الأهمية الإستراتيجية لمنظومة الصواريخ إس 400 الروسية / د. حسين عمر توقة
د. حسين عمر توقه* ( الأردن ) الأحد 14/4/2019 م …
*باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي
المقدمة:-
تتسابق الكثير من دول العالم في الحصول على منظومة الصواريخ إس 400 الروسية ولعل في مقدمة هذه الدول الصين وإيران وتركيا والجزائر وهناك مفاوضات سرية بين روسيا والكثير من دول العالم تجري في الخفاء من أجل شراء هذه المنظومة والتي تعتبر بحق من أكثر المنظومات تطورا في العالم . وبالرغم من قيام سوريا بدفع ثمن منظومة الصواريخ إس 300 إلا أن هناك غموضا في الإجابة نفيا أو إيجابا حول إستلام سوريا لهذه الصواريخ .
لقد تم تحقيق مخطط بيرنارد لويس الصهيوني في تفتيت وتدمير معظم الدول العربية لا سيما الدول الواقعة بين النيل والفرات والدول العربية التي شاركت جيوشها في حرب إسرائيل . وبقي أن يتحقق الفصل الأخير من حلم بيرنارد لويس الأكبر المتمثل في إيقاع شرخ بين الدول المسلمة بين المعسكرين السني والشيعي أسوة بالحرب العراقية الإيرانية من عام 1980 لغاية عام 1988 وبقيت المرحلة الأخيرة من هذا المخطط الآثم التي تستهدف تفتيت وتدمير كل من تركيا وإيران والسعودية وضم الضفة الغربية لإسرائيل وتحويل الأردن إلى وطن بديل .
نعم لقد تم إستهداف الأوطان العربية بكل أنواع السلاح المجرم وأصبحت رائحة الأرض العربية مجبولة بالدماء والبارود . الدماء العربية والبارود الأمريكي والروسي والفرنسي والبريطاني والضحايا مئات الآلاف من النساء والأطفال والملايين من اللاجئين العرب والمسلمين.
لقد تحولت الدول العربية منذ بدء الربيع العربي إلى أرض تتكالب عليها الأمم وبالذات الدول العظمى وحلفاؤها وتم تجريب كل أنواع السلاح من صواريخ وطائرات ورشاشات ومدفعية على الشعب العربي المسلم وتم العمل على إيقاظ الخلايا النائمة إيذانا ببدء الجيل الرابع من الحروب وتم تسليح جماعات عربية تحت عدة مسميات إرهابية من أجل قتل أخوانهم العرب . فتحولت معظم الأوطان إلى ساحات قتال وقبور جماعية بدون شواخص وجرحى بدون علاج ولاجئين في سوق النخاسة العربي والدولي .
روسيا اليوم تريد أن تشارك في إقتسام الكعكة العربية قبل أن تلتهمها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل .
لقد شهدت موسكو العاصمة الروسية بتاريخ 9/5/2015 عرضا عسكريا كبيرا بمناسبة الإحتفال بمرور 70 عاما على إنتهاء الحرب العالمية الثانية ولقد تم في هذا العرض العسكري عرض طائرة سوخوي سو – 35 القادرة على حمل 12 نوعا من الصواريخ المختلفة جو/جو وجو/ أرض وجو/ سطح وهي الطائرة التي تتفاوض الصين مع روسيا من أجل شرائها كما تحاول مصر أيضا الحصول عليها ولكن إسرائيل تعارض حصول مصر إو أي دولة عربية على هذه الطائرة .
كما تم عرض صواريخ أرض/ أرض إسكندر – م ويمكن تركيب هذا الصاروخ على منصة ثابتة أو متحركة وهو من أهم الصواريخ التكتيكية في الترسانة الروسية حيث يتميز بدقة متناهية وتنتقل هذه المنظومة الصاروخية إلى حالة قتالية خلال دقيقة واحدة ويصل مداها إلى 500 كلم وهي تستخدم تقنية الشبح ( الستيلت ) بحيث يعتبر إعتراض هذا الصاروخ مهمة مستحيلة .
إن ما يهمنا هنا أنه وللمرة الأولى تم عرض منظومة صواريخ إس 400 الجديدة وهذه المنظومة قادرة على رصد وتدمير الأهداف على بعد 400 كلم وتشمل تلك الأهداف الطائرات والصواريخ البالستية وصواريخ كروز كما أنها تستطيع التعامل مع الطائرات ( الشبحية ) مثل طائرة إسرائيل المستقبلية إف 35 وسوف نتناول بالتفصيل الخصائص الفنية لهذه المنظومة إس 400 في سياق هذا المقال .
وبتاريخ 25/11/2015 أعلن وزير الدفاع الروسي عن قرار نشر منظومة ” إس-400 ” للدفاع الجوي في قاعدة ” حميميم ” وعن وصول الطراد الصاروخي ” موسكو ” المجهز بنظام ” فورت ” وهو نسخة من منظومة ” إس – 300 ” معدلة لنصبها على السفن إلى مكان تمركز جديد قبالة سواحل اللاذقية .
وبتاريخ 4/3/2018 كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن منظومة أفنجارد الصاروخية وعن إنتاج صاروخ جديد وصفه بأنه لا يقهر وهو يحلق على إرتفاع منخفض يصعب رصده قادر على حمل أسلحة نووية غير محدود المدى مع عدم إمكانية الكشف عن مساره ويمكنه بكل سهولة تجاوز خطوط الردع وهو لا يقهر أمام جميع الأنظمة الحالية للدفاعات الصاروخية والجوية .
وبتاريخ 1/2/2019 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن بلاده ستعلق كافة إلتزاماتها بموجب الحد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى والبدء في عملية الإنسحاب من المعاهدة والتي ستكتمل خلال ستة أشهر إلا إذا عادت روسيا للإتزام بالمعاهدة وتدمير جميع الصواريخ والمنصات والمعدات التي تنتهكها.
منظومة الصواريخ إس 300:-
في بحث سابق بعنوان ( الأهمية الإستراتيجية لمنظومة الصواريخ إس 300 الروسية بالنسبة إلى سوريا ) كنت قد تطرقت إلى أهمية منظومة الصواريخ إس 300 بالنسبة إلى سوريا لا سيما بعد أن قامت إسرائيل بتاريخ 5/5/ 2013 بالإغارة على قاعدة الصواريخ المحصنة السورية في مشارف العاصمة دمشق ودمرتها .
إن منظومة الصواريخ إس 300 هي منظومة دفاع جوي صاروخية بعيدة المدى ( أرض/ جو ) روسية الصنع أنتجت من قبل شركة ألماز للصناعات العلمية . ولهذه المنظومة عدة إصدارات مختلفة وجميعها مصممة للتصدي لمختلف أنواع الطائرات وصواريخ كروز وتم تطويرها مؤخرا لردع الصواريخ البالستية . وهي صواريخ أرض / جو دفاعية وليست هجومية وتأتي أهميتها بإعتراف كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية أن الولايات المتحدة لم تستطع حتى الآن تطوير تقنية مضادة لمقاومة هذا النوع من الصواريخ .
وحسب ما جاء في الموسوعة الحرة فإن هذه المنظومة إس 300 تعتبر من أقدر الأنظمة في العالم في ميادين الدفاع الجوي فهي قادرة على صد وتدمير الصواريخ البالستية ومجهزة برادارات قادرة على تتبع 100 هدف والإشتباك مع 12 هدف في نفس الوقت .
ولقد طغت قصة هذه الصواريخ الروسية على سطح الأحداث حين سربت إسرائيل لصحيفة ” وول ستريت جورنال ” وثائق تثبت أن روسيا على وشك تسليم سوريا صواريخ إس 300 بعدما قامت دمشق بتسديد أقساط هذه الصواريخ في مصرف روسي بناء على صفقة تم توقيعها عام 2010 وتتضمن هذه الصفقة تسليم سوريا (6) منصات صواريخ و (144) صاروخا عملياتيا.
كما أن إيران كانت قد أبرمت عام 2007 عقدا مع روسيا من أجل شراء منظومة إس 300 بتاريخ 25/12/2007 وفي عام 2011 تم إلغاء الصفقة بعد أن أصدر الرئيس الروسي في ذلك الوقت ( ديمتري ميدفيدف ) مرسوما يحظر تسليم إيران أي دبابات أو مركبات مدرعة أو مدافع من العيار الكبير أو طائرات هيلوكبتر قتالية أو سفن حربية أو صواريخ ويحظر المرسوم بشكل خاص تسليم منظومة صواريخ أس 300 .
ولا يعلم أحد حتى هذه اللحظة هل قامت روسيا بتسليم إيران منظومة صواريخ إس 300 أم لا ولكن من المرجح أن روسيا سوف تفتح ترسانتها العسكرية لإيران بعد أن قامت الولايات المتحدة بالإنسحاب من الإتفاقية النووية مع إيران وبعد التقارب الكبير بين كل من روسيا وإيران والتعاون الأمني والإستراتيجي بين كل من روسيا وإيران والعراق وسوريا وحزب ألله . والتقارب الحالي بين كل من تركيا وروسيا .
منظومة الصواريخ إس 400 :-
حسب التقارير العسكرية والصحفية الصادرة عن مقاطعة استرخان الروسية حيث تم إختبار فعالية منظومة الصواريخ إس 400 (ترايمف) والتي تعني الإنتصار فلقد تم الإعلان عن دخول هذه المنظومة إلى الخدمة الفعلية وتم نشرها في المدن الروسية الكبرى وفي المواقع الإستراتيجية الهامة ولا يعلم أحد بوجه الدقة متى تم نشر هذه الصواريخ إلا أن البعض يؤكد أنه تم نشر هذه المنظومة في مدينة موسكو في عام 2007 ولكنها في عام 2014 أنتشرت في كل المواقع الإستراتيجية الهامة في روسيا ولقد تم تسريب الكثير من المعلومات عن مزايا هذه المنظومة التي يقال إنها استمرار لمنظومة الصواريخ إس 300 وأنه تم تطويرها من قبل شركة ألماز وقد أحيطت هذه المنظومة طوال عقد من الزمان بهالة من السرية ولكن ومنذ عام 2007 أخذت هذه المزايا تتضح من قبل المراكز الإستراتيجية حيث أجمع الخبراء العسكريون أن هذه المنظومة هي أحدث منظومة دفاع جوي وقادرة على التصدي لمختلف أنواع الطائرات المقاتلة وبالذات طائرة الشبح الأمريكية ( ستيلت ) وقادرة على تدمير طائرة إسرائيل المستقبلية إف 35 وصواريخ كروز والصواريخ البالستية والصواريخ المجنحة ويمكنها الوصول إلى إرتفاعات عالية تصل 27 كلم كما أنها تغطي إرتفاعات أدنى بحيث يمكنها التصدي لأهداف بإرتفاعات 100 متر عن سطح الأرض . كما أن هذه الصواريخ قادرة على التصدي ل 72 هدفا في وقت واحد ويمكنها تدمير 36 هدف في نفس الوقت بنسبة دقة في الإصابة تبلغ 100% وهناك تضارب حول مدى صواريخ هذه المنظومة إذ تفيد بعض التقارير أن المدى هو 400 كلم بينما تفيد تقارير أخرى أن المدى 600 كلم ويمكن إصابة الصواريخ ذات السرعة القصوى بمقدار 4800 كم في الساعة كما أن هذه المنظومة محمولة ويمكن نقلها دونما أي صعوبة من موقع إلى آخر وهي لا تحتاج إلى أكثر من 5 دقائق ليتم تجهيزها للإنطلاق . وهي تعتبر بحق أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورا في العالم ولقد توالت الطلبات على شراء هذه المنظومة ويقال أن في قائمة هذه الدول الصين كما تسربت معلومات غير مؤكدة بأن الجزائر قد حصلت عليها أو في طريقها إلى الحصول على هذه المنظومة .
منظومة الصواريخ إس 500 :-
وتشير تقارير مراكز الدراسات الإستراتيجية والبحوث الصادرة عنها والمعلومات الإستخبارية أن روسيا قد قاربت على الإنتهاء من إنتاج منظومة دفاع جوي جديدة إس 500 وأنها أجرت بتاريخ 17/7/2014 تجربة ناجحة جديدة لإطلاق صواريخ إعتراضية بعيدة المدى أطلق عليها منظومة ( إس 500 ) للدفاع الجوي وخصصت هذه المنظومة التي ينتجها مجمع ( ألماز – أنتي ) للدفاعات الجوية في المقام الأول لصد هجمات الصواريخ المتوسطة المدى بحيث تستطيع هذه المنظومة الجديدة أن تكتشف وتضرب الصواريخ البالستية من على بعد 3500 كيلو متر وقادرة على صد الهجمات وتدمير الصواريخ الجوالة بما فيها الصواريخ التكتيكية والإستراتيجية التي تستخدم أضعاف سرعة الصوت كما أن من الممكن أن تقوم هذه المنظومة بإعتراض الأقمار الصناعية مستقبلا وستكون هذه المنظومة جاهزة لدخول الخدمة عام 2020
وفي نهاية هذا العرض الموجز لمنظومات الصواريخ الروسية فإننا نتساءل إلى متى سيستمر هدر الثروات والأموال العربية في أسواق السلاح العالمية للدول العظمى هذه الأسلحة التي تعد دائما وأبدا في الدرجة الثانية مقارنة بالتسلح الإسرائيلي بحيث تكون هذه الأسلحة لحفظ أنظمة الدول العربية وليس من أجل الإنتصار في المعارك العربية ضد إسرائيل ومن أجل إبقاء الأرض العربية مسرحا لصراع المصالح بين الدول العظمى ومسرحا لتجارب الأسلحة المتطورة ومرتعا خصبا لشذاذ الآفاق الإرهابيين من كل ملة ومن كل حدب وصوب .
وفي النهاية سيتحقق الحلم الأكبر للصهيونية العالمية في إيقاع الصراع النهائي بين المعسكر السني المسلم وبين المعسكر الشيعي المسلم وهل ستشهد كل من إيران وتركيا ربيعا مشابها للربيع العربي أو فوضى خلاقة تبدأ ولا نعرف متى أو كيف سوف تنتهي .
التعليقات مغلقة.