نشيد الوحدة الموءود / د. نضال القطامين
لن تتغير الحال أبدا، ما دامت موجبات التخلّف قائمة، وفي طليعتها غياب العمل السياسي الذي يضع للناس قواعد النهوض بقرارات الأمة السياسية والإقتصادية.
تشتعل الشوارع وتمتلىء الميادين، فيعصف القلق بالتعليم والصحة وببنية أساسية يتكىء عليها مستقبل الشعوب في السياسة وفي ظروف حياة تحقق الحدود الدنيا من عيش الناس في دول العالم، ووسط هذه الفوضى، فلن يعود لكيانات الدول دور سوى امتصاص السخط، فيتدثّر الإنقلاب في بلاد العُرْب بالإنقلاب، ولا يسمع الغاضبون غير جعجعة لا تعني شيئا.
إعادة تدوير ساذجة، ورهان رابح على إلهاء وعي الجموع بمصائر الأنظمة بعيدا عن اهتمامات التنمية والإقتصاد.
من يرى الشعوب وقد نامت في الميادين وعلا منها الهتاف والتصفيق للبيان الأول، يشعر ولكأن يداً سحرية أبدلت الجوع بالشبع والخوف بالأمن، ويرى في المسرح المرتبك، صوت شاعر العرب وهو ينشد ” ألهت بني تغلب عن كل مكرمة … قصيدة قالها عمرو بن كلثوم”، ولن يكون بإمكان الرائي، وسط نشوة الركل وتبادل الإبتسامات البلهاء، أن يرى حجم الخيبات التي تتساقط، عند الإفاقة من سكرة النصر الوهم، على مشهدنا العربي الرث عقودا طويلة.
كل يوم، تزداد جراحاتنا النازفة، كل يوم نصحو لننام ثم نصحو، على قلق مفتعل، وملهاة محاكة، ولكأنه مكتوب على جبين هذه الأمة أن تنسى تاريخها المجيد، ولكأنه مربوط على عيون أبنائها ألّا يقرأوا تاريخ أبطالهم، وأن تُغيِّب الأصابع الخفية، مشاهد التضحية وميادين الخيل لتضيق الرؤية وتتمدد الفوضى.
لم يكن بإمكاننا التعاطي مع مؤامرة الفُرقة، لقد أحكمو وثاق العقول، فاستمرأنا وجود الدويلات القُطرية، واستسغناه بديلاً زائفاً لدولة الوحدة.
اليوم، تسقط الشعارات تباعاً على أرصفة الدماء، على فوّهات البنادق وأبراج الدبابات، يختفي نشيد الراية العربية شيئا فشيئا، انقلاباً فانقلابا، حتى إذا لم يبق منّا من يعرف للوحدة حروف، اقتتنا على ما تيسّر من نشيد وبقية علم، فتستقيم حينئذ للمغول أسوار العواصم وساحاتها.
على الناس أن تفيق الغداة قبل أن ترشقهم الضباع رشقتها القاتلة، عليهم أن يهبّوا في كل البلاد التي شَجَّت الرشقات الرأس منها وفقأت العيون، وبغزاة الفكر والعقل فليبدأوا، ثم ليكون لهم طريق جديد نحو استكمال مشروع الوحدة والحريّة، بنفض قَتَام التراجع وارتقاءٌ سلّم المجد، ولتنهض كل مكونات الشعوب، بمسؤولية البناء الجديد.
على الناس، كي يبرأوا وقد أوهنتهم جراح العوز والتراجع، أن يلتفتوا في الطريق للنهوض، لما فعلته المؤامرات وما تعزم على فعله الآن، علينا في مُبْتَكَر الذود عن تاريخ أمتنا العابق بالطهر والأمجاد، أن لا يغيب عنّا التواطؤ ولا تغيب الدسائس.
نكتب، وما لنا صوت سوى الكتابة، قهراً على المجد التليد وأسىً على نشيد الوحدة الموءود، واستنهاضاً للهمة، وما بقي عند الناس من ذاكرة تختزن نصرا وتاريخا كبيرا.
التعليقات مغلقة.