الأردن … الأحزاب .. مشيخات أم أدوات تغيير؟ / د. صبري الربيحات




المجتمعات العربية أبوية السلطة متعددة التنظيمات تتجاذبها نزعة المحافظة ورغبات الاجيال في التغيير. باستثناء حالات معدودة ما تزال البنى الاجتماعية التقليدية مسيطرة على تفكير ووجدان الفرد وموجها رئيسيا لسلوكه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. فالقبيلة والدين والانتماءات الجهوية عوامل مهمة في تحديد ميول وانتماءات وخيارات الافراد الاستهلاكية والتفاعلية والانتخابية.

على امتداد الأرض العربية وبالرغم من تجدد المحاولات للثورة والتغيير بقي الانسان العربي الأبعد عن المشاركة السياسية والاقل قدرة على بناء انظمة سياسية ذات صبغة تعددية تمكن الافراد من المشاركة والتعبير في احزاب وتيارات تمثل افكارهم وتوجهاتهم ومواقفهم السياسية.

العشرات من المحاولات والثورات التي قام بها المصلحون والمفكرون والرواد والجماعات المؤمنة بالتغيير تم اجهاضها قبل ان تكمل برامج البناء والتنظيم والتحديث التي انطلقت من اجلها. الدين والقبيلة والسلطة عوامل مهمة في اضعاف المبادرات والمحاولات التي انطلقت منذ اكثر من قرن من الزمان.

بالرغم من التوافق الظاهر على اهمية الاحزاب وضرورة الدور الذي تنهض به كمنابر للتعبير عن الارادة العامة ووسائل للمشاركة في احداث التغيير الواعي وفرض الرقابة الضرورية لتجويد اداء من يقومون بالادارة والحكم باسم الشعب إلا أن الايمان بأهميتها والانضمام لصفوفها والتأثير الذي تحظى به على الحياة السياسية للافراد والمجتمع ومسيرة البلاد ما يزال محدودا ان لم يكن معدوما.

الضعف الذي تعاني منه الاحزاب والتشكيك الذي تتعرض له عائد لأسباب بعضها موضوعي والآخر ذاتي. من الناحية الموضوعية لا يحمل مصطلح الاحزاب في الثقافة العربية دلالات ايجابية فقد ارتبط المفهوم بالجيوش التي شكلتها القبائل العربية لغزو المدينة المنورة ومهاجمة المسلمين في إحدى أهم الغزوات التي تغلب فيها المسلمون على الكفار ومعهم اليهود، لذا ظل هذا المفهوم مشبعا بالرمزية التي تم استغلالها لاحقا من قبل القوى المحافظة للتحريض على الاحزاب في الخطاب الديني والمناسبات المختلفة باعتبارها قوى شريرة تقف في وجه الخير والفضيلة والاستقرار.

الى جانب الصورة الذهنية للأحزاب العائدة إلى احداث فجر الاسلام وفي سياق ايماني وروحي قبل 1400 عام اعتبرت الاحزاب القومية والدينية والاممية التي تأسست في مطلع القرن العشرين كقوى نضالية تسعى الى التحرر ومقاومة المستعمر تنظيمات نخبوية فاعلة استفادت من انجازاتها الدول والانظمة الوليدة قبل ان تعلن الانقلاب عليها ومعاداتها وتصنيفها كقوى خطرة ينبغي تحييد تأثيرها على المجتمع ومسيرته ومنعها من البحث في أوضاعه.

في الأردن اتسمت العلاقة بين الاحزاب والدولة بفصول من المد والجزر ففي خمسينيات القرن الماضي نشطت الاحزاب وقدمت برامج سياسية خاضت على اساسها الانتخابات وحققت نجاحات كبيرة خارج الحدود المناطقية للمرشحين كما فعل يعقوب زيادين، وشكلت حكومة سياسية برامجية ما لبثت ان استقالت وادخل اركانها المعتقلات كما حدث مع حكومة سليمان النابلسي. كنتيجة لهذه التجربة اتجهت العديد من الاحزاب البرامجية للعمل السري تحت شعارات وطنية واممية ودينية متنوعة في حين استمرت جمعية الاخوان المسلمين في العمل العلني باعتبارها تنظيما حليفا لا يحمل في برامجه واعماله تهديدات جوهرية.

البيانات الاخيرة تتحدث عن اكثر من خمسين حزبا مرخصا واكثر من ربع هذا العدد في طور الترخيص. في النظام السياسي الأردني لا توجد مساحة حقيقية للاحزاب فلا ذكر للاحزاب في الدستور ولا حضور واضح لها في اقرار ما يجري او التعبير عما يحدث محليا واقليميا.

المطالبات التي تتقدم بها الاحزاب للدعم وافساح المجال لها للمشاركة في الانتخابات والحكومات تصطدم بالرفض على ارضية ضعف الانتساب والاقبال وتكلس برامج وخطاب العديد منها اضافة الى افتقار هياكلها وكوادرها وقياداتها للتنوع والتداول فقد استحوذ بعض المؤسسين والورثة على مواقع رئاسة الحزب وامانته العامة لعقود دون التفكير في استقطاب قيادات وكوادر جديدة او تحديث في الافكار والطروحات بما ينسجم مع التحولات والتحديات التي تشهدها البلاد.

مع الاعتراف بسعي البعض الى التغيير والتحديث والمشاركة الهادفة الا ان غالبية الاحزاب الأردنية الجديدة وقياداتها لا تعدو مشيخات صغيرة يؤسسها اصحاب رؤوس اموال ومصالح لتعزيز فرصهم بالحضور في المشهد السياسي وحماية مصالحهم الاقتصادية.

المشكلة التي تعاني منها الاحزاب ستستمر ما لم يوجد لها دور في الحكم يحدده الدستور وما لم تتغير اتجاهات وتصورات الناس حول الأحزاب وأهميتها وقدرتها على التأثير. التجربة الحالية للأحزاب لا تشجع على الاقبال ولا تبعث على الامل في تغيير علاقة المواطن بها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.