روايات التهجير الفلسطيني العام 1948: دير ياسين في الذاكرة / فيحاء عبد الهادي

نتيجة بحث الصور عن دير ياسين

فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) الأربعاء 17/4/2019 م … 

نتيجة بحث الصور عن فيحاء عبد الهادي فيحاء عبد الهادي




وصف الرواة الفلسطينيون الذين هُجِّروا العام 1948 تفاصيل تطهيرهم عرقياً، حين رُحِّلوا من بيوتهم وبلادهم، عبر التخويف والترويع، وارتكاب المجازر، وعلى رأسها مجزرة دير ياسين، كما تحدثوا عن مقاومتهم للمؤامرة المبيَّتة ضدّهم، دفاعاً عن أرضهم.
وحين نقرأ بتمعّن شهادات الرواة، ولا نكتفي بمعرفة الحدث؛ بل ندقِّق فيما حدث، ونقف وقفة نقدية أمام الماضي، ونغربل ما نسمع؛ يمكننا استنباط عوامل الصمود والمقاومة، تلك العوامل، التي تمكننا من تأمل الماضي بتبصّر، وتحمّل الحاضر، وصناعة المستقبل.
روت “زينب عقل” عن مجزرة دير ياسين، التي ارتكبت يوم 9 نيسان 1948، بعد أسبوعين من توقيع معاهدة سلام، بين أهالي القرية والمستوطنات اليهودية المجاورة، تمت بناء على طلب رؤساء المستوطنات.
تحدثت عن تفاصيل المذبحة، كما تحدثت عن بسالة أهل القرية الذين ردّوا محاولة الدخول إلى القرية أربع مرّات، قبل أن تتمكن القوات الصهيونية من دخولها، متسللة تحت جنح الظلام.
ومن الملاحظ أنها تحدثت بلغة الجمع حين وصفت مقاومة أهل القرية؛ ما يعني اعتبارها أن النساء والرجال كانوا شركاء في المقاومة: “هجموا اليهود أول مرّة وردّيناهم، وثاني مرة ردّيناهم، والثالثة. المرَّة الرابعة سوّينا جسر، طيّحنا مترين بالأرض، طريق بيننا وبينهم. شو سوّوا؟ اجوا خامس مرة خلّونا نايمين بالليل، والساعة اثنين، بقوا على راس الجبل، طلعوا يحبوا بأيديهم ورجليهم. ما شافوا إلاّ اليهود بخشّوا علينا، ويطوّقوا البلد، ما يخلّوا ولا باب مفتوح. بعدين بدوا فينا ذبح عن جنب وطرف. خشّوا على دار “مصطفى علي”، ذبحوا بنته وأسلافها وعائلاتهم وحماها وحماتها وهو ومرته. حوالي 20 نفر اندبحوا. قال زوجي: ما فيش باب نقدر نشرد منه على شقه عين كارم. قلت: إفتح الشباك من غربا، إطلع أنت واولادي وبناتي هالصغار، وروحوا على عين كارم، هيني وراكم. زلمتنا طلع من الشباك، واليهود خشّوا من الباب.
كان قال زلمتي: إن صار طخّ وذبح ما تطلعي من الدار، خليك متخبّيه إنت واولادك، وهالحين باجي عليكم. وخذي هاي 250 ليرة فلسطيني. حطيتهم في عبّي زي الحجاب. اليهود بنصّ الشارع، قالوا: افتخ باب، قلنا: مش فاتحين. ضربونا قنبلة من الشباك، اطلعت بايدي ورجلي مصاوبة، وإيدي لزقت في صدري، وبنتي طلعت مصاوبة، والاولاد الصغار. فتحوا الباب، زقطوا اخوي “موسى” وضربوه كفوف، قلت: خذ يا خواجة هاي 250 ليرة منشان الله، هذا طالب مدرسة، حرام عليك تقتله. أخذ المصاري، وبطحه، وحطّ خمس رصاصات في رأسه، وقتله. فتحت البير بدي أدِبّ حالي في البير، ما خلّنيش. قال لي: تعال يا بنت الكلب.
والله من كثر ما بعيِّط صار عندي وجع براسي، اليوم قلبي انطفا، ما ظل عندي حشيشة قلب. مرة سيدي نظيرة، مع إنها مدنيّة ومغطّية على وجهها، وتناول ابوي الفشكات، وأبوي قتل القائد. اليهود قالوا: المدينية قتلت القائد، وعيّنوا عليها، ضربوا مدفع هاون، مرة ابوي زاحت رأسها، واجت بأخوي “محمود” بشقة راسه.
يوم أخذونا اسرى، وقتلوا اخوي قدّام عيني، عيني مش شايفة فيهن، ورجليّ مرجرجين وإيدي مدَبّقة في صدري، كنا بنطلع حوالي عشرين ثلاثين حرمة أسرى، واخواتي وعماتي خوات ابوي معانا بالجملة، يوم شفت “جميلة” أختي تقول: مالك؟ قلت: “موسى” انقتل، قالت: خيته مليح اللي قتلوه قتل، لو شفت هالشباب شو سوّوا فيهم! عجّبوا.
40 قرية احتلتها اليهود، من اثر مذبحة دير ياسين. الناس يخافوا ويهربوا من السمعة.
يوم الخميس اليهود احتلوا القسطل، وأجا “عبد القادر” ردّ القسطل، وحطّ علامة النصر. جينا بعدها صرنا نرقص ونغني، والله رحمة “أحمد يوسف” قال: أرقصن، قدّ ما غنيتم رايحين تعيّطوا دموعكم دم، وزيّ ما قال صار، المرأة تحمل مخدة بدل الولد من الخوف.
دبّونا في المصرارة وقت المغرب، وإحنا تذبحينا ما تطيح منا نقطة دم، يلاقونا ناس يحطوا الحطّة والعباية علينا، يعيّطوا علينا دموع ودم. أخدونا وحطّونا بالعمرية، حطّونا، يشوفوا مين المصاوب، هالمصاوب أخذوه على المستشفى، واللي مش مصاوب خلّوه قاعد. وهم يطيّحوني من الدرج، بَحسِب بدهم يعاودوني، قلت: طنيب ما تسلموني لليهود، واعيّط! كل اللي هناك يعيّطوا على عياطي. بقيت لسّه صبية، بنت تسعة وعشرين سنة، وأنا تجوّزت بنت 13 سنة إلاّ ثلاث اشهر. بعد ثلاث أيام، والاّ زلمتنا جاي.
بعدين والاّ بقولوا: اليهود هجمت على باب الجديد، اللي فيه مروّة يهرب. هربنا على ابو ديس، يوم وصلنا عند ستنا مريم، الطخّ زي رش المطر، كان فيه طريق عالية لازم نطلعها من عند ستنا مريم، بالطريق: لا أنا قادرة امشي ولا أتسخّم، وكيف بدي أساوي؟! والاّ بقولوا: اجت اليهود ورانا. واطلع حَبي حَبي ت وصلنا السور في أبو ديس.
قعدنا في أبو ديس 4 سنين، خلالهم 36 دار اللي رحلنا فيهم، كان حملنا خفيف، والوكالة أعطتنا حرام، الميِّه كانت شحيح في ابو ديس، يجيبوا ترَكّين ميِّه من أسبوع لاسبوع، ويقسموا على كل دار تنكتين ميِّه، يعطونا هالتنكتين ويحطّ الله البركة فيهن، يا قدرة قادر نتحمَّم ونتغسّل فيهن. زلمتي كان يشتغل في كازية دنديس، خلايله، قلت لهم: يحوّشوا معاش جوزي، ويشتروا لي في قطعة ارض، ويحطوا لي فيها ولو خيمة أو شادر. بقعد أو مغارة، حوّشنا لزلمتي 40 ليرة.
والـ 40 ليرة بقين يسوّوا في هذاك الوقت، بقت تشتري ابو ديس واللي فيها. اجوا اشتروا لنا بيت في الأرض هانا. بنينا غرفتين، وسكنّا فيهن. كان في ابو ديس مسلخ، كل الضباع تيجي هناك على ريحة الدم، يرموا هناك الكرش والمعلاق، وحتى اللي معاه برودة ما يسترجي يمرق. ربّي رمى القوة في قلبي قلت له: الضباع ولا الوحوش، إلي الله. أجا بنى لي فيها غرفتين، حطنا فيها وراح، زلمتي هو وواحد من ابو ديس يقولوا له “أبو مصطفى”. وانا قاعدة مع الاطفال الصغار زي الصيصان، ما الي إلاّ الله. وهذاك يوم وهذا يوم”.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.