من كامب ديفيد للجولان / محمد شريف كامل

من كامب ديفيد للجولان



لقد وعد فصدق، ذلك ترامب الذي وعد الكيان الصهيوني الاستيطاني بنزع ما تبقى من أرض اللبن والعسل من أيدي أصحابها وأهلها، استكمالا لاغتصاب أرض الميعاد كما تسميها الحركة الصهيونية، إلا أن وعد ترامب ليس إلا امتدادا لعصر البلطجة الذي يحكم العالم.

ولم يكن الوعد إلا تحقيق حلم الصهيونية في امتلاك ما تبقى، وحتى يتحقق ذلك الحلم يجب القضاء على ما قد يعيق تحقيقه، وأول ما يعيق تحقيقه يكمن في إرادة الشعوب، فلو تمكن أصحاب المشروع من سلب إرادة ذلك الشعب سيتحقق الهدف.

لقد حاولوا مرارا أن يسحقوا إرادة الشعب بالهزائم العسكرية، من حرب 48 لحرب 67، فاحتلال بيروت وكانت كل هزيمة عسكرية تنتهي بإصرار على إعادة الدورة والرغبة في المقاومة واسترداد الكرامة المُهدرة، وظل ذلك هو ما يتميز به الشعب العربي طوال تاريخه، وكان ذلك الإحساس برفض الهزيمة هو أشد ما يقلق العدو وصناعه، فلم يكن هناك حل إلا البحث عن طريق كسر تلك الإرادة.

لم يكن ذلك الوعد ليلقى الضوء لولا عملية تهيئة المناخ التي سبقته بسنوات طويلة، والتي هدفت إلى كسر الإرادة، وقد بدأت عملية كسر الإرادة بتكاثر نغمات الاستسلام والتشكيك في كل شيء، وانتشرت حولنا المهاترات والدعوات للتحجيم والحديث عن أن النزعة الوطنية خرافة وإننا غير قادرين ولا نملك القدرة على تحدي العدو، وبدأت النظريات الفلسفية التي تَدعي الواقعية وكيف أن فلسطين ضاعت لأننا لم نكن واقعيين ولم نقبل بالتقسيم، فعلينا الآن أن نقبل بالفتات الذي يُمنح لنا من المانح الأرضي.

فكانت كامب ديفيد أول طريق الاستسلام العلني، وعُدلت المفاهيم، وصُورت القيم عكس حالها، حتى الآيات القرآنية غُير مفهومها، فأصبح إلقاء السادات كلمة في الكنيست في القدس شجاعة وأصبحت آيات القرآن “وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” هي الطريق وكأن العدو جنح للسلم، ثم جاءت الاتفاقية المهينة التي وقعها السادات وأرغم برلمانه على إقراراها موصوفة بالفتح المبين ولم تكن إلا الهزيمة الكبرى وما كانت إلا فاتحة الكوارث.

وتبع ذلك انحسار عربي لا سابقة له، ففي ظل غياب سيادة الدولة المصرية وغياب مصر عن دورها التاريخي أصبحت كل التنازلات مقبولة، بل وقامت مصر بدور المروج لوهم الرخاء المصاحب للسلام الموعود فأبدع السادات في تزييف الوعي الشعبي وتضليل الرأي العام، بل ساهم في فتح أبواب أفريقيا على مصراعيها، فبعد أن كانت لا توجد إلا ثلاثة دول أفريقية لها علاقة بالكيان الصهيوني أصبح للكيان مقر ومستقر في كل بلدة أفريقية.

وبالفعل كانت كامب ديفيد هي فاتحة الكوارث، وكانت مقدمة السقوط العربي الذي لم ينته حتى الآن، فتساقطت وريقات التوت وتحول الالتئام العربي إلى اقتتال عربي عربي على كل الجبهات فكان غزو العراق للكويت بمثابة نكسة تعدت كل نكبات العرب، ثم الغزو الأمريكي للمنطقة الذي شارك فيه العرب بالأمر.

وتوافق ذلك مع مبادرة الاستسلام العربية التي أطلقت في 2002 من بيروت التي مثلت أخر قلاع الصمود، وبعد أن كان مجرد الحديث عن قرار الأمم المتحدة 181 الخاص بتقسيم فلسطين هو من باب الخيانة، أصبح البحث عن رضاء نتانياهو من باب التفاخر.

لقد تحولت المنظومة العربية لحارس أمين لا عمل له إلا رعاية أمن الكيان والحفاظ على سلامته، وأصبح دور النظم والجيوش العربية هو تصفية كل التيارات الوطنية قومية كانت أو إسلامية، ولم يتوقف الامتهان عند ذلك الحد بل امتد للتشكيك في أننا على حق وحتى التشكيك في أن أرض فلسطين عربية، بل ومن داخل مصر تم التنازل عن تيران وصنافير ليصبح مجرى الملاحة دوليا، ولا سيادة عربية عليه.

إنه بالرغم من أن المجتمعات العربية عانت من الحكم الديكتاتوري لعقود طويله إلا أنها لم تنكسر وكانت تسير دوما على طريق التنمية وبناء الإرادة، فبالرغم من غياب الديمقراطية إلا أن البُصلة كانت على التوجيه الصحيح والرؤية كانت واضحة للجميع، فالعدو كان دوما محدد المعالم ومصنف بدقة عالية، وكان المجتمع الدولي يقر وبكل وضوح أن حق العودة مكفول وأن الصهيونية حركة عنصرية حتى دفع السادات وأعوانه بإلغاء قرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية.

لم يكن القرار الأمريكي الأرعن بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ليكن مالم تكن كامب دافيد، ولم يكن القرار الأمريكي الأرعن بالاعتراف بضم الجولان رسميا للكيان ليكن مالم تكن كامب دافيد، بل جاء ذلك القرار الثاني في يوم ذكرى أربعون عام على كامب دافيد ولم تكن مصادفة بل كان تحية لذلك السقوط الكبير.

وإن كان قرار الجولان تحية لمرور أربعين عاما على كامب ديفيد، فإنه جاء كقارب نجاة لنتانياهو لعله يفوز بالانتخابات ويبقى التحالف الخماسي (نتانياهو، وبن سلمان، وبن زايد، وترامب، والسيسي) الذين يعملون بكل همة لانتهاز اللحظة المناسبة ويعلنوا من القدس نهاية القضية الفلسطينية وسيادة الصهيونية على كل الأرض العربية من الخليج إلى المحيط.

إن تلك السيادة قادمة ولا محال، بل هي قائمة، وستبقى تلك السيادة قائمة ولكنها مؤقته حتى تستجمع الشعوب العربية قواها وتسترد كرامتها وتُسقط حكامها في ثورة شاملة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.