الأردن العربي – من زهير أندراوس – الخميس 11/4/2019 م …
في مساء العاشر من نيسان (أبريل) من العام 1973، تلقّت الثورة الفلسطينيّة ضربةً مُوجعةً ومُؤلمةً جدًا، عندما قامت وحدة إسرائيليّة خاصّة، بالدخول إلى العاصمة اللبنانيّة، بيروت، واغتيال ثلاثة من قادة منظمّة التحرير الفلسطينيّة وهم الشهداء: كمال ناصر، كمال عدوان وأبو يوسف النجار.
قاد العمليّة، وهو متخفيًا بزيّ امرأةٍ إيهود باراك، الذي أصبح فيما بعد القائد العّام لجيش الاحتلال ووزير الأمن ورئيس الوزراء، وشاركه في القيادة، القائد الأسبق لرئاسة الأركان العامّة، أمنون ليبكين شاحاك، حيث تمكّنت المجموعة الإسرائيليّة من قتل الثلاثة في بيوتهم الواقعة في حيّ “فردان” بالعاصمة بيروت، وبعد ذلك انسحبوا من المكان، دون أنْ يتمكّن أحدٌ من العثور عليهم أوْ مُلاحقتهم.
وفي الذكرى الـ46 لعملية اغتيال الشهداء، ومن مُنطلق كي لا ننسى، نورِد فيما يلي نبذةً قصيرةً عن الشهداء الثلاثة:
الشهيد كمال ناصر أوْ “ضمير الثورة” (1924 – 1973) كان أحد أبرز رموز النضال والأدب في فلسطين وابن إحدى العائلات المسيحيّة الفلسطينيّة من بلدة بير زيت. كانت سيرة حياته مشابهة لسير حياة كثيرين من أبناء جيله من نشطاء الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، فهو خريج الجامعة الأمريكيّة في بيروت، التي تخرج منها أيضًا العديد من الذين أصبحوا رموزاً في الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة وحركة حركة القوميين العرب، مثل الشهيد وديع حدّاد وحكيم الثورة، المرحوم جورج حبش. كان عضوًا في حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ، وأصدر صحيفة البعث في رام الله وصحفًا أخرى، وانتخب عضوًا في مجلس النواب الأردنيّ، وتعرّض للاعتقال بعد الاحتلال عام 1967 وأبعدته سلطات الاحتلال للخارج، ومن ثم أصبح عضوًا في اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينية ومسؤول الإعلام فيها وناطقًا رسميًا باسمها، ومشرفًا على مجلة فلسطين الثورة التي صدرت باسم منظمة التحرير الفلسطينية.
الشهيد محمد يوسف النجار أو “أبو يوسف النجار” كما كان يناديه إخوانه في حركة فتح (1930 – 1973)، وكان يسكن في نفس العمارة التي كان يسكنها الشهيد كمال ناصر في ضاحية فردان في بيروت. كان النجار الذي لقبه المقربون منه “السهل الممتنع” عضوًا في اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني “فتح”، وينحدر من قرية يبنا قضاء الرملة. شرّد مع عائلته في عام النكبة، وعلى ما قيل فقد كان له نشاط في صفوف الإخوان المسلمين مثل كثيرين من الذين أسسوا الحركة. كان شعاره الثابت والدائم “الحق أولاً والمبدأ أولاً”.
الشهيد كمال عدوان (1935 – 1973)، مثله مثل محمد يوسف النجار كان عضوًا في اللجنة المركزية لحركة فتح التي شارك في تأسيسها، وتولى مسؤوليات في الإعلام الفلسطيني وأخرى تتعلق بالمقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. أتمّ دراسته في مصر ومن ثم عمل في كلٍّ من السعودية وقطر، وشارك في مقاومة العدوان على قطاع غزة خلال العدوان الثلاثي الذي شنه كيان الاحتلال وبريطانيا وفرنسا ضد مصر عام 1956 وأدّى ذلك إلى اعتقاله وقتذاك. عُرف الشهيد عدوان بمقولته الشهيرة “حتى تكون قوميًا وحتى تكون أمميًا لا بُدّ أنْ تكون فلسطينيًا أولاً”.
وكانت أم رامي، أرملة الشهيد كمال عدوان، قد روت وبإسهابٍ شديدٍ لكاتب هذه السطور في لقاءٍ معها في العاصمة الأردنيّة عمّان، تفاصيل اغتيال زوجها، وقالت فيما قالت: دخلوا البيت، وباشروا بإطلاق النار بشكلٍ كثيفٍ على زوجي… اختبأت مع طفليّ الاثنين في غرفة النوم، ودخل عليّ! باراك، شاهِرًا بندقيته، قلتُ له بالعربيّة أتركني أنا وطفليّ، نظر إليّ، واعتقدت للحظةٍ أنّه سيقتني مع ولديّ، ولكنّه تراجع في اللحظة الأخيرة، فيما واصل الآخرون، إطلاق الرصاص على زوجي حتى تأكّدوا من أنّه لفظ أنفاسه الأخيرة، قالت أرملة الشهيد عدوان.
وفي كتابٍ جديدٍ بعنوان: “مقاتلة الموساد في بيروت”، أوضح أنّ الأمر كان أكثر تعقيدًا وتنظيمًا، واستغرق شهورًا عدة قبل تحديد ساعة الصفر واختيارها، والتي كانت مرهونة بإشارة من عميلة الموساد “ياعيل” (اسم حركي) لتؤكّد تواجد القادة الثلاثة في بيوتهم، حتى لا يصل رجال الموساد، أوْ الجنود الإسرائيليون في قلب بيروت إلى شقة فارغة. وقد سمح الموساد لـ”ياعيل” بسرد حكايتها في الكتاب، بعد مرور أكثر من أربعة عقودٍ على العملية، وفق شروط محددة، أهمها: الإبقاء على سريّة هويتها الحقيقية، وصورها، رغم بلوغها سنّ الـ79.
وقد ساهمت المعلومات التي أرسلتها “ياعيل” ومعلومات عملاء آخرين نشطوا في بيروت، في بلورة تصور لعملية لاغتيال القادة الثلاثة. بالتالي، قامت وحدة كوماندوس من سرية الأركان المعروفة باسم (ساييرت مطكال)، وسرية المظليين والكوماندوس البحري بالعملية، بينما قام عناصر وحدة “قيساريا”، التابعة لجهاز الموساد (الاستخبارات الخارجيّة) بدور سائقي السيارات، الذين أقلّوا عناصر الكوماندوس من الشاطئ إلى قلب بيروت، ثم عادوا بهم إلى الشاطئ بعد العملية، حيث انتظرتهم قوارب مطاطيّة نقلتهم إلى بوارج إسرائيليّةٍ كانت تنتظرهم في عرض البحر، كما أكّد الكتاب المذكور.
التعليقات مغلقة.