اعتقال جوليان اسانج، يوم اسود للصحافة وحرية التعبير!! / توما حميد
توما حميد ( العراق ) الأربعاء 17/4/2019 م …
توما حميد
قامت الشرطة البريطانية، يوم 11/4/ 2019، بالقاء القبض على جليان اسانج، مؤسس ويكيليكس، في سفارة اكوادور في لندن، التي كان يعيش فيها منذ سبعة أعوام، لتجنب الترحيل الى الولايات المتحدة. لقد تم اعتقال جوليان اسانج بعد سبع سنوات من الاعتقال التعسفي، بدعوة من السفير الاكوادوري.
وبهذا العمل، لقد قام مجرمو الحرب، في عملية غير قانونية، وتخلو من أدني حد من الحياء، بالقاء القبض ومحاكمة الشخص، الذي فضح جرائمهم وتجاوزاتهم على الحقوق المدنية للجماهير. تكشف هذه القضية، التي تعتبر انتهاك صارخ لمواثيق حقوق الانسان وقوانين الأمم المتحدة حول اللجوء واللاجئين وحرية التعبير وحرية الصحافة، أي مستوى وصل اليه الوضع الدولي تحت سطوة الإمبراطورية الامريكية من استهزاء بابسط المعايير والقوانين الدولية. انها ضربة جدية للادعاءات الغربية بصدد حقوق الانسان وحرية التعبير. لقد تمت هذه العملية، بتواطئ مخجل من الاعلام الرسمي، الذي قام بمحاولة جدية لاغتيال شخصية جوليان اسانج، والحكم عليه حتى قبل ان يتم محاكمته قانونيا، وهي المحاكمة التي تهدف الى تغييبه في الزنازين الامريكية مثل معتقل عوانتانمو سيئ الصيت.
لقد كان يوم 11 نيسان، يوم اسود لحرية التعبير والصحافة والصحفيين، ليس لاعتقال صحفي كشف الحقيقية فحسب، بل لان هذا العمل، تم في ظل حملة تشهير، يقوم بها الاعلام ضد صحفي لايخدم الخط الرسمي، أي الخط الذي يمثل لسان حال مصالح الشركات الاحتكارية.
ماذا قام به اسانج؟
لقد قام جوليان اسانج، من خلال التسريبات، التي نشرها، بتقديم خدمة كبيرة للمجتمع على المستوى العالمي.
يجب ان نوضح، بان كل ماقام به اسانج، هو نشر معلومات مهمة عن جرائم حرب وفساد وخروقات ضد حقوق الانسان والحقوق المدنية. تمكن ويكيليس، من كشف جرائم أمريكا، اكثر من أي مؤسسة اعلامية أخرى. وبذلك، شارك اسانج ، في الجهود الساعية الى محاسبة السلطات على الجرائم، والاكاذيب، والسرقة والفساد والقمع التي تمارسه.
لم يقم جوليان اسانج بسرقة معلومات من اجل المال، ولم يخدع احد ، ولم يكذب على احد. ولم يحتاج موقع ويكيليكس في يوم من الأيام، الى سحب أي شيء قام بنشره، لانه ببساطة لم يقم بنشر أي اخبار كاذبة مثل الاعلام الرسمي.
ان اهم ما قام به جوليان اسانج، كان المساعدة في كشف حقيقة حكام امريكا وحروب أمريكا وجرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الأمريكي خاصة في العراق. واهمها كان نشر مقطع الفيدو المشهور الذي يظهر مروحية أمريكية تقوم بقتل مدنيين بما فيهم أطفال واثنين من صحفيي رويترز في العاصمة العراقية، بغداد، وسط قهقهة افراد الطاقم. وكشفت الوثائق التي سربها ويكيليكس، عن قتل الجيش الأمريكي الاف المدنيين، دون الإبلاغ عن ذلك، اثناء حرب افغانسان والعراق.
وكشف عن اخضاع المواطنين في أمريكا وحول العالم الى حملة مراقبة شاملة. وكشف عن عمليات تجسس واسعة من قبل أمريكا ضد الأمم المتحدة و البلدان الأخرى بما فيهم دول تعتبر صديقة لامريكا، وكذلك عن التدخل في انتخابات البلدان الأخرى، بما فيهم فرنسا مثلا. وكشف عن أدوات الاختراق والقرصنة التي تستخدمها سي أي أي ووكالة الامن االقومي ضد الجهات الأخرى.
كما قام بنشر 70 الف ايميل من ايميلات جون باديستا، مدير حملة هيلاري كلينتون. كشفت هذه الايميلات، بان السعودية وقطر قامتا بالتبرع بملايين الدولارات لمؤسسة كلنتون. وكشفت بان بانك غولدمن ساكس دفع مبلغ 657000 دولار لهلاري كلنتون، مقابل خطب والقاء كلمات، والتي اعتبرت رشوة مبطنة. وكشفت بان هيلاري كلنتون كانت تكذب على المواطنيين، حيث كانت تصرح للنخبة المالية في الخفاء بتصريحات تتناقض تماما مع تصريحاتها العلنية اثناء الحملة الانتخابية، فمن بين ماقالته للنخبة المالية، انها تامن “بتجارة مفتوحة وحدود مفتوحة” وبان وول ستريت كان افضل من يمكنه إدارة الاقتصاد .
كما كشف بان حملة كلنتون حاولت التاثير على الانتخابات الأولية للحزب الجمهوري من اجل ضمان ترشح دونالد ترامب. وبانها قامت بسرقة الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي من بيرني ساندرز. وبينت بان هلاري كلنتون كانت مهندس حرب ليبيا، اعتقادا منها بان الحرب سوف تعزز من فرصها كمرشحة للحزب الديمقراطي. كما فضح ويكيليكس، التأمر الداخلي ضد رئيس حزب العمال البريطاني، جيرمي كوربن، من قبل أعضاء هذا الحزب في البرلمان. وكشف ان خطة الغرب، لزعزعة استقرار سوريا واشعال الحرب في هذا البلد منذ 2006.
موقف الاعلام
كانت قضية جوليان اسانج من المسائل التي بينت بشكل واضح، بان الاعلام الرسمي هو أداة لخدمة الطبقة الحاكمة وامتداد لدولتها وحكمها وايدولوجيتها.
اذ لم تبقى وظيفة الاعلام كشف الحقيقية وتحدي السلطة واحراجها وتشجيع الجدال والنقد والآراء المتباينة، بل تحول الاعلام بشكل كامل الى ماكينة دعائية للطبقة الحاكمة وحكومتها. لقد كشفت هذه القضية بان حرية التعبير هي شكلية الى ابعد الحدود، حيث يمكنك تحدي الطبقة الحاكمة على مسائل ثانوية، ولكن ما ان تاتي المسالة الى تحدي السلطة على الحرب ومصالح المجمع الصناعي العسكري، فمن المرجح ان يكون مصيرك الاختفاء في اقبية معتقل غوانتانامو.
اصطف الاعلام الرسمي منذ اليوم الأول، مع المؤسسة الحاكمة، بالضد من جوليان اسانج، لان هذا الاعلام ممول من قبل المؤسسة الحاكمة، ويعمل لصالحها، من جهة، كما ان ويكيليكس يحاسب الاعلام الرسمي أيضا ويفضح نموذج عمله امام الرأي العام. لذلك لقد شارك الاعلام الرسمي في حملة دعائية منظمة لضرب مصداقية اسانج وويكيليكس.
وشملت هذه الحملة اتهامه بكونه يعمل لصالح المخابرات الروسية، دون تقديم أي دليل، او انه ليس بصحفي بل هاكر او قرصان كومبيوتر يسعى للشهرة. في وقت ان جوليان اسانج قام بكتابة عدة كتب والكثير من المقالات وله قدرة هائلة على فهم الوثائق المسربة وشرحها للاخرين. كما اتهم بانه قام بنشر معلومات تؤدي بحياة ناس يخدمون في الخارج. ورغم ان المقصود من هؤلاء هو عملاء سي أي أي والجنود الا انه لايوجد أي دليل بان أحدا توفى نتيجة تسريبات وكيليلكس.
يجدر الإشارة، بان الحملة المنظمة لتشويه سمعة اسانج وويكيليكس، التي يشارك فيها الاعلام الرسمي، قد شرحت بشكل مفصل في وثيقة للبنتاغون، تم تسريبها، والتي اعدت من قبل فرع تقييم مكافحة التجسس السبراني والمؤرخة 8/3/ 2008. لقد دعت الوثيقة الحكومة الامريكية الى القضاء على ” الشعور بالثقة” تجاة وكيليكس وتدمير سمعة اسانج.
وكما كان متوقعا، لقد قام الاعلام الرسمي بالهلهلة لاعتقال اسانج.
ليس لدي ادنى شك بان هذه القضية سوف تؤدي الى المزيد من عدم الثقة بالاعلام الرسمي. ان مشكلة الاعلام الغربي هو انه يدافع عن المؤسسة الرسمية التي تفقد شرعيتها بشكل مستمر وعن امبراطورية في مرحلة تقهقر وفقدان لمكانتها.
الحجج المقدمة!
ليس بإمكان أمريكا، محاكمة جوليان اسانج على نشر الوثائق المسربة، اذا ان هذا العمل لايعتبر جريمة حسب القانون الأمريكي. كما ان محاكمة اسانج على نشرهذه الوثائق، يعني محاكمة واشنطن بوست ونيويورك تايمز والغارديان وغيرها من وسائل الاعلام التي قامت بنشر نفس الوثائق التي نشرها ويكيليكس. لذا يحاكم على أساس التآمر مع جلسي مانينغ ( المعروفة سابقا باسم برادلي مانينغ، التي سربت الوثائق الى ويكيليكس، والتي عفى عنها، باراك أوباما، بعد قضاء سبع سنوات في السجن) ومساعدتها على سرقة معلومات عسكرية .
اذ قالت ادراة ترامب بانها تسعى لمحاكمة اسانج بتهمة التامر مع جلسي مانينغ ومساعدتها في 2010 لسرقة السجلات المتعلقة بحرب افغاسان والعراق التي حصل عليها ويكيليكس.
من جهتها تقول الحكومة البريطانية، انها تعتقل اسانج بسبب مخالفة شروط الكفالة. بينما، تقول الحكومة الاكوادورية، التي قامت بأجراء غير مسبوق وغير قانوني وهو سحب اللجوء السياسي من اسانج الذي منح له في 2012، انها ساعدت على اعتقال جوليان اسانج، لعدم مراعاته لشروط الإقامة في سفارة الاكوادور في لندن.
تدعي حكومة لينين مورينو، المتورط في فضيحة فساد، قد تؤدي الى اقصائه من الحكم، بان صبر حكومته نفذ بسبب عدم التزام جوليان اسانج بشروط الإقامة في السفارة الاكوادورية، بما فيها التدخل في شؤون الدول الأخرى وزعزعة استقرارها. واتهم لينين مورينو، جوليان اسانج، بانتهاك خصوصيته الشخصية وباختراق هاتفه الشخصي وتسريب اسرار وصور شخصية به وبعائلته. ووصلت الأمور الى الحد الشكوى من عدم الاهتمام بالنظافة في السفارة و امتلاكه قطة الخ.
في البداية، يتبين انه لم يكن هناك أي لائحة مكتوبة بشروط وقواعد توجب على اسانج الالتزام بها. كما ان الشروط التي تحدثوا عنها، فرضت بعد سنوات من منحه حق اللجوء. وعندما طالب محامو اسانج لائحة مكتوبة بالشروط التي يجب ان يلتزم اسانج بها، امتنعت السفارة عن تقديم هكذا لائحة. لانه ببساطة البرتوكول الذي تحدثت عنه الحكومة الاكوادورية للاعلام كان يعني مصادرة كل حقوق اسانج كلاجئ وكانسان.
ان حق اللجوء لايكون مشروط باي شروط بما فيه الكف عن ممارسة النشاط السياسي وحرية التعبير، او عدم قبول الزوار و الزيارات. من السخافة القول،لانك أصبحت لاجئا، يجب ان تفقد كل حقوقك ويجب ان تسكت عن الجريمة والمجرميين.
من جهة أخرى، لم يكن لجليان اسانج أي اتصال بالعالم الخارجي، منذ 28 اذار 2018، اذ تم مصادرة هاتفه وحرمانه من خدمة الانترنيت. ولم يسمح له الا بزيارات محدودة من طبيبه ومحاميه.
من جهة أخرى، لقد كشف ويكيليكس مؤخرا عن خطة مكثفة للتجسس على جليان اسانج داخل السفارة، من ضمنها نصب كاميرات داخل مكان اقامته قادرة على القيام باتسجيل الصوتي، إضافة الى التصوير. ولذلك تم تصوير وتسجيل كل أحاديثه بما فيها ما دار بينه وبين محاميه وطبيبه. لقد كان هذا ليس خرق ضد حقوق جوليان اسانج فحسب، بل ضد طبيبه ومحاميه ايضا. وكان اسانج يخضع للفحص بالأشعة لمجرد الانتقال من غرفة الى غرفة أخرى. ونتيجة هذه الخروقات، كان من المفترض ان يقوم ممثل الأمم المتحدة بزيارة اسانج خلال هذا الشهر للتاكد من صحة هذه الادعاءات.
بالإضافة الى هذا، أي خلاف بين جوليان اسانج وطاقم السفارة او الحكومة الاكوادرية لايعطي الحق للرئيس الاكوادوري الحالي، لينين مورينو لسحب حق اللجوء من اسانج. كما يقول السفير الاكوادوري السابق لدى سفارة لندن ان حق اللجوء هو ليس عقد بين جهتين بل هو قضية عالمية.
يجب ان نتذكر ان مادفع اسانج على دخول سفارة اكوادور و طلب حق اللجوء كانت مطالبة السويد بترحيله بسبب قضية اعتداء جنسي تم إسقاطها.
كل هذه الادعاءات، هي حجج سخيفة، لالقاء القبض عليه وتسليمه الى أمريكا. فاذا كان عدم تنظيف براز قطته الخ هو سبب سحب اللجوء منه ، لماذا برزت هذه المشكلة بعد وصول الرئيس لينين مورينو الى الحكم. فالسفير الاكوادوري السابق يعتبر اسانج صديق قريب له، وهو من اشد المدافعين عنه. كما انه، تبين حاليا بان الاكوادور ساومت على تسليمه من اجل الحصول على قروض من بنك النقد الدولي وشطب ديون عليها. كما ان بريطانيا التي تدعو بانها تحاكمه بسبب عدم الالتزام بشروط الكفالة، لم تضمن يوم من الأيام بانها لن تسلمه الى امريكا. لقد ضمنت شيء واحد وهو انه لن يتم إعدامه عند تسليمه الى أمريكا.
أسباب ومعاني محاكمة جوليان اسانج
يتم محاسبة جوليان اسانج، لاستخدامه الصحافة ، من اجل قول الحقيقية وفضح جرائم حرب واكاذيب وفضح القتل والتدمير التي تقوم به الماكنة الحربية الامريكية. لقد كشف للرأي العام، كيف تعمل امبراطورية في مرحلة تعفن من الداخل. يتم محاسبته لان العمل الذي يقوم به يقوض جهودهم في بناء قضية لشن المزيد من الحروب. .
لايقوم جوليان اسانج وويكيليكس بالتحليل السياسي، او التنظيم او بعمل يؤدي بشكل مباشر الى تغير الواقع. بل يكتفي بكشف الحقيقة التي هي خطوة أولية لتوعية الجماهير وتمكينها من الوصول الى قرار واعي حول القضايا المختلفة.
يقول الذين يحاكمون جوليان اسانج، وبشكل علني ان كشف الحقيقة هي جريمة يحاكم عليها. يقولون لايمكن تحدي السلطة الا على مسائل سطحية. تقوم أمريكا، من خلال محاكمة اسانج، على تسجيل سابقة تكون بداية لمحاسبة المخالفين وكل من يجرؤ على كشف الحقيقة التي تضر بمصالح جهات ذات نفوذ، مثل المجمع الصناعي العسكري. اذ ستجعل من اسانج، مثالا للأخرين.
لايحاكم جوليان اسانج على الاحراج الذي سببه للطبقة الحاكمة فحسب، بل لانه يشكل خطر جدي على مصالح هذه الطبقة وخاصة في أمريكا لانه يقوض قدرتها على التلاعب بالرأي العام ووعي الجماهير. ولانه أصبح شوكة في عيون الذين يريدون إخفاء الفساد، التامر، والتلاعب بالرأي العام الخ.
في نفس الوقت، يجب ان يكون واضحا، بان الحملة المسعورة ضد اسانج، هي دليل اخر، على الصعوبات التي تواجه أمريكا في سعيها للمحافظة على مكانتها كقطب وحيد في العالم، وهي دليل على تداعي مكانتها عالميا.
نتيجة لهذا الواقع، تحتاج أمريكا الى فرض نفسها بالقوة العسكرية ومن خلال الحروب والمجازر والقتل والتدخل في شؤن الدول الأخرى بشكل علني وسري. وكل هذا يتطلب قدر كبير من السرية و ان تكون قادرة على التحكم باي معلومات تكشف واي معلومات تبقى سرية. كما انها باشد الحاجة بان لايكون بمقدور الاعلام محاسبة الحكومة الامريكية على الحروب والكذب والسرقة والفساد والقمع الذي تمارسه. وهي بحاجة الى وجود مواطنين لايعرفون الحقيقة ولايمكنهم اتخاذ القرارات بشكل واعي.
ولهذا السبب، نجد بانه في الوقت الذي لا يتم محاكمة أي شخص على جرائم الحرب التي اقترفها الجيش الأمريكي، يتم محاكمة صحفي قام بكشف هذه الجرائم، في عملية قذرة تقوم بها ثلاث حكومات يمينية على درجة كبيرة من الوقاحة وهي حكومات أمريكا وبريطانيا والاكوادور.
التعليقات مغلقة.