السودان بين الماضي المظلم والمستقبل المجهول / موسى عباس

image1.jpeg

موسى عباس ( لبنان ) الأحد 14/4/2019 م …




image2.jpeg الكاتب موسى عباس

السودان أو “بلاد السود”  تسمية أُطلقت على سكان المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى والممتدة من غرب أفريقيا إلى شرق وسط أفريقيا،أطلِق عليه في القديم إسم”كوش” ومن ثمّ بلاد “النوبة”.

من أكبر الدول العربية مساحةً وأعظمها ثروةً ، مساحته قبل أنفصال الجنوب كانت تبلغ حوالي مليوني كم2 حيث كان يحتل المرتبة السادسة عشرة عالمياً  والثالثة عربياً بعد الجزائر والمملكةالعربيةالسعودية، وبعد الإنفصال بلغت مساحته حوالي

  • ,1886كم2 تلك المساحة يقسمها نهر النيل الى شطرين شرقي وغربي وهو يتشارك الحدود مع اثيوبيا واريتريا في الشرق وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد من الغرب ومن الشمال مصر وليبيا ومن الجنوب دولة جنوب السودان التي انفصلت عنه عام2011 بعد الحرب الأهلية .
  • تاريخ الحضارة السودانية:

استوطن الإنسان في بلاد السودان منذ أكثر من 5000 سنة قبل الميلاد،وهو موطن حضارات قديمة منذ العصر الحجري  الأوّل، ينقسم السكان الى أعراق مختلفة موغلة في التاريخ يبلغ تعدادها حوالي 600 عِرْقِيّة وقبيلة مختلفة يتكلمون حوالي 300لغة محلية لكن اللغة العربية هي اللغة الرسمية.

بلغ تعداد السكان بعد انفصال الجنوب حوالي 34 مليون نسمة غالبيتهم يقطنون المدن الرئيسية ولا سيما الخرطوم العاصمة التي تقع عند ملتقى نهرَيْ النيل الأزرق والنيل الأبيض الرافدان الرئيسيان لنهر النيل الذي يعبر  السودان من الجنوب الى الشمال  ليدخل بعدها جنوب مصر .

والجدير بالذكر أن السودان يحتوي على ثروات معدنية ونفطية وزراعية ضخمة جدّاً،لكن الصراعات الداخلية المتلاحقة

منعت الإستثمار الفعلي والمُجدي لتلك الثروات ولا سيّما الزراعية والتي لو تمّ استغلالها بالشكل الصحيح لأمّنت الإكتفاء الذاتي للعالم العربي بأكمله على الأقل من حاجاته الزراعية.

  • في تاريخ السودان:

أقدم الممالك السودانية هي مملكة “كوش النوبة”التي  غزت بلاد مصر في القرن الثامن قبل الميلاد  وعُرِف حُكّامها كفراعنة الأسرة الخامسة والعشرين في مصر  الذين شيّدوا الأهرامات وعرفت حضارتهم تعدين الحديد وصناعته  في القرن الخامس قبل الميلاد.

دخلت الديانة المسيحية السودان بعد الغزو الروماني في زمن الإمبراطور “جستنيان الأوّل”.

تشير الوثائق القديمة إلى أن الإسلام دخل السودان في عهد الخليفة الثاني “عُمر بن الخطاب” ومن المعروف أن جماعات عربية كثيرة هاجرت إلى السودان واستقرّت في أواسطه وغربه

وتوالت تلك الهجرات بعد الفتوحات الإسلامية ونشرت الثقافة العربية والإسلامية.

في العام 1821 أرسل والي الأتراك على مصر “محمد علي باشا” جيشه الى السودان وسيطر عليه ، سُمّيت تلك الحقبة من تاريخ السودان ب”التركيّة السابقة” وإمتازت بالظلم والطغيان وصيدْ وتجارة الرقيق  لا سيما من مناطق الجنوب وبيعهم في أسواق النخاسة، الأمر الذي أدّى إلى ثورة ضد الأتراك بقيادة “محمد أحمد ” الذي إدعى أنّه “المهدي المنتظر” واستطاع طرد الأتراك من الخرطوم عام 1885م.

في العام 1889 دخلت القوات الإنكليزية ترافقها القوات المصرية

“أم درمان”بقيادة اللورد كتشنر

وأنهت حكم المهدوية وهكذا بدأت مرحلة الإستعمار البريطاني التي استمرّت حتى العام 1954 تاريخ إنشاء أوّل حكومة سودانية  تولى رئاستها إسماعيل الأزهري بعد أول انتخابات نيابية ، وفي الأول من كانون الثاني 1956 أُعلن استقلال  السودان.

لكن الأحزاب التي كانت قائمة في ذلك الوقت فشلت في التفاهم فيما بينها حول شكل نظام الحكم والدستور، وتفاقمت الأوضاع الإقتصادية وكذلك مشكلة جنوب السودان الأمر الذي شجّع الجيش على التدخل والإستيلاء على الحكم.

  —  الانقلابات العسكرية في السودان:

شهد السودان  منذ اعلان الإستقلال العديد من الانقلابات العسكرية  :

— انقلاب الفريق إبراهيم عبود في 17ت2  عام  1958، الذي كان أول ضربة للتعددية الحزبية في البلاد. وبالرغم من قيام لجنة وزارية بصياغة ثلاثة قوانين للحكم المحلي إلا أن السلطة العسكرية منعت صياغة دستور للبلاد وذلك كي لا تضطر لتسليم السلطة إلى مجلس نيابي منتخب، مُستغِلّةً تدهور الأوضاع في الجنوب بادرت الأحزاب إلى إعلان مُعارضتها لحكومة الفريق عبود .وفي تشرين الأوّل 1964 أطلقت الشرطة النار على تجمُّع طلابي انطلق من جامعة  الخرطوم وقتلت الطالب “أحمد القرشي طه”، وتحوّل يوم تشييعه الى مظاهرات عمّت معظم مدن البلاد،  وكان هذا أوّل حراك شعبي أدى إلى استقالة الفريق عبود وتشكيل مجلس رئاسي خماسي الأعضاء لإدارة البلاد.

في عهد حكومة”محمد أحمد محجوب” انعقدت قمّة اللآت الثلاث في الخرطوم بعد هزيمة 5 حزيران 1967.

  • انقلاب العقيد جعفر النميري:

في صباح  25  أيّار 1969  فوجئ السودانيون بانقلاب عسكري قاده العقيد جعفر النميري معلناً استيلاءه على السلطة وتميّز حكمه بإعدام السياسي والمُفكر البارز ورئيس الحزب الجمهوري ” محمود أحمد طه “بعد اتهامه بالردّة وبنشر أفكار مناوِئة للإسلام . وبقي النميري في الحكم حتى 6 نيسان 1985 حين انقلب عليه الجيش بقيادة مجموعة من الضباط

بعد مظاهرات  شعبية عارمة قادتها النقابات والأحزاب .

  • انقلاب الجيش في نيسان 1985:

كان الفريق أسوار الذهب وزيراً للدفاع  وعندما حدثت المظاهرات ضد نظام النميري  أعلن الجيش تأييده للمتظاهرين وانقلب على جعفر النُميري  وولّى السلطة لوزير الدفاع

“عبد الرحمن أسوار الذهب “الذي قَبِلها بعد تردُّد ، وسلّم السلطة بعد سنة واحدة لحكومة “صادق المهدي” واعتزل العمل السياسي،ويُسجّل له أنه لم يحتكر السلطة كغيره ورفض البقاء فيها.

  • انقلاب الفريق عمر حسن البشير:

في 30 حزيران 1989 قاد العميد  “عمر حسن البشير” انقلاباً عسكريّاً ضد حكومة الصادق المهدي وأعلن قيام”ثورة الإنقاذ الوطني” مؤكّداً أنّ تلك الثورة لا تعرف الفصل بين “الدين والسياسة”.

تميزت فترة حكمه بالعديد من الأحداث المفصليّة في تاريخ السودان أهمّها :

  • التمرّد في جنوب السودان الذي قاده الضابط في الجيش السوداني العقيد “جون قرنق” والذي أدى الى حرب طاحنة بين الشمال والجنوب انتهت بانفصال الجنوب واستقلاله عام 2011.
  • اشتعال الصراع في ” دارفور ” حيث ارتُكبت مجازر عدّة كان من نتيجتها إصدار محكمة العدل الدولية مذكّرة ملاحقة بحق البشير وبعض أركان حُكمه.
  • أقدم عمر البشير عام 2015 على إرسال قسم من الجيش السوداني للقتال الى جانب التحالف  الأمريكي -السعودي في اليمن ضد تحالف الجيش اليمني وحركة أنصار الله ، الأمر الذي أثار نقمةً ضدّه من قسم كبير من الشعب اليمني.
  • أقدم البشير على القيام بزيارة الى دمشق في 11 كانون الأوّل 2018 وهي الزيارة الوحيدة التي قام بها حاكم عربي إلى دمشق منذ اندلاع الحرب على سوريا  عام2011  .
  • تراجع الوضع الإقتصادي في البلاد مع نهاية العام 2017 ، ومع بداية كانون الثاني 2018 حدثت مظاهرات قادتها المعارضة قمعها النظام واعتقل العشرات من قادتها،وفي 13 كانون الأوّل 2018 خرجت تظاهرات محدودة في بعض المدن سُرعان ما تصاعدت بعد أن تسلم “تجُمع المهنيين في السودان” قيادة الحراك الشعبي، ومع بداية العام 2019 نظّم تحالف المهنيين تحالفاً مع الأحزاب والقوى الرئيسية في البلاد  وبدأت التظاهرات تضغط على نظام البشير الذي استخدام العنف في محاولة لقمع الحراك فسقط أكثر من مئة قتيل، وعلى الرغم من ذلك نجح السودانيّون باسقاط نظام البشير بأقل خسائر مُمكنة، وذلك بعد تظاهر وإعتصام أمام مقر  قيادة القوات المُسلَحة التي أعلنت تنحية البشير  مساء 11 نيسان 2019  وتسلّم المجلس العسكري الانتقالي للسلطة بقيادة الفريق “عوض بن عوف” الذي تنازل عن القيادة للفريق”عبد الفتاح البُرهان ” بعد رفض قيادة الحراك الشعبي له والتي تُصِر على تسليم السلطة الى حكومة مدنية انتقالية.

لا بُدّ من الإشارة أيضاً إلى الضغط الذي تُمارسه بعض الدول وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة والسعودية على قيادة الحراك الشعبي لمنع مجيء نظام حكم معادي لتوَجُهاتِهما  التطبيعية مع الكيان الصهيوني.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.