ليس للبيع أو المبادلة / د. هاشم غرايبه

ليس للبيع أو المبادلة / د. هاشم غرايبه



د. هاشم غرايبة ( الأردن ) الإثنين 15/4/2019 م …

من يعبر أجواء الأردن بالطائرة، لا يخطئ في تمييز أراضيها، فهي مميزة باللون الترابي الصحراوي ، سوى بقع صغيرة من الإخضرار في منطقتي عجلون والسلط، فيما خارج حدودها من الجهات الأربع يغلب عليها اللون الأخضر.
من يعبر الأردن برا من الشمال الى الجنوب، يقطع اربعماية وخمسين كيلومترا من الحدود السورية في “جابر” في الطريق الى “العقبة” في أقصى الجنوب حيث حدود السعودية، لا يصادف شجرة واحدة يستظل بها، فيما عدا بضعة عشر شتلة بائسات زرعت على مدخل مدينة “معان” عند استراحة الحجاج قبل عشرين عاما، وفي كل عام أمر بها أجدها نقصت حجما وعددا.
عندما وقعت الدولة الأردنية معاهدة وادي عربة المشؤومة عام 1994، أعلن النظام أن ذلك سيكون إيذانا بأن الأردن ستكون أرض السمن والعسل، ورفع شعار الأردن أخضر بحلول عام 2000 .
مر ربع قرن على ذلك الوعد، فماذا تحقق منه؟.
لقد تناقصت الرقعة الخضراء المزروعة بشكل مضطرد، فسهول مادبا التي كانت عبر التاريخ تزود فلسطين بالحبوب أصبحت مجدبة، و سهول حوران في الشمال التي كانت تسمى (أهراء روما) كونها تزود أوروبا بالقمح، أصبحت جرداء بعد أن تم إدخال الأراضي الزراعية الخصبة في التنظيم العمراني، فقسمت الى قطع صغيرة لتحويلها الى مناطق سكنية.
الأحراش الطبيعية الموجودة من آلاف السنين تنقص بدل أن تزيد، والشخص المار بجسر سيل الزرقاء يلاحظ أن الأشجار الحرجية المطلة على السيل يتضاءل حجمها سنة بعد سنة، وفي منطقة “برقش” وحدها وقبل بضع سنوات، تم قطع مئات الأشجار المعمرة تهيئة لبيع الأرض لما قيل أنها كلية عسكرية بريطانية.
منطقة “الأزرق” كانت واحات تعوم على بحر من الماء ومليئة باشجار النخيل، وكانت فيها برك طبيعية ضخمة عامرة بالثروة السمكية، وتعتبر محطة هامة للطيور المهاجرة، وفيها مناجم للملح ذي المواصفات العالية الجودة أصبحت أشجارها الآن ضعيفة متناثرة وهجر أهلها مزارعهم، ونضبت الثروة السمكية، وأما الملح، فقد أصبح بضاعة كاسدة، وبعد أن كان الأزرق مُصدّرا له، أصبح الأردن يستورده من السعودية.
منطقة الأغوار تعتبر سلة الأردن الزراعية، وينتج أفضل نوعيات الموز والحمضيات والخضار، وطوال العام بفضل مناخها الحار الرطب، الآن كسدت زراعات معظم تلك المنتوجات، بسبب تقنين الري جراء تحويل العدو لمجرى نهر الأردن الى شمال فلسطين المحتلة، بعد أن جفف بحيرة الحولة منذ الخمسينيات بدون اعتراض الدولة الأردنية المتضررة من ذلك ، بل زيادة على ذلك قبلت التخلي عن مشروع سد خالد على نهر اليرموك الذي كانت الأعمال الإنشائية جارية لإنجازه عام 67، ومن ضمن بنود اتفاقية وادي عربة تركت حصتها من مياهه التي تتقاسمها مع سوريا، لتصب في بحيرة طبريا المحتلة، وتصبح مياهها تحت رحمة الكيان اللقيط فيقرر ما يعيده لها منها ، وأصبح يحدد لمزارعي الأغوار ما يزرعونه.
في كل بلاد العالم تبني الدولة السدود وتنشئ القنوات وتحفر الآبار، وتقدم الماء للمزارعين لتشجيعهم على الزراعة وانتاج المحاصيل المختلفة، كما تدعم جميع الدول بعض المحاصيل الإستراتيجية بشراء المنتج من المزارع بأسعار تشجيعية، لأغراض حفظ التنافسية مع المنتجات الخارجية المنافسة.
في الأردن لا توجد مشاريع للبنى التحتية الزراعية، ولا تكتفي الدولة بعدم توفير تلك المنشآت، بل تمنع المزارعين من حفر الآبار في أراضيهم وعلى نفقتهم، ولا تسمع بين الفينة والأخرى الا عن مداهمات أمنية للقبض على عمال حفارة تحفر بئرا، وتنشر الأجهزة الأمنية المفتخرة بانجازاتها بهذه الغارات التي أسفرت عن اعتقال عمال بجريمة حفر بئر ماء لري مزروعاتهم.
بالطبع لكن لا أحد يجيبك على سؤالك: لماذا في كل الأقطار المجاورة تشجع الدولة حفر الآبار دعما للمشارع الزراعية، ولا تخشى على مخزونها المائي من النضوب، مع أن الخزانات الجوفية مشتركة فلا تحجزها الحدود السياسية؟
فإذا ما وجدنا أن استخراج الماء ليس وحده هوالمحظور على الأردن، بل البترول والمعادن جميعها أيضا، ألا يحق لنا أن نسأل: هل ما زال الأردن للأردنيين، أم هو برسم البيع او المبادلة!!؟.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.