الأر
الأردن العربي – الأحد 7/4/2019 م …
كتب الجندي الأمريكي فنسنت إيمانويل مقالا في موقع “وايرد جاي” الأمريكي مقالا تحت عنوان “كيف ساعدتُ في انشاء داعش” تحدث فيه عن تجربته في حرب العراق، والارضية التي ساعدت في انشاء تنظيم “الدولة الإسلامية”.
فيما يلي ترجمة للمقال:
بعد أربع عشرة سنة من الحرب على الإرهاب ، فإن الغرب اثبت انه ماهر في إثارة البربرية وإيجاد دول فاشلة.
خلال السنوات العديدة الماضية ، سأل الناس في جميع أنحاء العالم: “من أين جاء داعش؟” اختلفت التفسيرات ، قسم منها ركز بشكل كبير على الأصول الجيوسياسية (الهيمنة الأمريكية) واخرين على الاسباب الدينية – الطائفية، (السنية الشيعية)، وقسم عزوا ذلك الى الفكر (الوهابي) وقسم اخير ارجع ذلك لأسباب بيئية.
ولكن العديد من المعلقين وحتى المسؤولين العسكريين السابقين يؤكدون أن الحرب على العراق مسؤولة بشكل أساسي عن إطلاق العنان للقوى التي نعرفها الآن باسم داعش ، او الدولة السلامية في الشام والعراق إلى اخر ذلك من الأسماء التي تستخدمها. في هذه الكلمات أآمل أن أتمكن من إضافة بعض الانعكاسات والحكايات المفيدة.
كوابيس بلاد ما بين النهرين
عندما كنت متمركزا في العراق مع الجيش الامريكي، في الكتيبة الأولى ، المارينز السابع ، 2003-2005 ، لم أكن أعرف ما هي تداعيات الحرب ، لكنني كنت أعرف أنه سيكون هناك حساب او محاسبة من نوع ما.
إن هذا النوع من الانتقام ، والمعروف باسم ضربة ارتدادية ( او استباقية) يجري حاليا اختباره في جميع أنحاء العالم (العراق وأفغانستان واليمن وليبيا ومصر ولبنان وسوريا وفرنسا وتونس وهلم جرا) ، مع عدم وجود نهاية في الأفق لهذه التدخلات . في ذلك الوقت ، رأيت بشكل روتيني وشاركت في البذاءات التي كانت تحصل في العراق. بالطبع ، لم يتم الاعتراف أبداً بالقرار السيء بالذهاب الى الحرب في الغرب. وبدون شك، حاولت المنظمات المناهضة للحرب الكشف عن فظائع الحرب في العراق ، لكن وسائل الإعلام الرئيسية والأوساط الأكاديمية والقوى السياسية المشتركة في الغرب لم تسمح أبداً بإجراء دراسة جادة لأعظم جرائم الحرب في القرن الحادي والعشرين.
في يوم من. الأيام عندما كنا نقوم بدورياتنا في منطقة من محافظة الأنبار في العراق ، رٓمٓيتُ القمامة (عبارة عن وجبة جاهزة للأكل او ماتبقى منها) من سياراتنا كي يلتقطها بعض المارة. لم أفكر أبداً في مسالة كيف سيتم تٓذٓكُرٓنا من قبل العراقيين او في كتب التاريخ. أردت ببساطة توفير مساحة إضافية في السيارة الهمفي التي كنا نستقلها. بعد مرور سنوات، عندما التحقت في دورة لدراسة تاريخ الحضارة الغربية في الجامعة ، وعندما كنت استمع إلى أستاذي وهو يتحدث عن مهد الحضارة [العراق] فكرت في القمامة التي رميتها على الأرض في صحراء بلاد ما بين النهرين. ومدى إلاساءة التي كنا نتركبها بحق تلك الحضارة العريقة.
بالنظر إلى الأحداث الأخيرة في سوريا والعراق، لا يسعني إلا أن أفكر في الأطفال الصغار الذين كان زملائي من مشاة البحرية يؤذونهم من خلال هذه الأشياء التي يرمونها من سياراتهم. لم تكن الحلويات هي الأشياء الوحيدة التي أُلقِيٓت على الأطفال: كان هناك زجاجات الماء المليئة بالبول ، والاحجار وفضلات الطعام ، والعديد من الأشياء الأخرى المضرة ألقيت كذلك. غالبا ما أتساءل كم من أعضاء داعش ومنظمات إرهابية أخرى لا زالوا يتذكرون هذه الأحداث؟ او انها كانت ماتزال في ذهنيتهم عندما بداوا عملهم؟
اكثر من ذلك أفكر في المئات من الأسرى الذين وقعوا في قبضتنا وتعرضوا للتعذيب في مرافق احتجاز مؤقتة ارتكبها مراهقون من مدن أمريكية مختلفة. لم أكن من ضمن الذين واجهوا مصيبة العمل في مرافق الاحتجاز او الإعتقال. لكني أتذكر القصص التي كانت تروى لي. أتذكر بصورة جيدة ما كان رجال المارينز يخبرونني به عن اللكم والصفع والركل والضرب بالكوع وحتى النطح بالراس كي يرمون ضحاياهم او المعتقلين لديهم على الارض. أتذكر حكايات التعذيب الجنسي: إجبار الرجال العراقيين على القيام بأعمال جنسية على بعضهم البعض بينما كان جنود المارينز يضعون السكاكين على أعضائهم التناسلية، وأحيانًا يعتدون عليهم جنسيا بالهراوات.
وقبل أن يتطور الامر الى ارتكاب تلك الفظائع ، كنا نحن افراد وحدات المشاة نشعر بسعادة في تجميع العراقيين أثناء الغارات الليلية التي نشنها على مناطقهم، و نربط أيديهم بشدة الى الخلف ، ونغلف رؤوسهم بالاكياس ونرميهم في مؤخرة سيارات الهمفي او في شاحنات، بينما تنهار زوجاتهم والاطفال يكبون على ركبهم وهم يصرخون.
في بعض الأحيان ، كنا نقوم بذلك خلال النهار. معظم الوقت لم يكونوا يقاوموا. وكان بَعضُنَا يمسك أيدي المعتقلين بينما يقوم جنود المارينز بضرب السجناء في الوجه. بمجرد وصولهم إلى مركز الاحتجاز ، يتم احتجازهم لأيام او أسابيع ، وحتى شهور في كل مرة. لم يتم إخطار عائلاتهم. وعندما يتم إطلاق سراحهم ، كنا نقودهم من قاعدة العمليات الأمامية (FOB) إلى وسط الصحراء ونطلقهم عدة أميال من منازلهم. وبعد أن نقطع وثاقهم ونزيل الاكياس السوداء عن رؤوسهم ، كان العديد من مشاة البحرية الأكثر تطرفا يطلقون النار من اساحتهم الرشاشة في الهواء أو على الأرض ، مما يخيف الأسرى المفرج عنهم مؤخرا. ودائما يفعل الجنود ذلك للضحك و للتسلية. كان معظم العراقيين يركضون ، وما زالوا يبكون من محنتهم الطويلة في مرفق الاحتجاز ، على أمل أن يكون هناك مستوى معين من الحرية ينتظرهم من الخارج.
من يدري كم من الوقت بقوا على قيد الحياة. بعد كل ما حدث لهم، لا أحد كان يهمه ذلك. ولكننا نعرف عن سجين أمريكي سابق نجا من هذه الممارسات: انه أبو بكر البغدادي ، زعيم داعش.
ومن المثير للدهشة أن القدرة على تجريد الشعب العراقي من إنسانيته كانت تبلغ ذروتها بعد أن ينتهي اطلاق الرصاص والانفجارات ، حيث يمضي العديد من جنود المارينز أوقات فراغهم وهم يلتقطون صوراً للموتى ، وغالباً ما يقومون بتشويه جثثهم من أجل المتعة أو بدس أجسادهم المنتفخة بالعصي لبعض الضحكات الرخيصة.
ولأن أجهزة iPhones لم تكن متوفرة في ذلك الوقت ، فقد قام العديد من جنود المارينز في العراق باستخدام الكاميرات الرقمية. هذه الكاميرات تحتوي على تاريخ لا حصر له من الحرب في العراق ، وهو تاريخ يأمل الغرب أن ينساه العالم. ذلك التاريخ وهذه الكاميرات يحتويان أيضاً على لقطات للمذابح الوحشية والعديد من جرائم الحرب الأخرى ، الحقائق التي لا يُسعِد العراقيين نسيانها .
لسوء الحظ ، يمكن أن أذكر عدداً لا يحصى من القصص المروعة من وقتي في العراق. لم يقتصر الاعتداء على الناس الأبرياء وتعذيبهم وسجنهم بشكل روتيني فحسب ، بل تم حرقهم أيضًا بمئات الآلاف ، وحسب بعض الدراسات الاخرى بالملايين.
العراقيون فقط هم الذين يفهمون الشر المحض الذي تم شنه على دولتهم. يتذكرون دور الغرب في حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران. يتذكرون عقوبات كلينتون في تسعينات القرن الماضي ، وهي السياسات التي أسفرت عن مقتل أكثر من خمسمائة ألف شخص ، معظمهم من النساء والأطفال. [الرقم الصحيح هو مليون وثمنمائة وخمسون الف، بينهم خمسمائة وخمسون الف طفل. المترجم].
ثم جاء عام 2003 وانهى الغرب العمل الذي بداءه سابقا. اليوم، العراق دولة مدمرة تماما. يتم تسميم الناس وتشويههم ، والبيئة الطبيعية سامة من القنابل المشبعة باليورانيوم المنضب. بعد أربعة عشر عاماً من الحرب على الإرهاب ، هناك أمر واحد واضح من هذه التجربة: وهو ان الغرب عظيم في إثارة الهمجية وخلق الدول الفاشلة.
الذين يعيشون مع أشباح
إن عيون الأطفال العراقيين الصغار الدافئة والعاجبة تطاردني باستمرار كما ينبغي. إن وجوه أولئك الذين قتلتهم ، أو على الأقل تلك التي كانت جثثهم قريبة بما فيه الكفاية لفحصها ، لن تتجنب أبداً أفكاري.
تذكرني كوابيسي وانعكاساتي اليومية بمكان وجود داعش ولماذا بالضبط يكرهوننا. هذه الكراهية ، المفهومة لكن المؤسفة ، ستوجه إلى الغرب لسنوات وعقود قادمة. كيف يمكن أن يكون خلاف حول ذلك؟
ومرة أخرى ، فإن حجم الدمار الذي ألحقه الغرب بالشرق الأوسط لا يمكن تخيله على الإطلاق بالنسبة للغالبية العظمى من الناس الذين يعيشون في العالم المتقدم. لا يمكن أبداً المغالاة في هذه النقطة لأن الغربيين يسألون باستمرار وبسذاجة: “لماذا يكرهوننا؟
في النهاية ، تحدث الحروب والثورات والثورات المضادة والأجيال اللاحقة مع النتائج: الحضارات ، المجتمعات ، الثقافات ، الأمم والأفراد يبقون على قيد الحياة أو يموتون. هكذا يعمل التاريخ.
في المستقبل ، فإن الطريقة التي يتعامل بها الغرب مع الإرهاب تعتمد إلى حد كبير على ما إذا كان الغرب سيواصل سلوكه الإرهابي أم لا. إن الطريقة الواضحة للحيلولة دون تشكيل منظمات داعش المستقبلية هي معارضة النزعة العسكرية الغربية بكل أشكالها المروعة: انقلابات وكالة المخابرات المركزية ، وحروب بالوكالة ، وإطلاق الطائرات بدون طيار ، وحملات مكافحة التمرد ، وحرب اقتصادية ، إلخ.
في هذه الأثناء، أولئك الذين شاركوا مباشرة في الحملة العسكرية للإبادة الجماعية في العراق سيستمرون في العيش مع أشباح وكوابيس الحرب.
ترجمة د. سعد ناحي جواد
التعليقات مغلقة.