هذه هي سورية … هل ننسى مرحلة فارس خوري ! / هشام الهبيشان
هشام الهبيشان ( الأردن ) الجمعة 26/4/2019 م …
في تاريخ سورية الحديث ، هناك رجال وزعماء وطنيون ،سطروا وكتبوا تاريخهم بحروف من ذهب ، ومنهم فارس الخوري الزعيم الوطني والسياسي المحنك والمفكر والوطني السوري ،ولد فارس الخوري سنة 1873م في قرية الكفير التابعة حالياً لقضاء حاصبيا في لبنان”،فارس الخوري بدأ حياته السياسية والنضالية في النضال ضد الاحتلالين العثماني والفرنسي، ما عرّضه للسجن والنفي أكثر من مرة، سواء من قبل جمال باشا السفاح، أو في عهد سلطة الاحتلال الفرنسي،وقد تميز الزعيم الوطني السوري الكبير فارس الخوري بذكائه و حنكته ،والذي تفانى في سبيل رفعة الوطن السوري والأمة العربية ككل ،وقد عاش نزيهاً ، عفيفاً ، متواضعاً ، فكانت حياته مليئة بالنضال والمواقف الوطنية العظيمة ،نذكر منها :-
*فارس الخوري في الجامع الاموي:
في ذات مره ابلغ الجنرال الفرنسي غورو فارس الخوري أن فرنسا جاءت إلى سورية لحماية …مسيحيي الشرق، فما كان من فارس الخوري إلا أن قصد الجامع الأموي في يوم جمعة وصعد إلى منبره وقال: إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله …فأقبل عليه مصلو الجامع الأموي وحملوه على الأكتاف وخرجوا به إلى أحياء دمشق القديمة في مشهد وطني تذكرته دمشق طويلاً وخرج أهالي دمشق المسيحيين يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون لا إله إلا الله .
*فارس الخوري في مجلس الامن:
في اجتماع لمجلس الأمن كانت قد طلبته سورية من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها ،جلس فارس ممثل سورية في المجلس آنذاك(مع العلم أن فارس الخوري أحد مؤسسي مجلس الأمن)،في المقعد للنائب الفرنسي في مجلس الأمن ،فلما جاء النائب الفرنسي وجد فارس الخوري جالساً في المقعد المخصص له..أثار هذا الموقف غضبه وطلب من رئيس المجلس أن يأمر فارس الخوري بإخلاء المقعد بالمقعد المخصص لسورية…وهنا كان رد فارس الخوري: (لقد جلست على مقعدك دقائق معدودة ولم تحتمل ذلك ،فما بالك و أنتم تجثمون على صدورنا منذ خمس و عشرون سنة “وقد كان هذا الموقف من الدعائم الأساسية في مجلس الأمن لحصول سورية على الاستقلال”.
*فارس الخوري ومؤذن الفجر:
سكنَ فارس الخوري في منطقة المهاجرين- جادة شـورى- قرب جامع الأفرم،في الجامع كان يؤذن للفجر في تلك الفترة رجل ذو صوت شجي إسمه أكرم خلقي،و الحادثة التي جرت مابين فارس الخوري واكرم خلقي، رحمهما الله، كانت عندما تولى فارس الخوري رئاسة الوزراء، فجال في خاطر المؤذن وهو يرى الـنـور في غرفة فارس يُطفأ قُبيل وقت أذان الفجر بقليل مايلي :إن دولة رئيس الوزراء يقوم بمهمات عظيمة ولا شك أنه متعب وربما لم ينم إلا قبل قليل، وإذا رفعتُ صوتي بالأذان للصلاة (ولم يكن وقتها تُستعمل مكبرات للصوت) فربما أُوقظه، ومصالح الناس تقتضي أن ينال الراحة الكافية ليتابع خدمتهم !.. فاتجه أكرم خُلُقي من الباب الجنوبي ليؤذن عند الباب الشمالي، كي لا يَصلَ الصوت إلى بيت رئيس الوزراء! في اليوم التالي ،سأل فارس الخوري عن مؤذن المسجد ليطمئن عنه وطلب لقاءه وسأله عن سبب عدم رفع الأذان البارحة! فأخبره المؤذن بالقصة، فانزعج فارس قائلاً: هل تعلم أنني لا أنام قبل أن استمع إلى أذان الفجر منك، وأسْتلهم منه مايعينني على متابعة أعمالي ؟؟… غداً يكون الأذان كالمعتاد.. وهكذا كان !..
*فارس الخوري وزيرا للأوقاف الإسلامية :
كان فارس الخوري ، ذات تاريخ وزيرا للأوقاف الإسلامية، وعندما اعترض البعض خرج نائب الكتلة الإسلامية في المجلس آنذاك عبد الحميد طباع ليتصدى للمعترضين قائلا: إننا نؤّمن فارس بك الخوري على أوقافنا أكثر مما نؤمن أنفسنا.
ختاماً ، رحل فارس الخوري في مطلع شهر كانون الثاني من عام 1962 ،ومن يقرأ تاريخ فارس الخوري ، ويربطه بمقتطفات من مراحل “صعبة ” عاشتها سورية ” مع نهاية النصف الأول من القرن العشرين وخرجت منها بحكمة وحنكة وحكمة فارس خوري … فهنا سيدرك جيداً أن الرجل كان يجيد قراءة التاريخ ويعرف متى وأين وكيف يصنع التاريخ، لقد تخطى الرجل ومعه سورية مراحل صعبة وعبر منها إلى المستقبل برؤية شاسعة وبصيرة نافذة، كان الرجل صاحب القرار في الظروف الصعبة والوقت الأنسب وقاد سورية لتؤدي رسالتها في صناعة التاريخ، فالرجل كان استثنائي بكل ما للكلمة من معنى .
*كاتب وناشط سياسي – الأردن.
التعليقات مغلقة.