الاقتصاد و السياسة في ظل دكتاتورية البروليتاريا / فلاديمير إبليش لينين
فلاديمير لينين * ( روسيا ) الثلاثاء 23/4/2019 م …
* قائد أممي ، مؤسس الحزب الشيوعي السوفياتي ومؤسس الإتحاد السوفياتي …
مقدمة المترجم :
في البدء كنت أريد ترجمة ( الثورة البروليتارية و المرتد كاوتسكي ) و لكنني أردت أن أترجم مقالاً سهلاً على القراء و أن يكون ذو جانب تعليمي في أسسيات الفكر الماركسي .
و يصدف أنني كنت أبحث عن هذا المقال ( الاقتصاد و السياسة في ظل دكتاتورية البروليتاريا ) باللغة العربية , و أول مكان قمت بالبحث فيه كان طبعاً الحوار المتمدن و لم أجده – المقال ربما موجود في الموقع لكنني لم أنتبه – و لكن بالطبع هذا المقال موجود باللغة الأنجليزية و قد قرأته سابقاً فقررت أن أترجمه و أسهل الأمر على كل من يبحث عن هذا المقال باللغة العربية .
و قد يسأل القارئ : (( ما أهمية هذا المقال ؟ )) , أولاً هذا المقال يركز على أهم مرحلة تفصل بين الرأسمالية و الشيوعية , و قد قام لينين بالتركيز على الشكل السياسي و الاقتصادي لهذه المرحلة , و هذا لا شك يعتبر اسهاماً كبيرأً و تغذية للفكر الماركسي .
ثانياً , أرى أن تعريب هذا المقال يعني تعميم النظرة الماركسية الصحيحة نحو دكتاتورية البروليتاريا , حيث يأبى الكثيرون أن يقتربوا من المفهوم الحقيقي للسياسة و الاقتصاد في هذه المرحلة , و الكثير أيضاً لا يعرفون ماهي تلك المرحلة و لا متطلباتها , فلهذا أعتبر هذا المقال مقالاً توعوياً حول جوهر دكتاتورية البروليتاريا , و فوق هذا , يميل البعض إلى استخدام مفاهيم أخرى كالسبل الديمقراطية إلخ , و لكنهم لا ينتبهون إلى الاخطاء النظرية التي يرتكبونها , و في هذا المقال عالج لينين تلك المشكلة , و لهذا قراءة هذا المقال سيعطي مفهوماً أكثر عمقاً لديكتاتورية البروليتاريا .
بالإضافة , أثناء الترجمة صادفت جدول إحصائي , فلم أدرجها ضمن الترجمة , حيث لا يمكنني إنشاء طاولة إحصائية و نشرها في الحوار المتمدن لأنني لا أعرف مدى دقة و ضوح الطاولة ستكون بعد النشر , فإذا كان القارئ مهتما بالنتائج الإحصائية فهي موجودة في الموقع الأصلي للنص .
القسم الأول و الثاني و الثالث يحتوي على إحصائيات أكثر من مداخلات نظرية و بينما القسم الرابع و الخامس يحتويا ن على مفاهيم و مداخلات نظرية , و لكن هذا لا يقلل من أهمية القسم الأول إلى الثالث .
أود أن اقدم شكري لموقع الأرشيف الماركسي Marxists Internet Archive لتوفير الكم الهائل من الكتابات الماركسية المفيدة , و يجدر بنا أن نشير أن تلك الكتابات الماركسية متوفرة بشكل مجاني و نسخها و نشرها أيضاً مجانية , فلهذا لابد من تقديم الشكر لهذا الموقع .
عقيل صالح .
================================================
كنت أرغب في كتابة كتيب صغير حول الموضوع المذكور في العنوان بمناسبة الذكرى السنوية الثانية للسلطة السوفييتية. و لكن وفقاً لإزدحام الأعمال اليومية لم أستطع تجاوز التحضيرات الأولية لبعض الأقسام . فلهذا قررت كتابة تلخيص و عرض سريع و موجز لأهم الأفكار لهذا الموضوع برأيي. العرض الملخص لا شك يحتوي على سلبيات و نواقص كثيرة . و لكن مع ذلك , يستطيع مقال صحفي صغير أن ينجز هدفاً متواضعاً في رأيي , ليتم عرض المشكلة و الأساس من أجل يتم نقاشها من قبل الشيوعيين في عدة دول .
(1)
نظرياً , لا يوجد أي شك أن بين الرأسمالية و الشيوعية مرحلة إنتقالية التي تمزج خصائص و ملامح لكل منهما لشكل الاقتصاد الاجتماعي . هذه المرحلة الانتقالية يجب أن تكون مرحلة صراعية ما بين الرأسمالية الميتة و الشيوعية الوليدة أو بكلمات أخرى بين الرأسمالية المهزومة و لكن لم يتم تدميرها و الشيوعية التي ولدت و لكنها لا تزال ضعيفة .
ينبغي لهذه المرحلة أن تتميز بتلك الخصائص الإنتقالية بشكل ضروري و أن تكون واضحه ليس فقط للماركسي , بل لأي متعلم بأي درجة مطلع على نظرية التطور . و لكن لا زلنا نسمع أحاديث من البرجوازيين الديمقراطيين الصغار حول موضوع الإنتقال إلى الاشتراكية ( و على هذا كل قادة الأممية الثانية , بالإضافة إلى أفراد مثل ماكدونلد , و جان لونجييه , و كاوتسكي , و فريدريك آلدير , بالرغم من أن يتم تسميتهم إشتراكيين بشكل زائف ) يتجاهلون بشكل مطلق هذه الحقيقة . يتميز البرجوازيين الصغار بنفيهم للصراع الطبقي , بأحلامهم في تفادي و تجنب هذا الصراع, و بطرقهم و وسائلهم لتوفيق و إزالة الزوايا الحادة لهذا الصراع . ديمقراطيون كهؤلاء , نجدهم يتفادون في التعرف على أهمية و ضرورة الحقبة التاريخية الكاملة لمرحلة الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية أو يعتبرون أن من واجبهم تدبير مخططات للتوافق ما بين القوتين بدلاً من قيادة أحدى تلك القوتين في الصراع .
(2)
في روسيا , حتماً لا بد من أن دكتاتورية البروليتاريا تختلف عن باقي الدول المتقدمة , بكونها دوله متأخره و للدولة خصائص برجوازية صغيرة . و لكن القوة الأساسية – و الشكل الأساسي للإقتصاد الاجتماعي – في روسيا موجوده مثلها مثل أي دولة رأسمالية , بحيث لا تنطبق تلك الخصائص إلا على ما هو أقل أهمية
الأشكال الأساسية للإقتصاد الاجتماعي هي الرأسمالية , و الإنتاج السلعي الصغير( البسيط) , و الشيوعية . القوى الأساسية هي البرجوازية , و البرجوازية الصغيرة ( الفلاحين بشكل أخص) , و البروليتاريا .
النظام الإقتصادي في روسيا خلال عهد دكتاتورية البروليتاريا يمثل صراع العمال , موحدين تحت مبادئ شيوعية بشكل كبير و اتخاذ خطواتها الأولى – في الصراع ضد الإنتاج السلعي الصغير( البسيط ) و ضد الرأسمالية التي لا تزال مستمرة و ضد الذي ينشأ على اسس الإنتاج السلعي الصغير ( البسيط ) .
في روسيا , العمال متحدين اتحاداً ذات ملامح شيوعية ( أو اتحاداً شيوعياً COMMUNISTACLY : ملاحظة المترجم ) إلى حد الآن , أولاً تم إزالة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج , ثانياً , سلطة دولة البروليتاريا تنظم إنتاجاً على نطاق واسع تحت أراضي ملك للدولة و بمشاريع ملك للدولة على صعيد الوطني , و توزع قوة العمل على فروع إنتاجية مختلفة و أيضاً لمشاريع مختلفة , و ايضاً توزع على العمال كميات كبيرة من المواد للاستهلاك التي هي مملوكة من قبل الدولة .
نحن نتحدث عن ” الخطوات الأولى ” للشيوعية في روسيا ( وهي منظمة بهذا الشكل في برنامج حزبنا في مارس 1919 ) , لأن كل هذه الأشياء جزئياً أثرت في بلادنا , أو في سياق آخر , إنجازتهم هي فقط في المراحل الأولى . لقد حققنا بشكل فوري , في ضربة ثورية واحدة , كل ما يستيطع إنجازه بشكل عام فورياً , في أول يوم لوجود دكتاتورية البروليتاريا , على سبيل المثال , في أكتوبر 26 (8 نوفمبر ) 1917 , تمت إزالة الملكية الخاصة للأراضي من دون اي تعويض لكبار الملاك – تم نزع الملكية من كبار الملاك . و خلال أشهر قلة عملياً فعلنا الشيء نفسه لكبار الرأسماليين , و أصحاب المصانع , و الشركات المساهمة , و المصارف , و السكك الحديدية , و هكذا دواليك , نزعنا الملكية منهم من دون أي تعويض . تنظيم الدولة للإنتاج على نطاق كبير في المصانع و الإنتقال من مشاركة العمال في الإدارة WORKERS CONTROL إلى تولي العمال لإدارةWORKERS MANAGEMENT المصانع و السكك الحديدية – تم بشكل كبير تحقيقه , و لكن بالنسبة إلى الزراعة فالأمر بدأ للتو ( مزارع تملكها الدولة , أيّ , المزارع الكبيرة التي نظمتها دولة العمال في أراضي تملكها الدولة ) . و بالمثل , قد قمنا للتو بتنظيم أشكال مختلفة لمجتمعات تعاونية مؤلفة من فلاحين صغار على أساس الإنتقال من الإنتاج الزراعي السلعي الصغير إلى زراعة شيوعية (1) . الشيء نفسه يجب أن يقال عن المنتوجات التي تنظم الدولة توزيعها التي حلت مكان التجارة الخاصة , أيّ , تأمين و تسليم الدولة الحبوب إلى المدن و المنتوجات الصناعية إلى الريف . إحصائيات موجودة في الموضوع التالي أدناه .
زراعة الفلاحين تستمر بإنتاج سلعات صغيرة . هنا نجد جذورعميقة للرأسمالية , حيث من خلال هذا الأساس ستستمر الرأسمالية في شن صراع مر ضد الشيوعية . تلك أشكال الصراع هي الإمتلاك الخاص و التربح ضد امتلاك الدولة للحبوب ( و منتوجات أخرى ) و أيضاً ضد توزيع الدولة للمنتوجات بشكل عام .
(3)
لتوضيح تلك الاطروحات المشوشة , سندرج إحصائيات واقعية .
وفقاً لإحصائيات مفوضية الشعب للغذاء , حوزة الدولة على الحبوب في روسيا من 1 أغسطس 1917 إلى 1 أغسطس 1918 بلغت إلى 30,000,000 بود ( البود هو الوزن الروسي , تقريباً 16.38 كلغ : ملاحظة المترجم ) . خلال أول ثلاثة أشهر للحملة التالية (1919-1920) حيازة الدولة يحتمل أن يكون 45,000,000 بود , مقابل 37,000,000 بود لمثل الفترة ( أغسطس – أكتوبر ) في 1918 .
تلك الأرقام و الاحصائيات تفصح بكل وضوح عن تطور هادئ و لكن متزن في شؤون الدولة من وجهة نظر ظفر الشيوعية على الرأسمالية. هذا التحسين و التطور تم إنجازه بالرغم من الصعوبات التي لا مثيل لها , صعوبات بسبب الحرب الأهلية تم تنظيمها من قبل الرأسماليين الأجانب و الروس بدعم من قوات لأقوى دول في العالم .
بهذا , بالرغم من أكاذيب البرجوازية في كل الدول و أتباعهم الملثمين والغير ملثمين ( “إشتراكيو” الأممية الثانية ) , يبقى شيء واحد لا جدال فيه , و هو أن بقدر المشكلة الاقتصادية لدكتاتورية البروليتاريا , إلا أن إنتصار الشيوعية على الرأسمالية في بلادنا هو شيء مؤكد . البرجوازية العالمية كلها غاضبة على البلاشفة و تنظم إنقلابات عسكرية , و مؤامرات, لأنهم يعلمون أن نجاحنا في إعادة تأسيس الاقتصاد الاجتماعي هو أمر حتمي , بعدم هزيمتنا العسكرية . و محاولتها في سحقنا بهذه الطريقة هو أمر غير مجدي .
لأي درجة أننا قد أنهينا و قد تخلصنا من الرأسمالية في فترة قصيرة , و بالرغم من الصعوبات الكبيرة تحت ما كنا نعمل عليه , سنراها في الإحصائيات الملخصة أدناه . أعد المجلس المركزي للإحصاء بيانات صحفية حول إنتاج و إستهلاك الحبوب – ليس لروسيا السوفييتية فقط بل لستة و عشرون محافظة ( أستخدم لينين كلمة GUBERINAS و لكنها تعني محافظات : ملاحظة المترجم ) .
فبهذا , تقريباً نصف كميات الحبوب التي تم تقديمها للمدن هي من قبل مفوضية الغذاء و النصف الآخر من قبل الربحيين . و كشفت هذه النسبة نفسها خلال بحث دقيق في عام 1918 من المواد الغذائية التي يستهلكها عمال المدينة .و يجب أن يكون في الحسبان أن الخبز الذي توفره الدولة يدفع 1-9 مما يدفعه للربحيين . سعر الربحي للخبز هو أكثر بعشر مرات من سعر التي تقدمه الدوله و أستخرجنا هذا من خلال دراسه مفصلة عن ميزانية العمال .
(4)
إحصائيات تم دراستها بشكل دقيق تبين الوضع الاقتصادي الراهن لروسيا .
تحرر العمال من قبضة المستغلين و المضطهدين , الملاك و الرأسماليين . هذه الخطوة نحو الحرية الحقيقية و المساواة الحقيقية , خطوة تم إهمالها من قبل داعمي البرجوازية ( و هذا يشمل البرجوازيين الديمقراطيين ) , حيث حين يتحدثون عن الحرية و المساواة , يقصدون البرلمانات الديمقراطية البرجوازية , و يعلنون بشكل خاطئ ” الديمقراطية ” بشكل عام , أو الديمقراطية “الخالصه ” ( كاوتسكي ) .
و لكن العمال فقط يريدون الحرية و المساواة الحقيقية ( الحرية من الملاك و الرأسماليين ) , و لهذا يدعم الحكومة السوفييتية بشكل صارم .
في هذه الدولة الفلاحية , الفلاحون هم أول من كسبوا , و كسبوا بكثرة , و كسبوا بسبب دكتاتورية البروليتاريا . الفلاحون في روسيا تعرضوا للجوع بسبب الملاك و الرأسماليين . خلال القرون الطويلة , لم يتسن للفلاح أي فرصة أن يعمل لنفسه . كان يجوع بينما يعطي ملايين البود من الحبوب إلى الرأسماليين , و للمدن و للتصدير . تحت دكتاتورية البروليتاريا الفلاحون لأول مرة أستطاعوا ان يعملوا لنفسهم و لأول مرة يأكلوا أفضل من أي مدني . و للمرة الأولى أستطاع الفلاح أن يرى الحرية الحقيقية – الحرية في أكل خبزه , الحرية من الجوع . أما في مسألة توزيع الأراضي , فجميعنا نعلم أننا حققنا المساواة المطلقة , في الأغلبية العظمى تم توزيع الأراضي وفقاً لعدد الأفواه لإطعامها .
الاشتراكية تعني إزالة الطبقات .
من أجل إزالة الطبقات من الضروري أولاً أن نطيح بملاك الأراضي و الرأسماليين . تلك المهمة تم إنجازها , و لكنها مجرد جزء , و ليست بجزء صعب . من أجل إزالة الطبقات من الضروري ثانياً إزالة الفوارق ما بين عامل المصانع و الفلاح , بتحويلهم جميعاً إلى عمال . هذا لا يمكن إنجازه بدفعه واحدة . هذا الجزء صعب بشكل لا يقارن بالجزء الأول و سيأخذ وقتاً طويلاً لإنجازه . أنها ليست كمشكلة إطاحة بطبقة . يمكن إنجاز هذا الجزء فقط بتنظيم إعادة تأسيس الاقتصاد الاجتماعي بأكمله , بتحويل الإنتاج الفردي السلعي البسيط إلى انتاج سلعي ضخم . هذا الانتقال يجب ضرورياً أن يأخذ وقتاً طويلاً . هذا الأمر يمكن تعقيده و تأخيره بقياسيات إدارية و تشريعية غير حذره . و يمكن تسريعه بإعطاء دعم للفلاح و جعله يطور تقينياته الزراعية و يصلحها بشكل راديكالي .
من أجل حل الجزء الثاني و الأكثر صعوبة من المشكلة , بعد نصر البروليتاريا على البرجوازية يجب وضع سياسات تجاه الفلاحين على الشكل الأساسي التالي . البروليتاريا يجب أن تفصل و ترسم حدوداً بين الفلاح العامل و الفلاح المالك , و الفلاح العامل و الفلاح البائع , و بين الفلاح الذي يعمل و الفلاح الذي ينتفع .
هذا الفصل و التقسيم , يقع عليه جوهر الاشتراكية .
و الأمر غير مفاجئ عندما نرى الاشتراكيين , الذين في الواقع اشتراكيين بالأسم و برجوازيين ديمقراطيين صغار في النوايا لا يفقهون هذا الجوهر( المارتوفيون , تشيرونفيون , الكاوتسكيون , و غيرهم ) .
التقسيم الذي نحن نشير إليه هنا هو صعب جداً , “خصائص” الفلاح مهما كانت مختلفة و متنوعة و متناقضة إلا أنها تنصهر في مفهوم واحد . و لكن بالرغم من هذا , يمكننا إنجاز هذا الفصل و التقسيم , و ليس فقط يمكن انجازه , بل انجازه هو شيء حتمي وفقاً لحالة الزراعة و حياة الفلاح . الفلاح العامل تم إضطهاده لفترة طويلة من قبل ملاك الأراضي و الرأسماليين , و الباعة و المنتفعين بدولتهم , و هذا يشمل أكثر الجمهوريات الديمقراطية البرجوازية . على مر العصور تعلم و تدرب الفلاح العامل كيف يكره المضطهد و المستغل , و هذا التدريب تولد بسبب ظروف الحياة الذي يفرض على الفلاح الإتحاد و التحالف مع العامل ضد الرأسمالي و ضد المنتفعين . و لكن في مثل الوقت , الأوضاع الأقتصادية , و أوضاع الإنتاج السلعي , حتماً تحول الفلاح ( ليس دائماً , بل في أغلب الأوقات ) إلى منتفع و بائع .
الإحصائيات التي تم عرضها سابقاً تكشف عن أختلافات ما بين الفلاح الذي يعمل و الفلاح الذي ينتفع و يربح . الفلاح الذي خلال 1918-1919 سلم لعمال المدن الجياع 40,000,000 بود من الحبوب بالسرع الثابت للدولة , الفلاح الذي سلم هذه الحبوب للدولة بالرغم من شح الحبوب , و ذلك القصور مفهوم تماماً لدى دولة العمال , و لكن لا يمكن تجنبه في الفترة الإنتقالية الأولى للإشتراكية – هذا الفلاح هو فلاح عامل , رفيق و متساوي تماماً مع العامل الاشتراكي , حليفه الأكثر وفاءاً , شقيقه بالدم في المعركه ضد عبودية رأس المال . بينما الفلاح باع 40,000,000 بود من الحبوب سراً بسعر أغلى بعشر مرات من سعر الدولة , يستغل حاجة و جوع العمال في المدن , يخدع الدولة , يخلق الخديعة في كل مكان , و السرقة و الكذب – هذا هو الفلاح الانتهازي المنتفع , هذا هو حليف الرأسمالي , العدو الطبقي للعامل , و بإختصار استغلالي . حيث كل من يحتفظ بحبوب فائضه مجمعة من أراضي الدولة بإستعانة الأدوات التي بشكل أو آخر يجسدها العمل ليس للفلاح و حسب بل أيضاً للعامل – يعتبر منتفعاً و يسعى للربحية و يستغل جوع العامل .
أنتم من تنتهكون الحرية , و المساواة , و الديمقراطية – بتلك الكلمات يصرخون علينا موجهين أصابعهم على الدستور الذي لا يساوي بين العامل و الفلاح , و أيضاً للإطاحة بالجمعية التأسيسية , و أيضاً لنزع الحبوب الفائضة بإستخدام القوة . نحن نرد عليهم – لا توجد أي دولة في العالم فعلت مثلنا في سبيل نزع اللامساواة الحقيقية , و نزع الإستعباد الحقيقي الذي عذب العمال و الفلاحين لقرون . و لكننا لا نريد أي مساواة مع الفلاح المنتفع , مثلما لا نريد المساواة بين المستغَل و المستغل , و بين المتخم و الجائع , و لا نريد الحرية للمتخم أن يسرق الجائع . و هؤلاء السادة المثقفين و المتعلمين الذين يأبون النظر إلى تلك الفوارق سنتعامل معهم على أساس انهم جنود البيض, حتى لو سموا أنفسهم ديمقراطيين , و اشتراكيين , و أمميين , كاوتسكيين , أو تشيرنوفيين , أو مارتوفيين .
(5)
الاشتراكية تعني إزالة الطبقات . دكتاتورية البروليتاريا فعلت كل ما في وسعها لإزالة الطبقات . و لكن الطبقات لا يمكن إزالتها بدفعة واحدة .
و الطبقات باقية و ستبقى في ظل عهد ديكتاتورية البروليتاريا . الديكتاتورية ستبقى غير ضرورية عندما تختفي الطبقات . من دون دكتاتورية البروليتاريا يستحيل إزالة الطبقات .
الطبقات كانت موجودة , و لكن في عهد ديكتاتورية البروليتاريا كل طبقة تمر بفترة تغيير , و العلاقات بين الطبقات أيضاً ستتغير . الصراع الطبقي في دكتاتورية البروليتاريا لا يختفي بل يجري خلال أشكال مختلفة .
في ظل الرأسمالية , البروليتاريا هي الطبقة المضطهده , طبقة تم انتزاع وسائل الانتاج منها , الطبقة الوحيدة المعاكسة كلياً و تماماً عن البرجوازية , و بهذا الطبقة الثورية الوحيدة . و بإسقاط البرجوازية و الإستيلاء على السلطة السياسية , البروليتاريا أصبحت الطبقة المسيطرة , انها تمتلك سلطة الدولة , انها تمارس السيطرة على وسائل الانتاج التي بالفعل مشتركة , انها تسحق مقاومة المستغلين العنيدة . كل هذه الأمر هي مهمات الصراع الطبقي , مهمات البروليتاريا لم تكن لها سابقاً .
طبقة المستغلين , ملاك الأراضي و الرأسماليين , لم تختف من الوجود , و لا يمكنها الإختفاء بدفعه واحده في ظل دكتاتورية البروليتاريا . تم سحق المستغلين و لكن لم يتم تدميرهم . لا يزالون يمتلكون قاعدة عالمية على شكل رأس مال عالمي , حيث هم فرع من تلك القاعدة . فهم لا يزالوا يحتفظون ببعض وسائل الانتاج , و لا يزال لديهم الأموال , و لا يزال لديهم إتصالات اجتماعية واسعة . و لأن تم هزمهم فطاقتهم في المقاومة إزدادت مئة و ألف مره . فن الدولة , الإدارة العسكرية و الاقتصادية قد اعطتهم تفوقاً عالياً جداً , فلهذا أهميتهم بشكل لا يقارن أكبر من أعداد كبيرة من السكان . الصراع الطبقي الذي شنه المستغلون المخلوعون على طليعة المستغَلين الفائزة , أيّ , اصبحت البروليتاريا بشكل لا يقاس أكثر مرارة . و لا يمكنها أن تكون إلا هكذا في حالة الثورة , إلا في حال تم إستبدال هذا المفهوم بمفاهيم الإصلاحيين الوهمية ( و كل أبطال الأممية الثانية ).
أخيراً , الفلاحون مثل البرجوازيين الصغار بشكل عام , يحتلون المرتبة الوسطى حتى في ظل دكتاتورية البروليتاريا , في الجانب الأول , أنهم يشكلون عدداً كبيراً ( و في روسيا , عدداً ضخماً ) من العمال متحدين تحت مصلحة مشتركة بتحرير أنفسهم من ملاك الأراضي و الرأسماليين , و في الجانب الآخر , هم ملاك و تجار صغار مفككين . في حاله اقتصادية كتلك , حتماً سيضعهم في وسط البروليتاريا و البرجوازية . في الشكل الحاد الذي أتخذته الطبقتين في الصراع , في الشكل الصارم في كسر العلاقات الاجتماعية تماماً , و أيضاً في شكل تعلق البرجوازية الصغيرة و الفلاحين بالنظام القديم و عدم تغييره بشكل عام , فهنا طبيعي جداً أن نرى تأرجح تلك الفئة من جانب إلى جانب آخر , و نجدهم مترددين و غير متأكدين .
ففي هذه الحالة لابد من البروليتاريا أن تؤسس تأثيرها عليهم و توجيههم , و بقيادتهم لهذا التردد و عدم الإستقرار – تلك هي مهمة البروليتاريا .
إذا قارنا جميع القوى الأساسية أو الطبقات و علاقاتهم , كما عدلتها دكتاتورية البروليتاريا , سنصل إلى استنتاج أن من الغباء و الحماقه النظرية قول أن يمكننا الوصول إلى الاشتراكية بإستخدام طرق الديمقراطية مثلما يدعي أعضاء الأممية الثانية و باقي البرجوازيين الصغار . الخلل الأساسي يكمن في انحياز الموروث من البرجوازية أن الديمقراطية هي شيء مطلق و فوق الطبقات . في حقيقة الأمر , الديمقراطية نفسها تمر إلى مرحلة جديدة في ظل دكتاتورية البروليتاريا , و يرتفع الصراع الطبقي إلى مستوى أعلى , مسيطراً على كل الأشكال .
الكلام العام حول الحرية , و المساواة , و الديمقراطية , هو في الحقيقة صدى أعمى لمفاهيم خلقتها العلاقات الإنتاجية للسلع . وحل المشكلات الأساسية لدكتاتورية البروليتاريا بتلك العموميات هو يعني القبول بنظريات و إنحيازات البرجوازية بشكل كامل . من وجهة نظر البروليتاريا , المسألة توضع بهذا الشكل : الحرية من الاستغلال لصالح أي طبقة ؟ المساواة مع أي طبقة ؟ ديمقراطية مبنية على ملكية خاصة , أو الكفاح من أجل إزالة الملكية الخاصة ؟ – و هكذا دواليك .
قديماً شرح أنجلز في ( ضد دهورنغ ) أن مفهوم ” المساواة ” هو مستخرج من علاقات الإنتاجية السلعية , المساواة تصبح غير حقيقية أذا كانت لا تعني إزالة الطبقات . تلك هي الحقيقة الأساسية التي نستطيع أن نفرق بين المفهوم البرجوازي الديمقراطي و الاشتراكي للمساواة الذي تم نسيانه . و لكن اذا لم يتم نسيانه سيصبح من الواضح أن عندما تطيح البروليتاريا بالبرجوازية , تخطو البروليتاريا الخطوة الأكثر حسماً نحو إزالة الطبقات , و من أجل تحقيق هذا لابد من البروليتاريا أن تواصل الصراع الطبقي , و تستعمل قوة الدولة في توظيف طرق مختلفة للقتال , و التأثير و ممارسة الضغط على البرجوازية المخلوعة و البرجوازية الصغيرة المشوشه .
30 أكتوبر , 1919 .
================================================
1 : عدد ” مزارع الدولة ” و ” الكومونات الزراعية ” في روسيا السوفييتية معروفة أنها 3536 و 1961 نسبياً , و عدد التعاونيات الزراعية تبلغ 3696 . مجلسنا المركزي للإحصاء حالياً يأخذ إحصائيات دقيقة لكل مزارع و كومونات الدولة . و النتائج ستأتي في نوفمبر 1919 . (لينين)
هذا النص ترجم عن اللغة الأنجليزية .
النص باللغة الأنجليزية : http://www.marxists.org/archive/lenin/works/1919/oct/30.htm
المصدر الرئيسي : الأعمال الكاملة للينين , الإصدار الانجليزي الرابع , دار التقدم , موسكو , 1965 , المجلد 30 , صفحة 107 – 117 .
المترجم باللغة الأنجليزية : جورج هانا .
التعليقات مغلقة.