ذكرى رحيل شاعر الثورة التونسية محمد الصغير أولاد أحمد / محمد العبدالله
الأردن العربي – كتب محمد العبدالله …
الجمعة 5/4/2019 م …
شاعر تونسي ناضل ضد الاستبداد والقهر في تونس، فتعرض للمضايقة والفصل من العمل بسبب أفكاره، بشر في شعره بانتهاء استعباد الشعب وتنبأ بالثورة فكان شاعرها قبل أن تولد.
ولد محمد الصغير أولاد أحمد يوم 4 أبريل/نيسان 1955 في سيدي بوزيد، المدينة التي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة التونسية. عاش في بيئة فقيرة وقاسية في فترة خروج الاستعمار الفرنسي وبداية بناء الدولة التونسية.بدأ تعليمه في كتّاب القرية، فتعلم القراءة، وحفظ القرآن ثمّ دخل المدرسة الابتدائية بمنطقة النوايل في سيدي بوزيد ومنها حصل على شهادة التعليم الابتدائي عام 1968.
ولم تكن هناك في تلك الفترة مدرسة ثانوية في مدينة سيدي بوزيد فانتقل إلى محافظة قفصة لمواصلة تعليمه الثانوي.
وانتقل إلى العاصمة حيث واصل دراسته بالمدرسة العليا لأطر الشباب بمنطقة بئر الباي بين 1975 و1977 وحصل على شهادة منشط شباب.
في عام 1978 عاد إلى سيدي بوزيد وحصل على شهادة البكالوريا، وسافر إلى فرنسا حيث درس علم النفس في جامعة رامس.
بدأ الصغير أولاد أحمد كتابة الشعر منذ العشرينات من عمره، وعرف بصوته المعارض في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين بن علي. وقد جرّت عليه قريحته الإبداعية الغزيرة الكثير من المتاعب، وفصل من العمل خمس سنوات، ومنعت بعض كتاباته من النشر لأنها عن الحرية والكرامة الانسانية ضد القمع والاستبداد.
كتب أول ديوان شعري عام 1984 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وقد كشف الديوان ملامح شاعر غاضب وثائر ضد السلطة مما جعل النظام التونسي آنذاك يمنع توزيع ديوانه الذي بقي محجوزا حتى 1988.
بعد عام من نشر ديوانه الذي انتقد فيه بأسلوب شعري ساخر ومتمرد وخارج على المألوف اندلع في تونس ما يسمى بأحداث الخبز عام 1985 والتي ثار فيها الشعب ضد نظام بورقيبة بسبب ارتفاع أسعار الخبز.
في تلك الأحداث كان الصغير واحدا من المتمردين على النظام بسبب احتجاجه على مظاهر الاستبداد وقد سجن لفترة قصيرة بعد توقيفه خلال اعتصام نظم آنذاك للدفاع عن نقابة الاتحاد العام التونسي للشغل ثم طرد من عمله بإحدى دور الشباب.
توقف إنتاجه الشعري لخمسة أعوام في فترة مرت فيها البلاد التونسية بظروف خاصة بعد مرض الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وتقدمه في السن إلى أن جاء مولوده الشعري الثاني بعنوان “ولكنني أحمد” بعد عامين من انقلاب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي على بورقيبة عام 1987.
في بداية فترة بن علي واصل النظام ملاحقته للشاعر وطرده من عمله مما دفعه للسفر إلى فرنسا، وقد عاد مطلع التسعينيات إلى تونس بفكرة تأسيس بيت للشعر، تحققت عام 1993 حيث أسس أول بيت للشعر في تونس من 1993 إلى 1997.
حاول نظام بن علي أن يكسب ودّ الشاعر بمنحه وسام الاستحقاق الثقافي عن فكرة تأسيس بيت للشعر لكنه رفض تسلم الجائزة، وبقي تحت المضايقات يكتب الشعر ويسخر من النظام رغم طرده من العمل بوزارة الثقافة التي كان يعمل بها ملحقا ثقافيا.
قبل اندلاع الثورة التونسية كتب قصائد شعرية تنبأ فيها بالثورة القادمة وهو ما جعل العديد من المراقبين يعتبرونه شاعر الثورة التونسية.
نشر عدة كتب شعرية منها “نشيد الأيّام الستة” عام 1984، و”ليس لي مشكلة” 1998، و”حالات الطريق” 2013.
وله كتابان في النثر هما “تفاصيل” عام 1991 و”القيادة الشعرية للثورة التونسية” عام 2013.
رفض أولاد أحمد جائزة الاستحقاق الثقافي من الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عام 1993 تكريما له على تأسيس بيت الشعر التونسي.
في المقابل، حصل على جائزة قرطاج العالمية للشعر عام 2011 وذلك في إطار الملتقى التونسي الإسباني الأول للثقافة.
مختارات من قصائد الشاعر :
قد أموت شهيدًا
وقد لا أموت شهيدَا
هكذا قلت للصحفيِّ ،
وعدْتُ إلى البيتِ…
أكتبُ هذا القصيدَ
داخلَ المصعد الكهربائيّ قطٌّ،
يجاورُني منذ عام،
غدا نلتقي »:قالَ،
قلتُ:
ـ غدًا ليسَ يومًا أكيدَا
ها هيَ الكلماتُ،
والوقتُ أبْيضُ قان
تُشيّدُ للموت عُشّيْن:
عشا حديثٌا…
وعشّا جديدَا
أيها الطبُّ والربُ:
لا تَتركاني،مع الذئب، وحْدي
وان شئتُما فدَعاني إلى وحْدتي…
واحدًا ووحيدَا
—————————-
القصيدة:إلهي
إلهي:
أَعنّي عليهمْ
لقد عقروا ناقتي
وأباحوا دمي في بيوتٍ أذِنْتَ بأن لا يُراقُ دمٌ فوق سُجَّادِها!
***
إلهي:
أعوذ ُ بك الآن من شرِّ أهلي
يبيعون خمْرًا رديئا ً
ويُؤذونَ ليلَ السَّكَارى البريءْ!
***
إلهي:
لقد تمَّ بيعُ التذاكِرِ للآخرهْ
ولم أجد المال، والوقتَ، والعُذرَ
كي أقتني تذكرهْ
فمزق تذاكرهمْ يا إلهي
ليسعدَ قلبي
ألم تعد الناس بالمغفرهْ
***
إلهي:
أريدُ جرادًا لكلّ الحقول ِ
ومحو جميع النقاطِ
وقحطا لكلّ الفصول ِ
وطيْرًا أبابيل للإحتياط!
***
صدَقتَ إلهيَ:
إنّ الملوكَ – كما الرُّؤساء –
إذا دخلوا قرية أفسدوها
فخرِّبْ قُصور الملوكِ
ليَصلُحَ أمرُ القرى
***
إلهي:
لينبُتَ دودٌ مكانَ البلَحْ
ذهبنا جميعا إلى الإنتخابِ
ولم ينتخبْ أحدٌ مَنْ نَجَحْ!
***
إلهي،
حبيبي
ويا سنَدي
نشرتُ كتابًا جديدًا
فبعْهُ بلا عددِ
***
إلهي:
أدُلكَ فورا عليْها
على شفتيْها
على حلْمتيها
على إسمهَا العائلي
على شَعرِها العسلي
على ما تقولُ ولا تفعلُ
إلهَ السماءْ:
أضِفها إلى سُورة الشعراءْ!
***
إلهي:
إلهي السّجينَ لدى الأنبيـاءْ
إلهي السّجينَ لدى الخـُلفاءْ
إلهي السّجينَ لدى الأمراءْ
إلهي السّجينَ لدى الرؤساءْ
إلهي السّجينَ لدى الوزراءْ
لماذا نزلتَ إلى أرضِهمْ؟
وأسْكنتنِي غيْمةً في السّماءْ!
***
إلهي:
سَمِعْتُ تُـقاة ً يقولونَ عنكَ كلاما مُخيفـًا
فحاذفتهمْ بالكتابِ استوى حيّة ً لدغتهمْ جميعـًا
وعادت كتابـًا
إلهي العليْ:
ألا يُمكنُ القولُ إنّي نَبيْ.
——————————
قصيدة : نحب البلاد
نحب البلاد
كما لا يحب
البلاد أحد
نحج إليها
مع المفردين
عند الصباح
وبعد المساء
ويوم الأحد
ولو قتلونا
كما قتلونا
ولو شردونا
كما شرّدونا
ولو أبعدونا
لبرك الغماد
لعدنا غزاة
لهذا البلد
وأقسم بربي الذي
أقام السماء
بدون عمد
لو أن في الأرض
ركن يشد إليه
دون الذي
عند الحجاز
ليممت وجهي
لهذا البلد
أبيت وفي رأسي
جوع اليتامى
ويتم الجياع
وغبن التي
ربت رجالا
بدون جياد
أضاعوا العتاد
وزانوا العدد
وأخرى أعدت
جنودا
لم تلدهن
فكانوا الزناد
وكانوا السند
والآخرون
في زحمة الناس
رؤوس القطيع
إذا جاء النهار
عدّوا الأماني
وإذا أقبل الليل
أعادوا العدد
يبيت البخيل
ملأ الجفون
عن حيف الخام
وظلم السلام
وخبز تغسلن
وأدمى الرجال
وأنبت فيهم
سم الغدد
ونبقى خياما
للتائهين
والمجهشين
ونؤوي إلينا
من شردوه
و من كادنا كيدا
يوم أُحد
ينام قيم القوم
نوم القيان
وجندي الفداء
مضروب البنان
وقائد الفوج
سيف يسلّ
ضدّ البلد
ومُعلم النشء
وسيم غشيم
فيه التأنث
بدون حيض
وسوق “الرجولة”
فيه كسد
سيمضي
على الأرض
ليل طويل
وابن الرصيف
بلا مرضعة
والمساكين
إسم قديم
قد أُفتُقد
وفي الحي
أشباه الضاري
والمعتضد
ورهط إذا
ما نظرت إليه
رأيت هزبرا
لكن ما تراه
هرّا يحاكي
انتفاشا
كبر الأسد
أخاف من
شر تخفى
وراء المسوح
ورماد لا ترى
فيه ما يتقد
وأخشى على
من جاء
كهف الرقيم
بدون كلب
وظنّ أنّ
الزمان رقد
على رسلك
أمش الهوينا
ونادي في الناس
إن كنت حيّا
نحب البلاد
كما لا يحب
البلاد أحد
ولو قتلونا
كما قتلونا
لعدنا غزاة
لهذا البلد
———————————
تهشيم ضريح الشاعر
قبل بضعة أيام ، أقدم مجهولون (؟؟ ) على العبث بضريح الراحل الكبير في مقبرة الجلاز / تونس . وقد كتبت أرملة الراحل السيدة زهور أولاد أحمد على حسابها الخاص على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” تدوينة قالت فيها أنه “وقع البارحة الاعتداء مجددا على قبر الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد”، في إشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يقع فيها تهشيم جزء من قبر الفقيد بمقبرة الجلاز، وأنها في كل مرة تقوم بإعادة ترميمه لكن تتواصل الاعتداءات.
يُحطمون حجارة الضريح وشاهدة القبر المكتوبة بأبيات من قصيدة نُحب البلاد. لكنهم لن ينتزعوا من عقول ومشاعر وأفئدة نساء ورجال وشباب وفتيات تونس قصائد وكتابات” محمد الصغير أولاد أحمد ” لأنها نبض الثورة وفرح الحياة لشعب يعمل ويكافح من أجل حياة حرة وكريمة في وطن حُر وسيد نفسه.
التعليقات مغلقة.