سار من كل شيء أحسنة حتى السرق / أحمد الشاوش
احمد الشاوش ( اليمن ) الإثنين 15/4/2019 م …
تاريخ اليمن حافل بالنوادر والمقالب الطريفة والحركات اللطيفة والمواقف العجيبة التي تجمع بين الرقة والجلافة ، والوفاء والخيانة والنزاهة والسرقة والصدق والكذب ، والمجاملة والنفاق ، والعدل والظلم والسعادة والحزن ، والوحدة والتشتت، والامثال اليمنية الكثيرة تعكس الواقع اليمني الذي جمع بين كل المتناقضات ، وما حكيم اليمن علي بن زايد الذي يمثل خلاصة التجارب اليمنية ، إلا اختزالاً لمكنونات ونفسيات ووقائع وفكر وثقافة الشعب اليمني الذي دخل التاريخ من أوسع أبوبه خلال 5000 آلاف عام من الحضارة والعلم والشموخ ، وخرج من أوسخ أبوابه خلال سنوات معدودة نتيجة للانحطاط الأخلاقي والسياسي والفكري الذي انتج ثقافة الفجور والانتقام والموت والكاس والكيس والكس والعمالة والارتزاق ، لذلك قالوا سابقاً ” مخرب غلب ألف عمار”.
وفي خضم هذه التناقضات والمتغيرات العجيبة مازلنا وسنظل نتذكر المثل اليمني القائل ” سار من كل شيء أحسنه حتى السرق” !!؟؟ ، فسرق الامس غير سرق اليوم ، ولصوص الماضي غير لصوص الحاضر ونصابي الزمن الجميل ، أجمل وأرق قلوباً وقناعة من نصابي الزمن العليل الذي يقتل وينهب دون حاجة ويخطف ويعذب ويسجن دون رحمة بعيداً عن الدستور والقانون والأخلاق.
ومن القصص الطريفة ، يقال ان أحد أبناء صنعاء ذهب الى المسجد وخلع ملابسه لكي يغتسل ، وأخذ أحد السرق ملابسه للحاجة الماسة ، ولكنه كان يملك شيء من الحياء والخجل وأنبه ضميره وهرول مسرعاً الى منزل صاحب الملابس من بيت غمضان ان لم تخوني الذاكرة طالباً من أهل البيت ارسال ملابس الى المسجد لذلك الرجل.
وفي أحد القرى اليمنية ، دخل محتاج الى مزرعة وسرق ظرف دباء ، وما ان سمع البروق واللوامع وقرب نزول المطر إلا واصابه الخوف ورجم بالظرف الدباء خشية من الله رغم حاجته ، قائلاً ، ام رعود تتقارح وام بروق تلمع وام كلاب تحفحف والله لوما قدنا زند الزنداني لكان ربي يتمساني.
ومن العجائب أن لصوص الامس كلما قرروا سرقة بيت أو مزرعة أومحل تجاري لإشباع بطونهم يقرأون وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأخشيناهم فهم لا يبصرون ، ولسان حالهم يردد سترك يارب ، عفوك يارب ، رحمتك يارب ، توبه .. توبه من شدة الخوف أو الوقوع في الفضيحة بسبب الفقر القاتل وطغيان الحكام الذي قال فيه الامام علي بن أبي طالب لوكان الفقر رجلاً لقتلته ، رغم ان سرقتهم من الذرة والحنطة والشعير للنجاة من الموت التي تسقط الحدود في زمن المجاعة ورغم ذلك تقوم قيامة العلماء والقضاة لإقامة الحدود على الفقراء واسقاطها على الحكام اللصوص .
لذلك صار للصوص مدارس متنوعة وأصبحوا خبراء في فنون السرقة واللطش وبروفسورات في الاحتيال والنصب ورؤساء عصابات في صناعة الازمات ونهب الدول والاوطان والتهام الاراضي وتبديد ثروات الامة وبيع المساعدات الإنسانية ، والاستقواء بالغزاة والاستنجاد بالسفارات وتكبيل البلدان بقرارات البنك الدولي وطلب البند السابع من أجل البقاء على كرسي السلطة والتسلط تحت عناوين الوطنية والدين والقومية والحزبية والمذهبية والحداثة والعلمنة رغم فسادهم حتى النخاع.
لصوص الامس ياساده ياكرام كانوا أشد جوعاً وعطشاً وفقراً ، لا مال لهم ولا وظيفة ولاسكن ولا أرض ، وان وجدت فهي بوار ، وتحت سيف الجوع وسرطان البطون الخاوية وجبروت الحكام ، كان يسرق البعض منهم الزاد القليل ليسد جوعه ويشبع بطون أولاده الذين يتضورون جوعاً للبقاء على قيد الحياة في غياب الخليفة العادل والقاضي الصارم والعالم الصادق ، بينما لصوص اليوم تمتلئ بطونهم وعوائلهم وحاشيتهم في كل وجبه باللحوم المحنوذة والمشوية والاسماك والجمبري والشروخ وانتهاء بالعسل والفواكه والمكسرات الذي يحول المسؤول الى قوة 64 حصان رغم انه قبل المنصب كان بقوة حصان واحد ، لكن في المقابل المال الحرام يسير وأهله ، لذلك يسلط الله عليهم النقرس والسكري والكوليسترول والسرطان والخوف وفقدان الضمير ولعنة الله وسخط الشعب
وفي غياب العدالة والمساواة والحرية فإن لصوص اليوم يسكنون القصور الضخمة ويتمتعون بالمجالس والاجنحة والغرف الفارهة والمسابح والجاكوزي والساونا والطباخين وعشرات السيارات الفارهة والارصدة المالية الكبيرة ، نتيجة لتخدير الشعوب وحماية وتشجيع أمراء النفط ، وسفراء واشنطن وبريطانيا وفرنسا وموسكو ، لذلك يسرقون الدولة والتاجر والمواطن والمساعدات الدولية ، ويقطعون الطريق ويلهفون أبار النفط والغاز ويفجرون الحروب ويشاركون المستثمرين بالقوة ويبنون القصور والفلل في الداخل والخارج بالقاهرة والأردن ولندن وباريس وواشنطن وإسطنبول والدوحة وأبوظبي والرياض ويجمعون بين النساء الأربع ويقيمون الليالي الحمراء في الشقق والفلل والفنادق والاجنحة التي تغص بالشقراوات ، والاطرف في ذلك أنهم يكتبون في واجهة الفلل والقصور والشركات هذا من فضل ربي ، لااله إلا الله ، ماشاء الله ، صلي على النبي ، عين الحسود ، ، فالحاكم الأول مارس عمليات النهب تحت ايقاعات الامامة والثاني تحت سيمفونية الديمقراطية والثالث تحت عمامة المقري وعناوين التغيير ، والرابع تحت يافطة شرق شرق ثورة على كل السرق ، والقادم لا ندري تحت أي عنوان أو يافطة سيتاجر بالوطن ؟ .
والاغرب من ذلك أنك ترى الرئيس والوزير والقائد والقاضي والمحامي وعضو مجلس النواب والشورى ومكافحة الفساد والعالم والجندي والطبيب والمهندس ،،، يؤدي القسم الجمهوري أو الملكي بالحفاظ على الوطن وسيادته وثرواته وشرف واخلاقيات المهنة ، لكن ما أن يتحرك دودي النفس الامارة بالسوء في غياب ثقافة النزاهة وموت الضمير وفقدان القيم وغياب المساءلة والثواب والعقاب وثقافة النفاق والمجاملة حتى يتحول السواد الأعظم الى لصوص وخونة ومدمري أوطان.
فهل آن الأوان لكل حرامي ولص ومحتال ونصاب وخائن لوطنة ودينه وعروبته في الداخل والخارج من أصحاب القصور والفلل والشقق والطيرمانات أخذ العبر وتأنيب الضمير وإعادة أموال الدولة وأموال وأراضي المواطنين المنهوبة بالقوة لتزكية النفس والولاء لوطنه، مالم فإن المتغيرات على مدار الساعة .
أخيراً .. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ. صدق الله العظيم.
التعليقات مغلقة.