حدث في المدينة الطبية / د. صبري الربيحات
القوات المسلحة الأردنية كانت وما تزال موضع تقدير واحترام الأردنيين في الداخل والخارج. على مدار العقود الثلاثة الماضية وبالرغم من عدم دخول جيشنا في معارك فعلية مباشرة مع قوات معادية إلا انه بقي حاضرا في أذهان الأمة ويتمتع بمحبة واحترام الناس ويحظى بمستويات عالية من الثقة والتقدير. خلال الاستطلاعات التي أجرتها مراكز الدراسات والبحوث حافظت القوات المسلحة والاجهزة الامنية على مكانتها ومواقعها المتقدمة على سلم المؤسسات والسلطات التي يحترمها المواطن.
لا اظن ان سلاحا خدم صورة القوات المسلحة الأردنية وجعلها قريبة من الناس وموضعا للثقة والتقدير كما عملت الخدمات الطبية الملكية. منذ ان كانت مرافقها الصحية في ماركا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي الى ان شيدت المدينة الطبية غرب العاصمة عمان وانتشرت المستشفيات والمراكز لتشمل محافظات وألوية المملكة وهي تراكم الانجازات واحدا تلو الآخر وتبعث الطمأنينة في نفوس من ابتلاهم الله بالمرض والسقم وتتصدى لآلام الناس دون النظر الى مراكزهم ودياناتهم وطوائفهم.
التطبيب والرعاية والبحث والاكتشافات العلمية واغاثة المنكوبين وضحايا الكوارث والحروب في ارجاء المعمورة اكسبت الخدمات الطبية الملكية سمعة ومكانة واحتراما لا يمكن لأحد ان يتجاهلها.
الخريجون الجدد من كليات الطب والجامعات المرموقة حول العالم يتسابقون على الالتحاق في صفوف المؤسسة التي لا تبخل على كوادرها في التدريب والتنمية والتوجيه الذي اصبح هدفا يتمنى الكثيرون ممن يمارسون المهنة ان يتحقق لهم.
في تاريخ الطب الأردني كان الدكتور عبدالسلام المجالي وجراح القلب الريادي داود حنانيا والدكتور اسحق مرقة واشرف الكردي ويوسف القسوس ونوار فريز والمئات من الرواد أساتذة قدموا للمهنة خبرة وخلقا وابداعا وريادة صنعت تاريخ المؤسسة ومنحتها دفعة يصعب ايقافها مهما شحت الموارد او توالدت المؤسسات والمستشفيات المتكاملة والحديثة.
الأيام الماضية قدمت المدينة شاهدا جديدا على ابداعات كوادرها وكفاءاتهم بعد ان نجح العميد الدكتور حسين عضيبات رئيس قسم الامراض الجلدية في وضع حد لمعاناة إحدى الاسر العربية التي ابتلي احد اطفالها بمرض جلدي لم يتمكن الاطباء والمستشفيات من تعريف الحالة او وصف ما يناسبها.
التدهور الذي اصاب صحة الطفل العراقي ودفع بالعائلة الى مراجعة اطباء في كل من الاردن والعراق ولبنان وفرنسا ما كان ليتوقف لولا الخبرات الأردنية التي ما تزال تقيم وزنا للصحة وقدسية الحياة وتأبى الانخراط في سباق تجميل الشفاه وهندسة الجسد الذي اصبح الشغل الشاغل للكثير من المراكز والعيادات المنتشرة على مساحات الفضاء الطبي الشاسع.
في حديث اسرة الطفل العراقي الذي استعاد فرصته في الحياة الطبيعية تحدث والده عن المعاناة التي عايشها طوال السنوات القليلة الماضية وهو يتتبع وصايا ووصفات وترشيحات من يصادفونه ليعرض الحالة على أحد عشر طبيبا في خمسة بلدان اسيوية وافريقية واوروبية.
مقابلته للدكتور حسين استشاري الامراض الجلدية في المدينة الطبية كانت التحول الاهم في مسار الحالة فبعد دراستها وبدء برنامج المعالجة شعر الطفل بالتحسن بسرعة اذهلت الاهل وادخلت الى قلوبهم الفرح والطمأنينة.
اليوم وبعد ثلاثة اسابيع من العلاج استعاد الطفل فروة الرأس التي هتكها المرض واصبحت اسرته قادرة على ممارسة نشاطاتها الاجتماعية التي توقفت منذ ان اصيب بهذا العارض الخطير.
قصة الطفل العراقي والطبيب الأردني ليست الوحيدة التي تؤشر على ما تقوم به مؤسساتنا حيال الانسان والمعاناة والالم فهي قصة الأردن ورسالته ومنهجه.. تحية للعميد حسين عضيبات ورفاقه في القوات المسلحة والخدمات الطبية التي كانت وما تزال وشما أردنيا جميلا على جسم امتنا الذي انهكته الحروب والامراض والويلات.
التعليقات مغلقة.