العراق وبذرة الأمل المستهدفة / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) السبت 15/8/2015 م …
مع تصاعد حركة الجماهير العراقية مطالبةً بإصلاحات حقيقية ومحاسبة الفاسدين ، ومع ارتفاع الصوت العراقي الأصيل الذي يدعو لنبذ الطائفية والمحاصصة ، ومع بدء الاستجابة لبعض من مطالب الجماهير كخطوة ولو بسيطة على طريق الإصلاح لتبث أملاً بمستقبل أفضل ، يخرج علينا رئيس هيئة الأركان الأمريكي المنتهية ولايته الجنرال ريموند أودييرنو في آخر مؤتمر صحفي له في البنتاغون ، قبل يومين ، ليؤكد بأن تحقيق المصالحة بين مكونات الشعب العراقي أمر يزداد صعوبة يوماً بعد يوم وبأن تقسيم العراق قد يكون الحل الوحيد لتسوية النزاع بين مكونات الشعب العراقي حيث قال (إن التقسيم يمكن أن يحدث لكن هذا الأمر متروك للسياسيين والدبلوماسيين لكي يقرروا ذلك ، مضيفاً ، بأن هذا – قد يكون هو الحل الوحيد – وبعد أن أعلن ذلك صراحة عاد ليقول بأنه غير مستعد لأن يقول ذلك حتى الآن !!!! ) واستبعد في الوقت نفسه إمكانية عودة العراق مستقبلاً إلى ما كان عليه في السابق ، وعلاوة على كون الجنرال أودييرنو رئيس هيئة الأركان الأمريكية فقد سبق وأن قاد القوات الدولية في العراق في الفترة 2008-2010 ، الأمر الذي يؤكد مدى تجذر وعمق ووضوح الاستراتيجية الأمريكية في العراق منذ احتلاله عام 2003 والتي تتجاوز عملية تدمير القوة العراقية إلى تقسيمه وإلغاء إسمه عن خارطة الشرق الأوسط وكل ذلك باسم وتحت ستار الشرعية الدولية ودمقرطة بلدان الشرق الأوسط والقضاء على الدكتاتورية فأمريكا هي التي تلبي مطالب الشعوب !!!
لقد استطاعت أمريكا حتى الآن وبنجاح واضح القضاء على الجيش العراقي واستقدام الميليشيات التي تلعب على نغمة الدين ، فتجار الدين السياسي وميليشياتهم حضروا بعد ان رضعوا هناك حليب الطائفية الشيعية على أيدي محترفي الطائفية وكارهي العرب وبما يخفف من مشاعر العروبة والحس بالأخوة مع ابناء جلدتهم ، وثبتت أمريكا مفهوم المحاصصة دستورياً وقانونياً واستغلت ايران كل ذلك لتصبح اللاعب الوحيد والأقوى في العراق ، اللاعب الذي بإمكانه التأثير على السياسة العراقية وتشكيل الحكومات المتعاقبة ، فكانت الطائفية ، وكانت المحاصصة ، وضعف الحس القومي إلى أبعد مدى ، وقامت ميليشيات ” البشمركة ” بتوسعة مناطق سيطرتها خارج حدود كردستان العراق لتحتل أجزاء من ديالى ونينوى بتنسيق في بعض الأحيان مع الميليشيات الشيعية ، وكان كل ذلك على حساب العرب السنة الأمر الذي شجع المزيد من الطائفية والفرقة والتطرف لدى السنة ، فنمت القوى التكفيرية وكانت داعش بعد القاعدة ، وازدادت عمليات القتل والتفجير والتهجير ، ودفع المواطن العراقي وما زال يدفع الكثير الكثير من أمنه واستقراره ودمائه ، واستشرى الفساد والمحسوبية والرشاوي ، وحلت العراق ضمن قائمة الدول العشر الأكثر فساداً في العالم وفقاً لمؤشر الفساد السنوي الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية لعام 2013 حيث احتلت المرتبة 171 من أصل 177 دولة، واصبحنا نسمع عن أرقام فلكية عن ثروات كبار المسؤولين العراقيين بمن فيهم تجار الدين ووقادة الأحزاب الدينية ، كل ذلك الشعب يعاني من الفقر والجوع ونقص في الخدمات ، بالاضافة إلى حالة إنعدام الأمن والأمان ، وأصبحت أربيل محجاً لاستثمارات العراق بدلاً من بغداد ، وتقلص دور الحكومة المركزية – ضمن قانون الفدرالية – فالكل ينهب وبلا رادع .
وبعد كل هذا الخراب ، تحركت الجماهير العراقية في الآونة الأخيرة لتطالب بالاصلاح وبنبذ الطائفية والمحاصصة ، فكان علم العراق هو العلم الوحيد الذي رفعته الجماهير المحتشدة في ساحة التحرير وتحت نصب الحرية ، وامتدت حركة الجماهير إلى خارج بغداد لتصل إلى المحافظات البعيدة والكل يتبنى ذات المطالب .. خدمات أفضل ، محاسبة الفاسدين ، نبذ الفرقة والطائفية والمحاصصة .. مما دعا رئيس الوزراء العراقي ومجلس الوزراء لاتخاذ حزمة من الاصلاحات وأهمها إلغاء وظائف نواب الرئيسين – رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية – وإلغاء وظائف بعض المستشارين كخطوة ولو بسيطة على طريق الإصلاح الشامل ، وبدأت الجماهير تتغنى بمنجزاتها وتتصاعد في مطالبها ، ورغم الأهمية البالغة لحركة الجماهير وأهمية مطالبها إلا أن هنالك بعض المحاذير التي أرى ضرورة ذكرها وتتمثل في :
• خطورة الموقف الأمريكي الذي صرح به رئيس هيئة الاركان الجنرال ريموند أودييرنو – المنتهية ولايته – في هذا التوقيت بالذات بأن الحل الوحيد الممكن لتسوية النزاعات في العراق هو التقسيم .
• إنغماس كافة الأحزاب الدينية وتجار الدين السياسي بحركة الجماهير خوفاً من سحب البساط من تحت أقدامها .
• تأييد ” المرجعية ” الدينية الشيعية ! لكل ما يجري بما في ذلك مطالب الجماهير ولخطوات الاصلاح في محاولة لتثبيت دورها الحالي والمستقبلي.
• التفويض الشعبي الذي يطالب به البعض للقيادة مما يحصنها من المحاسبة مستقبلاً.
كل هذه المحاذير تجعل عملية الاصلاح صعبة وذلك :
1. خوفاً من اللعبة الأمريكية وإمكانية استخدام امريكا لوسائلها المختلفة لإفشال حركة ومطالب الجماهير وتثبيت منطق التقسيم .
2. التخوف من خطف حركة الجماهير من قبل الاحزاب الدينية وتغليفها من جديد بغلاف الدين السياسي مما سيعيد الأمر لما كان عليه وربما أسوأ بكثير .
3. المزايدات السياسية بين القوى المختلفة والتي قد تؤدي إلى المزيد من الخلافات .
4. عدم إمكانية فرز قيادات واعية لتقوم بقيادة حركة الجماهير وإنضاج مشروعها الوطني والإصلاحي كنواة حقيقية لبروز تيار سياسي جماهيري عراقي حقيقي بعيداً عن الطائفية .
5. التخوف الكبير من المنافقين والمتسلقين وتجار السياسة ومحترفي الكلام والمقابلات التلفزيونية والصحفية .
ما تقوم به الجماهير العراقية في هذا الوقت يمثل بذرة الأمل لعودة العراق موحداً قوياً كما كان ، عراق ينبذ الفرقة والطائفية والمحاصصة ، عراق لكل مكوناته ، عراق يدعم العروبة ويدعمه العرب ، عراق تفشل معه مخططات أمريكا والصهيونية ، عراق تحترم فيه الاقلية الأكثرية وتحترم الأكثرية حقوق الأقلية ولا تعتدي عليها ، عراق يقول لدول الجوار علاقتنا معكم نبنيها على الاحترام وعدم التدخل بشؤوننا .
لكل ذلك اقول بأن يدي على قلبي من كل تلك المحاذير والأخطار التي ستُفشل وتقتل بذرة الأمل وذلك في ظل عدم بروز تيار سياسي قوي يحضن الجميع ويجسد مصداقية الشعارت إلى واقع يقضي بنبذ كل أشكال التمييز والمحاصصة وصولاً إلى عراق لا يعترف إلا بمرجعية واحدة وهي مرجعية الانتماء له .
التعليقات مغلقة.