اتفاق الهدنة ، نفق يهز القضية / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الثلاثاء 18/8/2015 م …
وتغيرت تكنولوجيا حفر الأنفاق .. من حيث الشكل والهدف والأسلوب ومكان حفرها فقد كان يتم حفرها تحت سطح الأرض وبتكنولوجيا بسيطة وجهود ذاتية ، ورغم بساطة تلك التكنولوجيا وبساطة المعدات المستخدمة فيها إلا أن الأنفاق قد ارتبطت وعبر سنين بمحاولة فك الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة ، وكانت الأنفاق تمثل رئة ووسيلة للتنفس الاصطناعي وبما يوفر لغزة وأهلها بعضاً من اوكسير الحياة وتوفر للمقاومة الكثير الكثير من لوازم الصمود ..
ومع تقدم التكنولوجيا ، بتنا نسمع كل يوم عن نفق هنا أونفق هناك إلى أن وصل الأمر إلى أنفاق يجري حفرها في عمق قضية فلسطين من خلال المشاركة بين أصحاب تكنولوجيا الحفر البسيطة واصحاب تكنولوجيا الهدم المتطورة ، فقد اشترك الباني والهادم في حفر نفق كبير بانتظار الاعلان عنه ، وكل ذلك يجري تحت الطاولة وبعيداً عن الإعلام .. فالشريكان قررا الابتعاد عن وسائل الإعلام بشكل تام أو ربما كان البعد عن الإعلام شرطاً وضعه سمسار حرب واحتلال العراق وممثل الرباعية الدولية طوني بلير بالاتفاق مع ممولي تلك الشراكة في تركيا وقطر ، فقبل ذلك كان من يحفر نفقاً يحفره من أجل إيصال الغذاء أو السلاح واثقاً مما يفعل متباهياً بما يصنع ، أما وقد أصبح لصانع النفق شريك فيتوجب عليه الإنصياع لطلبات شركائه خاصة وأن ما يتم حفره من أنفاق يمثل خطراً كبيراً على شعب وعلى قضية .. خطراً يجعل القضية قضيتين والسلطة سلطتين .. فأنفاقهم الجديدة ما هو إلا محاولة لوأد قضية عمرها مائة عام ودفنها في ظلمات التاريخ …
وبالرغم من سور السرية العالي ، وبالرغم من المنطقة العازلة التي حاولت كل من قطر وتركيا ايجادها لضمان عدم تسرب أي معلومة عما يجري ، إلا أننا بتنا نسمع في كل يوم شيئاً عما وصل إليه الحفر ، فتلك النوعية من الأنفاق لا يمكن إخفاءها ، خاصة وأن الرباعية الدولية طرف اساسي فيها ، وها هي كثير من المواقع ووكالات الأنباء تنشر أخباراً عما آلت إليه عملية الحفر والمفاوضات التي تجري بشكل سري بين حماس والصهاينة ، وهاهي تكشف لنا عن إتفاق وشيك للتهدئة بين الصهاينة وحماس بوساطة تركية قطرية .
وبعد أن تسربت الأنباء عن الأنفاق التي تحفرها حماس والصهاينة في قضية فلسطين ، خرجت علينا أنباء أخرى حاملة معها خبراً مفاده بأن مجلس شورى حركة حماس قد عقد جلسة موسعة قبل ثلاثة أيام في غزة ، لبحث ما طرحه طوني بلير منسق الرباعية الدولية في زيارته الأخيرة لقطر والتي التقى خلالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ونائبه موسى أبو مرزوق والمتعلقة بأهم البنود التي تضمنها مشروع الاتفاق على حفر الأنفاق وهي : –
• الاتفاق على هدنة مدتها ( 8 ) سنوات متواصلة تتوقف فيها كافة الاعمال العسكرية بين الجانبين – فيما ذكرت بعض المصادر أن الهدنة قد تصل إلى ( 15 ) سنة.
• أن تقوم حماس بضبط كافة التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة بما فيها حركة الجهاد الاسلامي .
• أن تقوم حماس بوقف أعمال الحفر بين قطاع غزة والكيان الصهيوني .
• إنشاء ميناء في قطاع غزة أو ” ممر مائي ” يشرف عليه الكيان الصهيوني أمنيًا بحيث يربط القطاع بقبرص.
• رفع الحصار المفروض على القطاع وفتح المعبرين الحدوديين وهما معبر كرم أبو سالم جنوبا وبيت حانون شمالا.
• إلغاء دور الرئاسة الفلسطينية في رام الله على قطاع غزة وتحويل الأموال التي تجنى من قطاع غزة إلى حركة حماس وليس إلى رام الله كما هو الوضع حاليا.
• عدم معارضة الكيان الصهيوني قيام حماس بجباية الضرائب من المؤسسات التجارية في القطاع مثل بنك فلسطين وشركة جوال للاتصالات .
• والسماح لآلاف العمال من غزة بالدخول للكيان الصهيوني .
وتشير الأنباء أيضاً ، على أن غالبية أعضاء مجلس شورى حماس قد وافق على هذه البنود ، حيث رأت تلك الغالبية منهم على أن ذلك يعتبر فرصة جيدة للخروج من الواقع الحالي جراء الخلافات مع حكومة الوفاق الوطني ومع السلطة في رام الله ، ومن الغريب في الأمر ووفقاً لما تم تسريبه من أنباء بأن القياديين الأكثر تشدداً في الحركة قد أكدوا على ضرورة المضي في هذا الاتفاق وعدم الالتفات لأي وساطات أخرى ، خاصة وأن ما يطرحه طوني بلير بالتوافق مع الكيان الصهيوني يعد أمراً جيدا للحركة في هذا الوقت ، مؤكدين على أن أي اتفاق يمنح القطاع ممراً مائياً يعتبر بحد ذاته انجازاً كبيراً ، فيما اعتبرت الأقلية أن مثل هذه الخطوة قد تضر بالعلاقات التي بدأت بالتحسن مؤخراً مع مصر وذلك بعد أن تدهورت لفترة طويلة آخذين بعين الاعتبار أن هذا الاتفاق قد تم دون التشاور مع مصر .
ومع الأخذ بعين الاعتبار أن السلطة في رام الله على علم بكل ذلك ، ولا حول لها ولا قوة في ايقافه ، فإن الاتفاق بين الصهاينة وحماس يعني بالضرورة توجيه ضربة قاسية للقضية الفلسطينية من خلال :
1. أن حماس غير معنية إطلاقاً بالمصالحة الفلسطينية .
2. إن حماس هي من تقرر مستقبل سكان قطاع غزة وليس للسلطة في رام الله أي علاقة بهذا الشأن .
3. رفض حماس لما يسمى حكومة التوافق الوطني وأن كل التوافقات على ذلك كانت مجرد حبراً على ورق.
4. إن الشعب الفلسطيني في غزة تمثله حركة حماس ولا شأن لمنظمة التحرير بذلك أي أن منظمة التحرير لم تعد الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
5. تجسيد منطق فصل القطاع عن الضفة الغربية .
6. إقامة ” إمارة إخوانية ” عند الحدود الشرقية لمصر لتكون شوكها فى ظهر مصر.
وهنا قد يخرج علينا من يبرر لحماس ذلك من خلال القول :
• بأن الشعب الفلسطيني في غزة يعاني من الحصار والجوع والقهر ، فسجن غزة أصبح اقسى من أي وقت مضى ، وأن لا مخرج لغزة إلا هذا المخرج ، وأن من حق هذا الشعب ان يعمل وان يجد لقمة العيش ليعمر ما تم تدميره وهذا الأمر أهم من أي شيء آخر .
• أن السلطة قد بدأت بالمفاوضات مع الكيان الصهيوني مع قبل حماس فلماذا يقع اللوم على حماس .
وببساطة اقول ، هل كانت حماس موافقة أصلاً على مفاوضات السلطة مع الصهاينة حتى تقارن نفسها بالسلطة ، أم أن الإقتداء بالخطأ أمر ممكن ومبرر ؟ ولماذا قامت دولة الكيان بحصار قطاع غزة ؟ ألم يكن ذلك ثمناً لموقف المقاومة التي اتخذته حماس موقفاً واستراتيجية لها ؟ أم أن المقاومة تلك ما كانت إلا وسيلة للوصول إلى الإمارة والحكم ؟ .. ألم تكن حماس وما زالت – ظاهرياً على الأقل – تتمسك بتحرير فلسطين التاريخية .. ولا ولن تعترف بدولة الكيان الصهيوني؟ .. ألا تعلم حماس جيداً أن الكيان الصهيوني لن يمنحها شيئاً ما لم يتفق ذلك الشيء مع الاستراتيجية الصهيونية ؟ ، ألم تتيقن حماس بعد من أن الصهاينة لا يلتزمون بأي اتفاق أو معاهدة فلقد جربت ذلك بشكل مباشر معهم؟ كما أن مفاوضات السلطة مع حماس تثبت ذلك بشكل قطعي .. فاتفاقية أوسلو سبق وأن نصت على الميناء وعلى المطار الأمر الذي تنصلت منه الكيان الصهيوني بشكل كامل ، وحتى عملية تحرير الاسرى فقد تراجع عنها الكيان الصهيوني بشكل عملي حين أعاد اعتقال بعض المحررين وقتل بعض آخر… وهل يبرر كل ذلك الاتفاق المنتظر بين حماس الصهاينة ؟؟
بإعتقادي أن المبرر الوحيد لحماس للمضي في اتفاق الأنفاق ، هو عشقها للسلطة ورغبتها بتأسيس الإمارة ، فالإمارة الإسلامية عند حماس أهم من القضية وربما أهم من فلسطين ، والإمارة المقرونة باسم إسلامية ، تتفوق على معنى الوطن ، فأدبيات الإخوان المسلمين زاخرة بالحديث عن تعويم معنى الوطن.
ولعلني أضيف ومن خلال الشرعية الدولية ، ولو نظرياً ، والتي بنيت على ما منحه العرب لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فإن اي اتفاق بين والكيان الصهيوني وحماس يعتبر اتفاقاً باطلاً ، وما يحفرونه من نفق لا بد وأن يتم تدميره ، فالوسيلة الوحيدة لتحقيق المطالب الوطنية هي بناء القوة واتباع نهج المقاومة … أما فلسطين فستبقى في ضمير الشرفاء كما كانت عربية منذ الأزل وإلى الأبد….
التعليقات مغلقة.