوافعها و غريزتها تكون موجّهة مباشرة من مقاولين خارجيين لغايات لهم خاصّة بهم ، يجنون من ورائها مكاسب مختلفة .
12▪ من الغريب قول هؤلاء القوم الُمسَمَّون بالمعارضات ، و بخاصّة منهم من يشتغل بالسّياسة و الفكر إلى درجة يجعل الأبله يشمئزّ من الفكر و السّياسة و من المشتغلين بهما ؛ و لا سيّما عندما لا يخجلون في توصيف ”الحرب الّسوريّة” الواقعة على سورية منذ أكثر من ثمانية أعوام ، بأنّها ” أزمة ” كانت بسبب جور ما يُسمّونه ” النّظام ” قاصدين به بوضوح الدّولة السّوريّة أو القيادة السّياسيّة السّوريّة على وجه التّحديد ، على اعتباراتهم الرّعناء أنّ النّظام عدوّ للمجتمع ، و كذلك أنّ الشّعب ضدّ هذا ”النّظام” ، و ”النّظام” متسلّط على الشّعب ، إلى الدّرجة التي خلقت ”أزمة” ..
ولكنّ ما لا يجيبون عليه من سؤال ، في خواطرهم الضّمنيّة ، هو كيف لدولة أن تحارب شعبها أو مجتمعها و في نيّتها أن تستمرّ كدولة و قيادة ، و بإصرار لا نظير له ، و كيف لهذه الدّولة أن تنظر في نفسها و هي خاوية من مبرّر وجودها ، و أعني المجتمع الذي هو الوسط الطّبيعيّ للحياة السّياسيّة للدّولة ، و هو ما يسوّغ وجودها كدولة و نظام .
13▪ نستطيع تكرار الكثير ممّا قلناه و يقوله الآخرون ، بمن فيهم سياسيّون و ساسة غربيّون شهود على اجتماع مئات الآلاف من شذّاذ آفاق الكرة الأرضّية و مجرميها ، و تشغيلهم كأدوات خارجيّة عند “قادة إسلامويين” و هّابيّين و إخونجيين بدعم و تمويل و تدريب و تحريض و تجييش من قبل دول غربيّة و إقليميّة و عربيّة و إسلامّية ، من أجل الفتك بالمجتمع السّوريّ و إشعال المجازر و الحرائق في أجساد و أرواح الشّعب السّوريّ و جيشه الوطنيّ ..
و نستطيع أن لا نتوقّف في هذه السّلسلة الواقعيّة الحيّة التي رآها كلّ العالم المعاصر ، باستثناء معارضي السّياسة في سورية و أعداء الشّعب السّوريّ و المجتمع السّوريّ و الدّولة السّوريّة ، إذ لم يلاحظوا ذلك ، و إنّما لاحظوا أنّ ثمّة “أزمة” في أوهامهم تعيشها سورية ، بعد كلّ هذا التّدمير و التّخريب و الحرق و الذّبح الحلال على ”الطّريقة الإسلامّية” للسّوريين الذين كانوا آمنين في يوم من الأّيام .
14▪ و إذا كان كلّ ما قلناه و ما لم نقله و ما قاله غيرنا ، و ما عشناه كشعب سوريّ من قتل و ذبح و خوف و رعب و تشييد المقابر الجماعيّة للآمنين العّزل ، و تدمير البنى التّحتيّة و البنى الفوقيّة للمجتمع و الدّولة في سورية ، و تهليل الإعلام ” العربيّ – الإسلاميّ ” المأجور و الإعلام الغربيّ المتصهين ؛ و إذا كان كلّ ما كان من اعتداء خارجيّ مسلّح و موصوف على الأرض و الشّعب و الدّولة في سورية ، فكيف يا ترى تكون ”الحرب” ؟
● ثالثاً – نقد أفكار المعارضين :
15▪ ليس مهمّاً أن نتوجّه بنقدنا هذا ، هنا ، إلى أولئك المعارضين السّياسيين المكابرين و المعاندين و الجهلة حتّى منهم من يدّعي ”الشّيوعيّة” أو ”الماركسيّة” أو ”اللينينيّة” أو ”الماويّة” أو “التّروتسكيّة” ، أو غير ذلك من انتماءاتهم الفكريّة أو الثّقافيّة المزيّفة ، أو من انتماءاتهم الحزبيّة المخجلة ؛ بحسبان أنّهم إمّا جهلة أو أنّهم يتجاهلون ..
و إنّما نحن نقدّم أفكاراً للتّاريخ السّياسيّ لسورية المعاصرة ، و هذا جلّ أهدافنا و غاياتنا من هذه المطارحات .
16▪ بالعموم ، نحن نعطي الأهّميّات المجانيّة للكثيرين ، عندما نعتبر جميع أفواج المعارضة السّياسيّة السّوريّة ، يفهمون أو يُدركون أطر تفكيرهم و أدوات و وسائل شغلهم و أغراضهم ، التي يتوجّهون بها إلى أهدافهم التي هي هذه و حسب ما يُدركون على التّأكيد ، تحت تأثير غريزة الكسب الوهّاجة و رغبة الأخذ السّياسيّ و الماليّ التي لا ينجو منها إلّا القليلون ، و التي هي أقصى حدود “البرنامج السّياسيّ” الذي يقود تصوّرات هؤلاء في ما ادّعوا من معارضات و مواقع سياسيّة و ثقافيّة و مواقف لها دلالاتها و مدلولاتها و حقدها و حنقها ، في إطار أهدافها النّهائيّة المناهضة للدّولة الوطنيّة السّوريّة و للمجتمع السّوريّ .
على أنّ المعارضات السّياسيّة السّوريّة معذورة لغبائها – و لا أقول في غبائها و محدوديّتها ، طبعاً – في أنّها توقّفت ثقافيّاً – هذا إن كانت مثقّفة ساعتذاك – عند حدود السّتينبات و السّبعينبات من سنوات القرن العشرين الفائت ، و أخصّ منها بالحديث ، هنا ، تلك المعارضات ”الشّيوعيّة” بكافة أطيافها المعروفة جيّداً للمتابعين ، و جميع مَن كان مِن حولهم ممّن يدّعي الماركسيّة – اللينينيّة ، أو يتمسح باللون الأحمر الثّوريّ ؛ فباتت محنّطة في مواقعها ..
إلّا أنّ هذا الواقع لا يمنعنا من بعض الإيضاحات التي قد تعصم أجيالاً جديدة من هؤلاء ، مع أنّنا لا نظنّ أنّ لهم خلفاء في فرادة محدوديّتهم الثّقافيّة و المعرفيّة في هذا العصر ، و لو أنّ معظم المعارضات المعاصرة قد انحطّت إلى أسوأ من ذلك بكثير ، كما أظهرت لنا طبيعة أحداث الحرب التي تعيشها سورية اليوم.
17▪ و لأنّ الخلافات و الاختلافات الثّقافيّة و المعرفيّة بين أطراف الصّراع السّياسيّ ، غالباً ما تأخذ شكل التّباين في فهم المصطلحات ، كما أشرنا في البداية ، و في معرفة كيفيّة استخدام المصطلحات بوصفها تعبيراً على مفاهيم نظريّة و عمليّة في العمليّة السّياسيّة العامّة ، فإنّ علينا التّوقّف مع بعض المصطلحات المعاصرة في حدودها ما بعد الحداثيّة و ما بعدها أيضاً ، مع أنّ مثقفي المعارضات السّوريّة لا يعنيهم هذا الأمر ، مفترضين الجهل الاجتماعيّ و الثّقافيّ عند قواعدهم و محازبيهم و مناصريهم و مريديهم ، و هم على “حقّ” ، بالفعل ، في هذا الأمر على الأقلّ ، على رغم سياسة التّجهيل التي يتّبعونها مع قاعدتهم الاجتماعّية المحدودة ، فيكونون قد خانوا مرّتين : الأولى خيانة سياسّية بحقّ ذواتهم ؛ و الثّانية خيانة تاريخيّة بحقّ أفواج أجيالهم الجديدة ، التي هي في تناقص مطّرد في واقع الأمر.
18▪ أصاب المفاهيم السّياسيّة الحداثيّة ، كالسّلطة و النّظام و السّلطات و فصل السّلطات و الدّيموقراطيّة و الانتخاب و التّمثيل و الحرّيّة و العدالة السّياسيّة و المساواة الاجتماعّية ، تغيّرات تتراوح بين تطّور المضامين المفهوميّة للمصطلحات و بين الانقلابات الشّاملة و الجذريّة على تلك المفاهيم .
و قد قدّمت ما بعد الحداثة و ما بعدها.. تعليلات واقعّية أو وضعيّة لمضامين المصطلحات الجديدة ، بحيث تتلاءم مع الاتّجاهات السّياسيّة العالميّة الجديدة ذات الجذور النّظريّة و الفكريّة الخالصة ، و ذات القبول الاجتماعيّ الواسع في الوقت نفسه ، بغضّ النّظر عن القيمة الأخلاقّية لهذه المضامين ، حيث تتساوى في ذلك المصطلحات السّياسيّة على مرّ العصور التّاريخيّة ، و ذلك عندما نجرّدها من قيمها المعرفيّة و قيمها الفلسفيّة المبكّرة الأولى ، و هي كذلك في كلّ حال .
و فيما نكون أمام عالم من الوقائع ، فإنّنا سوف نكون ، في الحدّ الأدنى ، واهمين ، عندما لا نأخذ المتغيّرات الّلاحقة للمفاهيم بالاعتبار ، أو عندما نقرأ الواقع المعاصر بلغة الماضي الذي تحنّط فينا و الذي يعود إلى مئات السّنين .
و أكثر من هذا ، فإنّه حتّى المصطلحات التي يمكن أن نعتبرها معاصرة كتلك التي جاءت مع الثّورة البلشفيّة الرّوسيّة عام ( 1917 ) ، قد أصيبت بتحوّلات بل و بانحرافات كبيرة و شديدة و عميقة و بخاصّة مع الماركسيّة الفرنسيّة و الماركسيّة الإيطالّية ؛ بينما يروى أنّ أوّل من استخدم كلمة ”ما بعد حداثيّ” ، للتّفريق بين المشهدين السّياسيين ، الحديث و المعاصر ، كان الفيلسوف الألمانيّ ( رودولف بانفيتش ) ، و ذلك في عام ( 1917 ) ..
و هو ما جعل الثّقافة السّياسيّة العالميّة ، وحتّى الفكر السّياسيّ المعاصر و الواقعي الأخير ، يدخلان في ترتيبات عملّية جديدة لم تكن في حسبان الكثيرين ممّن عجزوا عن مواكبة هذه التّغيّرات ، بتغيير و تطوير عدّتهم السّياسيّة بالكامل و ليس بشكل جزئيّ .
19▪ شكّلت ” الحداثويّة ” ( Modernism ) انتقالة نوعيّة عمليّة ، أكسبتها تجربة نظريّة خاصّة ، عن ” الحداثة ” ( Modernity ) ، بالمعنى الذي اشتغلت فيه أفكار ” الحداثويّة ” بأدوات “ الحداثة ” ، المفهوميّة ، فكان ذلك أوّل اختبار لزيوف الكثير من الممارسة السّياسيّة لأفكار الحداثة ، و هو الأمر الذي بعث في مفاهيم الحداثة نفسها إجراءات تعديليّة عميقة ، أُولى ، على مضامين المصطلحات الحداثيّة التي بشّرت بها ” الأنوار ” .
و لكنّ التّحوّرات الشّديدة التّالية للمصطلحات و المفاهيم ، و الانقلابات الجذرّية حتّى في الموقف من العالم مأخوذاً بواسطة المعرفة و الثّقافة السّياسيّتين ، كان في التّغيّرات التي شهدتها الثّقافة و شهدتها المعرفة ، في السّياسة ، في ما سمّي لاحقاً “ ما بعد الحداثيّة ” ” Post modernism
” كان أهمّ تلك التّحويرات العميقة ذات البعد السّياسيّ المترافق بموقف مغاير على العالم و الواقع و التّاريخ و الثّقافة و المعرفة الشّاملة ، و أكثرها تأثيراً في الممارسات السّياسيّة المعاصرة الّلاحقة ، و منها ما نعيشه اليوم بالتّحديد ، أن أجريت انزياحات مفهوميّة جيولوجيّة عميقة ، زلزاليّة بمعنى الكلمة ، تركت أثرها الواضح على “الحداثات” السّياسيّة العولميّة الأخيرة ؛
هذا في الوقت الذي لا يزال فيه المثقّفون السّوريّون المعارضون الماركسيّون يشتغلون بأدوات معرفيّة و سياسيّة و ثقافيّة ، تعتبر أدوات حجريّة بالنّسبة إلى الأدوات “الّليزريّة” ..التي يشتغل بها اليوم ساسة و سياسيّو العالم !
20▪ و يمكن ، ببساطة ، أن نأخذ فكرة عامة عن نتائج تلك الانقلابات السّياسيّة النّظريّة في الثّقافة و المعرفة المعاصرتين ، إذا استطعنا إدراك مكمن الفرق النّوعيّ ، العضويّ ، عند مقارنتنا بعض مفاهيم ”الحداثة” التي قطعت مرحلة وسيطة في مفاهيم ( ”الحداثويّة” ما بعد الحداثة ، وصولاً إلى مفاهيم ”ما بعد الحداثيّة” ..ما بعد بعد الحداثة ) و التي تخضع اليوم لتحديث عولميّ عمليّ لاختبار مضامينها النّظريّة ، بعد أن اختلفت مفهوميّاً و انقلبت اصطلاحيّاً بصراحة القوة و العنف السّياسيين العالميين..
فالقصّة الطّويلة المتسلسلة الأحداث و المتوالّية ( الرّواية الكبرى ) جرى عليها ، و أجري ، مجموعة من القصّ و القطع و التّجزيء في المكان و الزّمان و الوعي ، و الأهمّ من كلّ ذلك الإيحاء بذلك إيحاء مباشراً إلى الإدراك ليصير هذا الواقع الجديد ، بغضّ النّظر عن حقيقيّته أو توهّمه أو الإيهام به ، واقعاً حقيقيّاً تجاوز حدوده الافتراضّية ..
و تبعاً لذلك جرى تقطيع أوصال الأفكار الكلّيّة إلى أجزاء بل و إلى مجتزءات غير سياقيّة ، لتعميق و تكريس الإيهام بزوال عصر ”الحكاية” ، و تبديل المقطوعات الإعلامّية المنتقاة بأيديولوجيا حرفانيّة عالية الحرفيّة ، بالرّواية الكاملة
و بالاتّجاه نفسه ، جرى استبدال المقلّد و المزيّف و المختلف و المغاير ، بالأصل ؛ كما استبدلت الفروع و الوظائف و الأدوار ، بالمرجعّية المركزيّة الظّاهريّة ، و ذلك مثلما ، تماماً ، استبدلت حاملات الطّائرات المتحرّكة و الثّابتة و القواعد العسكريّة الإمبريالّية ، بأراضيها الأمّ ..
و قد ترافق ذلك مع تبديل الفوضى و الخلط و الاختلاط ، بالهيراركّية العلنيّة و التّراتبيّة و التّرتيب ؛ و القراءة السّريعة و الابتكار الغثّ و الخفيف ، بالتّأليف و القراءة المنتظمة و التّقاليد.
من جانب آخر ، فقد تمّ الإجهاز على بقايا اليقين ، و اعتماد واجهات ”واقعّية” بانوراميّة متبدّلة و متغيّرة ، من أجل سحب النّوى الصّالحة للتّخصيب في عقل العالم ؛ و زرعت النّهايات الافتراضّية للوجود في شرائح يجري اليوم ، و على الملأ ، تحضيرها لزرعها ، عضويّاً ، في أدمغة البشر…!
و هكذا تمّ تطوير مواصفات ضوئيّة خادعة للأفراد العمالقة و الجبابرة ، في مقابل حذف كلّ ذكرى من ذكريات الإنسانوّيات المتعدّدة و التي احتلت تاريخاً طويلاً من إيمانات البشر في حاضراتها الإنسانّية .
و القائمة تطول ..
باختصار لقد اختلف العالم كثيراً و كثيراً جدّاً ، في الوقت الذي ما تزال فيه الثّقافات الطّرفيّة المتخلّفة تعيد إنتاج ذاتها لخوفها ، و برعب شديد ، من استبدال ما تتضمّنه ، و ذلك بسبب التّهيّب من إيجاد المعلومة و المعرفة البديلة ، و كذلك بسبب إيثار الثّقافات السّياسيّة الغثّة أن تبقى في مجال الرّاحة التّاريخيّة و تخنّث الهمّة و اختفاء الإرادات .
21▪ و بالعودة إلى ثقافتنا المحلّيّة المحدودة ، و التي تشكّل مثالاً ، و حسب ، على ثقافات كلّ غير المشاركين في صناعة هذا العصر ؛ فإنّنا نأسف حين نتفاجأ بمقارنات تاريخيّة سياسيّة ، يقوم بها جهابذة من شيوعيي و ماركسيي المعارضات السّوريّة ، حتّى اليوم ، و ذلك مثلما كانوا يستخدمونها في لغة السّبعينيات و الثّمانينيات من القرن العشرين المنصرم ؛ و آخرها تلك المكابرة الحمقاء من أجل إبقاء صورة هذه الحرب في إطار الأزمة التي خلقها ، حسب تعبير المعبّرين ، “ النّظام ” السّوريّ ، و لو كان ثمن هذه الأغلوطة المفضوحة جملة أخرى من الأغاليط السّياسيّة التي تزخر بها أدمغة هؤلاء المأفونين ..
فلا نعدم – على سبيل المثال – تشبيههم ما يجري في سورية بما جرى في ( إسبانيا ) ما بين الأعوام ( 1936 – 1939 ) في ما سمّي بالحرب الأهلّية الإسبانّية ، في تلك الأعوام .
و الغريب في الأمر ، بل و المضحك ، أّنه بعد توصيف تلك الحرب الإسبانّية بالحرب الأهلّية ، بصراحة من يتحدّث بذلك ، فإذا به يعود إلى اعتبارها ”أزمة” ، ليقوم بعمليّة إسقاط خرقاء على ما يجري في سورية ، مع أنّ كلا التّوصيفين هما توصيفان ذاتيّان كاذبان و مفتعلان ، و ذلك سواء بالنّسبة إلى الحرب الإسبانّية أم بالنّسبة إلى ” الحرب السّوريّة ” ، و فق ما سوف نبيّن ذلك ، مباشرة .
22▪ ليس صحيحاً ، بناء على ما حلّلنا الأزمة أعلاه ، أنّ ( الحرب الإسبانّية ) أو كما توصف سياسيّاً في الثّقافات الرّاديكاليّة التّقليديّة ، ب ( حرب فرانكو ) ، نسبة إلى الجنرال فرانكو الذي حكم إسبانيا منذ الحرب و حتّى عام ( 1975 ) هي عبارة عن ”أزمة” ..
و هذا إذا أخذنا عوامل الأزمة ، إذ أنّ ”الحرب الأهلّية” و لو أنّها حرب “داخليّة” ، ”ذاتيّة” ، فهي ليست لا داخلّية و لا ذاتّية فقط ، و ذلك بالنّسبة إلى حجم القوى الخارجيّة التي أجّجت الحرب و مجموعة القوى الأخرى و الأجنبّية الغريبة عن ( إسبانيا ) و التي خاضت غمار تلك الحرب على مدى ثلاث سنوات وفق الإحصاءات الرّسميّة ، و هي أطول من ذلك ، و هذا بالنّسبة إلى مجموعة القوى المسلّحة و الميليشيات و الفصائل المقاتلة التي قاتلت إلى جانب كلا طرفيّ الحرب و القتال ؛ هذا أوّلاً .
و أمّا ثانياً ، فإنّ تشبيه تلك الحرب الإسبانّية مع الحرب السّوريّة المعاصرة ، إنّما هو شيء من قبيل النّموذج الإفلاسيّ الأخير من جملة الإفلاسات التي قاستها و عانتها المعارضات السّياسيّة السّوريّة ” المثقّفة ” ، و هي تحاول الانخراط بحياء في حرب العصابات الدّوليّة على سوريّة ؛ و هي تمارس جهلا و تجاهلا مأجورا و متعمّدا و حاقدا و لئيما ، على نحو مزدوج ؛ فلا الحرب السّوريّة كالحرب الإسبانّية ، و لا كذلك هذه أزمة أو تلك أزمة أيضاً .
23▪ ببساطة الوقائع التّاريخيّة ، قامت الحرب الأهلّية الإسبانّية بين فريقين عسكريين في حكومة الجمهوريّة الإسبانّية الثّانية ..
[ الجمهوريّة الإسبانّية الأولى هي حكومة قصيرة زمنيّاً قامت ما بين عاميّ ( 1873 – 1874 ) عندما تمرّدت الجنرالات العسكرّية لاستعادة حكم آل بوربون الملكيّ ] ..
و ذلك بين الدّيموقراطيين الموالين للجمهوريّة ( الثّانية ) ، أو اليساريين ، و بين الوطنيين الذين مثّلوا المعارضة اليمينيّة المدعومة بجنرالات الجيش بقيادة الجنرال( فرانسيسكو فرانكو ) ..
بحيث قادت كلتا الجهتان ، و كلّ منهما على حدة ، فصائل مسلّحة و ميليشيات أهليّة محليّة و أجنبيّة ، متواجهتين في حرب أهليّة دامت ثلاث سنوات ، إلى أن أسقط ( فرانكو ) الجمهورّية الإسبانّية الثّانية التي قامت في عام ( 1931 ) ، و حكم البلاد حتّى تُوفّي عام( 1975 ).
و من الطّريف أوّلاً تسمية هذه الوقائع الدّامية بالأزمة ؛ ثمّ من الأكثر طرافة تشبيه هذه الحرب ب ” الحرب السّوريّة ” المعاصرة ، و هما حربان مختلفتان اختلاف القطب الموجب عن القطب السّالب ؛ و الأنكى ليس اعتبار كلّ منهما أزمة ، و حسب ، و إنّما أيضاً قرنهما ببعضهما كما يقول أمّيّو السّياسة و التّاريخ من بقايا المعارضة الماركسيّة و الشّيوعيّة السّوريّة ..
فمن أين لحرب أهليّة حقيقيّة في إسبانيا أن تكون قرينة ” الحرب السّوريّة ” التي هي حرب عالميّة على الشّعب السّوريّ و على الجيش السّوريّ و على الدّولة السّوريّة ، بواسطة أكبرعدد من مئات آلاف مجرمي هذا العصر من متأسلمي النّاتو المتأمركين المتصهينين .. ؟!
24▪ في حصيلة هذا الحديث يحقّ لنا كشعب سوريّ أن نخجل من معظم مثّقفينا و سياسيينا في معارضاتهم المزعومة ثوريّة ، و ذلك إلى أن تندى جباهنا من تاريخ سياسيّ ثوريّ سوريّ مزيّف لم يُنجب غير الأفّاقين و المعوّقين و العجزة و الخائفين من مواجهة التّاريخ ، بحقائقه المتاحة لجميع الشّجعان في اختيار معرفة تحصيل التّطوّر بأسبابه ، أو في اختيار الانقراض من صورة هذا العالم المحيّر و المعقّد في تغيّره و تطوّره و اختلافه الدّائم ، حتّى للمجتهدين .
التعليقات مغلقة.