لمن نسلّم مفاتيح دمشق ؟؟!! / م . احمد سماره الزعبي

 

م . احمد سماره الزعبي  ( الأردن ) الخميس 20/8/2015 م …

لا زالت أصداء زيارة كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة السابق لدمشق وتهديده للقيادة السورية ، بعد الاحتلال الامريكي للعراق حاضرة في الاذهان ، فقد حفلت الصحافة العالمية ووكالات الانباء بالشروط الامريكية على دمشق للخروج من المنطقة الرمادية التي صبغت العلاقة بين البلدين لعقود طويلة ، فالشروط الامريكية تمثّلت في مطالبة دمشق بالمساهمة في تحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط ، عبر التعاون مع واشنطن في ملف العراق ، ووقف التدخل في لبنان ، ووقف دعم وتسليح وايواء الجماعات المسلحة المناوئة لتل ابيب كحزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الاسلامي ، لكن الهدف الأهم لواشنطن ومن خلفها دول الاعتدال العربي ” إبعاد دمشق عن المحور الايراني ” .

في إجابته على تساؤل ريتشارد مورفي السفير الامريكي السابق في دمشق ، لماذا لم تواصل واشنطن حربها نحو سوريا واحتلال دمشق ، قال باول ” لقد وقعنا في حيرة فعلا ، الى من نسلّم مفاتيح دمشق ، الى السعوديين ام الى الأتراك ام الى الاسرائيليين ، ودون ان يكون بالإمكان التوصل الى تلك ” الترويكا ” التي تتوافق فيما بينها على حكم سوريا ” ، لم يكن بالامكان فعل ذلك .

حظوظ تل أبيب في تسلم مفاتيح دمشق معدومة ، فدورها لم ولن يتجاوز حدود تقديم التغطية النارية للجماعات المسلحة المناوئة لدمشق ، واستقبال الجرحى والمصابين ، فالتربية الوطنية والقومية للسوريين تحول دون التواصل مع تل أبيب ، لا بل فإن دمشق لا زالت تشكل مرتكزا للأفكار والجماعات التي لا زالت تعتبر اسرائيل … ”  العدو الرئيسي للامة العربية ” .

الدور السعودي في الأحداث الجارية ، اقتصر على دعم وتمويل الجماعات المسلحة المناوئة لدمشق ، وخاصة جيش الاسلام وجيوش الفتح ، اذ ان الرياض كانت قد فقدت ” نفوذها التاريخي ” في دمشق ، بعد الهجرات المتتالية للبرجوازية الدمشقية الموالية للرياض ، منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي ، وتحّول هوى بعض البرجوازية الدمشقية نحو طهران ، بسبب العلاقات التجارية والسياحة الدينية الايرانية مع سوريا ، في الوقت التي حافظت فيه البرجوازية الحلبية على الهوى العراقي منذ عقود ، وقد تمثّل ضعف النفوذ السعودي في سوريا في اختفاء ” الترويكا الموالية للرياض ( الشهابي ، خدام ، طلاس ) حيث بقي التمويل والدعم السياسي للجماعات المسلحة هو طريق الرياض الوحيد للوصول الى دمشق .

الإمكانيات التركية لتسلم مفاتيح دمشق تبدو ضئيلة ، كما بدت الظاهرة الأردوغانية برمتها ظاهرة بهلوانية عابرة لم تصمد أمام تعقيدات المشهد الإقليمي ، وأمام المشاكل التركية الداخلية التي عجز حزب العدالة والتنمية عن حلها ، وان سنوات ” العز والمجد ” التي عاشتها تركيا في مرحلة ما قبل ” الربيع العربي ” باتت من الماضي ، ففي وسط الاتهامات المباشرة لأردوغان بانه هو شخصيا من ورط انقرة في المستنقع السوري من خلال تمهيد الطرق لتنظيم داعش وتقديم دعم كامل لمقاتليه وفتح الحدود أمامهم ، وأمام العديد من الفصائل المسلحة ، تراقب انقرة المكاسب الهائلة التي حققها الأكراد ، والاصرار الأمريكي على منع انقرة من اقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا ، تمكنهم من لجم الطموح الكردي ، ونقل مشاكل تركيا الداخلية الى خارج الحدود ، ولهذا تجد انقرة نفسها بعد سنوات طويلة من الأمن والاستقرار تنزلق الى حرب ضروس في مواجهة عدوين لدودين الاكراد وداعش ، في وقت تتراجع فيه نسبة النمو الاقتصادي وتزداد الازمة الحكومية تعقيدا بعد تراجع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الاخيرة .

الضبابية في موقف طهران السياسي ، والحزم في موقف حزب الله ، والوضوح في البعد الاستراتيجي لدى موسكو ، عوامل تساهم في زيادة تعقيد المشهد السوري ، في مواجهة الترويكا الثلاثية ( انقرة ، الرياض ، تل أبيب ) … وبعد تداعيات الاشتباك العسكري في كل الميادين ، والاشتباك السياسي في أكثر من عاصمة ، بات صناع القرار في العواصم القريبة والبعيدة على قناعة باستحالة الحصول على مفاتيح دمشق ، لا بل فقد أثبتت أحداث وتطورات السنين الخمس الماضية ، ان الدول الاقليمية المتنافسة على مفاتيح دمشق تعاني ما تعاني من مشاكل وأزمات واحتقانات تنذر بنتائج وخيمة ، كما أثبتت أيضا ان ” دمشق الأمويين لن تسلّم مفاتيحها لغير أهلها ” … وكأنها تهمس في أذن كولن باول ” مستر باول مفاتيح دمشق لن تكون الا مع السوريين … السوريين لا غيرهم

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.