الانقسام الفِلسطيني المُتفاقِمْ .. فصائِل «اليَسار» نَموذَجاً / محمد خروب

محمد خروب ( الأردن ) الثلاثاء 16/4/2019 م …



لعل من أبرز «ضحايا» تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة, التي ترأّسها أحد قادة حركة فتح لأول مرة منذ أزيد من عشر سنوات وخصوصاً بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في العام 2006، هو «التجمّع الديمقراطي الفلسطيني» الذي ضم في تشكيلته (المُترنِّحة الآن) خمسة فصائل وأحزاب يسارية إضافة إلى شخصيات مستقلة, كانت لها ارتباطات بهذا الشكل أو ذاك بتلك الفصائل والأحزاب. وهي الجبهتان الشعبية والديمقراطية, والمبادرة الوطنية وحزب الشعب والاتحاد الديمقراطي (فدا).

وإذ لم تمضِ سوى أقل من أربعة أشهر على ولادة هذا التجمع رسميّاً (3/ 1/ 2019), الذي بدا للحظة وكأنه «إفاقَة» مُتأخّرة ليسار فِلسطينيّ فقد الكثير من هالته وتراجُعِ دوره حدود التبعية, للحركة المُهيمِنة على المشهد الفلسطيني وهي فتح، وبخاصة تفاؤُل البعض بأن هذه اليقظة وإن جاءت متأخِّرة, إلاّ أنها قد تؤسّس لـ «تيارٍ ثالث», يكسِر «ثُنائية» فتح ـــ حماس, تلك الثنائية التي «كبّلَت» المشروع الوطني الفلسطيني وعرّضَته لمخاطر جسيمة, بعد أن إرتهنَتاهُ لمصالحهما الحزبية والفصائلية وطموح قياداتهما الشخصِيّة, وخصوصاً أن التفاؤل بقيام هذا التجمّع, هو الشعور بأنّ من يقِفون خلفه انما يريدون استدراك أنفسهم واسترداد بعض إرثهم النضالي, الذي كاد يُطمس ويضيع هباءً. وأن بمقدورهم التوافق على قواسم مشتركة بعيداً عن الاصطفافات الأيديولوجية أو التمتّرس عند الاختلافات النظرية والمرجعيات الإشكالية, التي ميّزت صراعات اليسار وعداواته العبثية, التي أفسحت المجال لهيمنة «اليمين» الفلسطيني, بتشكيلاته وتسمياته ومُعسكراتِه المُختلفة.

شيء من هذا التفاؤل يبدو أنه في طريقه إلى التبدّد, بعد أن اشتعلت الخلافات وصدرت البيانات والبيانات المُضادة التي تغمِز من هذا الفصيل أو ذاك، وتُهدّد بـ «فرط» عِقد هذا التجمع, بعد أن استعاد «الرفاق» لغة التشكيك والإستعلاء والرطانة العربية (إقرأ الرسمية) عن «التدخّل في الشؤون الداخلية لهذا الفصيل أو ذاك», وعن رفض احتكار الوطنية وغيرها من المُصطلحات الممّجوجة والمحمولة على نَفَسٍ تبريري وملَفّق, وبخاصة أن الحديث يدور عن أول «تحدٍ» (أو اختبار) جاد وحقيقي «للتجمّع»…صيغة ومُمارسة، يأخذ في الاعتبار مدى وعمق التوافق بين مكوناته, بعد الإعلان رسمياً عن برنامجه الذي بدا طموحاً وعملياً, وبخاصة أنه حدّد لنفسه أهدافاً سامِية ونبيلة, تتمثل ضمن أمور أخرى إسقاط صفقة القرن ومُجابهة التطبيع ومواجهة التحديات الراهِنة, وفي مقدمتها العمل على إنجاز توافُق وطني بين كافة القوى الفلسطينية, لتهيئة المناخات اللازمة لإنهاء حال الإنقسام الفلسطيني, في الوقت ذاته الذي أعلن مؤسّسوه في وضوح «عدم المُشارَكة في الحكومة الفصائلية المُقترَحة, والإصرار على مواجهة تحديات المرحلة الوطنية والديمقراطية الراهنة, عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية».

شيء من هذا لم يتحقّق إذ التحق بحكومة اشتية.. حزب الشعب وفدا, ونال كل منهما حقيبة وزارية ثانوية (زراعة وعمل) على التوالي. ما دفع بباقي أعضاء التجمّع إلى إصدار بيان يُطالِبهما العودة عن قرارهما المشارَكة بالحكومة «الفصائلية»، لكنهما-وقد تعرّضا لاحتجاجات داخلية واستقالات جماعية وأخرى فردية – بادرا إلى اصدار بيانات «نارِية» أعادَت للذاكرة حروب «قبائِل اليسار وعشائِره».

مُؤسف أن تنهار بهذه السرعة, تجربة بدَت واعِدة, لكنها أمراض السياسة المحمولَة على مصالِح شخصِية وحزبِية ضَيِّقة.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.