عودة إلى نظرية المؤامرة … عودة إلى وثيقة هنري كامبل بنرمان ومخططات برنارد لويس / د. حسين عمر توقه
د. حسين عمر توقه* ( الأردن ) السبت 27/4/2019 م …
*باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي …
الجزء الأول :-
إنه لمن المؤسف جدا أن الكثير من الساسة ومن أصحاب القرار لم يقرأوا بل لم يسمعوا عن وثيقة هنري كامبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا 1905/1907 ولم يسمعوا عن المؤتمر الذي دعا إليه والذي تم من خلاله إتخاذ أخطر القرارات المتعلقة بمصير الأمة العربية وتم من خلاله زرع إسرائيل في قلب الأمة العربية وفي أقدس أراضيها.
كما أن الكثير من الساسة وأصحاب القرار لم يسمعوا عن مخططات برنارد لويس من أجل تقسيم وتفتيت العالم العربي إلى دويلات وإيقاع شرخ بين السنة والشيعة ومحاولة إيقاع حرب جديدة بين إيران وبين السعودية ودول الخليح مشابهة للحرب العراقية الإيرانية .
كثيرون من المفكرين ناقشوا نظرية المؤامرة التي تعرض لها الوطن العربي منذ مطلع القرن العشرين وما زال يتعرض . وكثيرون أيضا من المفكرين رفضوا نظرية المؤامرة وأكدوا أن ما يتعرض له الوطن العربي إنما هو صنيع ونتاج العرب أنفسهم أنظمة وشعوب بعد أن حصلت هذه الأنظمة العربية على حريتها واستقلالها من الإستعمار . وهناك تيار ثالث من المفكرين اتجه إلى الأخذ بحل وسط يرتكز على تضافر جهود الدول العظمى مع القادة العرب للوصول بالشعوب العربية إلى ما وصلت إليه بإعتبار أن هذه الأنظمة هي نتاج الإحتلال والإستعمار الذي قسم العالم العربي إلى دويلات وممالك وجمهوريات واخترعوا لها التسميات من إمارات وملكيات وجمهوريات بعضها ثوري وبعضها رجعي وبعضها ليس لون أو رائحة . تماما كما اختاروا لها ألوان راياتهم وأعلامهم .
ولكي لا نجانب الحق ونستمر في جلد ما تبقى من الذات فلا بد لنا أن نتطرق هنا إلى بعض الوثائق السرية التي وضعتها الدول الغربية والإتفاقات التي توصلت إليها في مطلع القرن العشرين ونتدرج في استعراض بعض مراحل التاريخ العربي الحديث حتى نصل إلى المرحلة الراهنة التي صنفها سياسيو الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة بأنها مرحلة الربيع العربي والفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد . ولقد وسمها أقطاب الإستراتيجية العظمى شرقا وغربا وعلى رأسهم الولايات المتحدة بأنها مرحلة حروب الجيل الرابع والتي ابتدأت فعليا في تونس والسودان وليبيا واليمن ولكن الدول التي انصب عليها الإهتمام وتم التركيز عليها من أجل تحطيم جيوشها وأجهزتها الأمنية وتدمير أنظمة الحكم فيها في وثيقة الطوق النظيف التي تم التوصل إليها بين الولايات المتحدة وإسرائيل وكان عرابها نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك شيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فهي
مصر وسوريا والعراق وهي الجيوش العربية التي شاركت في كل الحروب العربية الإسرائيلية بدءا من حرب 1948 ولا يعلم أحد حتى هذه اللحظة ما يخبىء القدر للجيش العربي الأردني وهو رابع الجيوش العربية الذي شارك في كل الحروب مع إسرائيل .
ولا شك بأن هناك وثائق واتفاقات سرية غاية في الأهمية أثرت في مسيرة العالم العربي طوال القرن الماضي وساهمت في نحت صفحاته عبر أحداث وحروب استنفذت الثروات العربية والإنسان العربي .
وإن من حق وواجب كل إنسان عربي ان يطلع على هذه الوثائق كما أن من واجب كل الإستراتيجيين والمفكرين والمؤرخين العرب العمل على البحث عن هذه الوثائق والعمل على كشفها ووضعها بين يدي الإنسان العربي وأصحاب القرار حتى تتضح صورة الماضي ونتوصل إلى ربطها بالحاضر المر الذي تمر به الشعوب العربية قاطبة .
وبعد أن يتم سبر أغوار وأهداف هذه الوثائق لا بد وأن يصار إلى البحث عن مفهوم ومضمون حروب الجيل الرابع التي فرضتها علينا الإستراتيجية العظمى للولايات المتحدة وصناعها . وإنني أرفق في هذا البحث معلومات مفصلة حول أخطر هذه المخططات واهم هذه الوثائق وهي وثيقة بنرمان ووثيقة برنارد لويس راجيا العمل على قراءة هاتين الوثيقتين لأنهما من أخطر الوثائق التي تؤكد بما لايقبل الشك تآمر الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على الدول العربية .
ومما لا شك فيه أن أفئدة العالم العربي بأسره ينتظرون بلهفة إلى معرفة ما تحتويه أخطر الوثائق إطلاقا وما تم على تسميته بصفقة العصر وهي وبكل أسف لا يعلم خباياها غير ستة أشخاص من بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وزوج إبنته جاريد كوشنر ورئيس الوزراء الإسرائيلي ومستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون . ولا يعلم أحد من ملوك أو رؤساء الدول العربية حتى هذه اللحظة شيئا عنها لا سيما الدول المعنية بالصراع العربي الإسرائيلي .
1: المخطط الأول وثيقة كامبل
لقد تم عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام
1897 بمشاركة كافة ممثلي الجاليات اليهودية في العالم من أجل إنشاء وطن قومي لليهود بزعامة ثيودور هيرتزل وتم اتخاذ القرارات التالية
*إن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين بالوسائل التالية . تشجيع الهجرة اليهودية الى فلسطين . تنظيم اليهود وربطهم بالحركة الصهيونية واتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيوني وإعطائه شرعية دولية. ( ولقد حاول ثيودور هيرتزل في بداية الأمر إقناع السلطان عبد الحميد من أجل السماح بتوطين اليهود في فلسطين التي كانت خاضعة لإستعمار الإمبراطورية العثمانية ولكن المفاوضات باءت بالفشل ) .
*تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية بقيادة ثيودور هيرتزل
*تشكيل الجهاز التنفيذي ” الوكالة اليهودية ” لتنفيذ قرارات المؤتمر ومهمتها جمع الأموال في صندوق قومي لشراء الأراضي وإرسال المهاجرين لإقامة المستعمرات لليهود في فلسطين
وفي عام 1905 دعا حزب المحافظين البريطاني كلا من فرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وإيطاليا عام 1905 إلى عقد مؤتمر سري بحضور ديفد ولفسون الذي أصبح رئيس المنظمة الصهيونية العالمية بعد وفاة ثيودور هيرتزل استمرت مناقشاته لمدة عامين وتم التوصل في نهاية المؤتمر إلى وثيقة سرية عرفت بوثيقة هنري كامبل بنرمان نسبة الى رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت هنري كامبل بنرمان.
ولقد توصل المجتمعون الى نتيجة مفادها ” إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للإستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والإفريقية وملتقى طرق العالم وأيضا هو مهد الأديان والحضارات . والإشكالية في هذا الشريان أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان ”
وإن أبرز ما جاء في توصيات هذا المؤتمر ما يلي
1: الإبقاء على شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة ومتأخرة :-
وعلى هذا الأساس فلقد اتفق المشاركون في المؤتمر بتقسيم دول العالم إلى ثلاث فئات
الفئة الأولى : دول الحضارة الغربية المسيحية ( دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأوستراليا ) والواجب تجاه هذه الدول هو دعمها ماديا وتقنيا لتصل إلى أعلى مستوى من التقدم والإزدهار
الفئة الثانية : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها ( كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها ) والواجب تجاه هذه الدول هو إحتواؤها وإمكانية تقديم المساعدة اليها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا علينا وعلى تفوقنا .
الفئة الثالثة : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقنا ( وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام ) والواجب تجاه هذه الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي إتجاه من هذه الدول لإمتلاك العلوم التقنية .
2: محاربة أي توجه وحدوي فيها :-
ولتحقيق هذا الهدف دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن الجزء الأسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب ألا وهي دولة إسرائيل واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة.
لقد تم عرض الكثير من البحوث والدراسات ولكن الكثير منها لم يتم الكشف عنه . ولعل عامل اكتشاف النفط وظهور منافس قوي فوق الساحة الدولية ألا وهو الولايات المتحدة قد سرع في تنفيذ مقررات هذا المؤتمر من أجل السيطرة على هذه الثروة واحتلال العالم العربي وتقسيمه فنجم عن هذا المخطط ( مخطط كامبل ) اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ووعد بلفور عام 1917 ومؤتمر فرساي عام 1919 ومؤتمر سان ريمو عام 1920 ومؤتمر سيفر عام 1920 ومؤتمر سان ريمو عام 1923 وتم تتويجه بقرار الأمم المتحدة الظالم رقم 181 بتاريخ 29/11/1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وإلغاء السيادة العربية على القدس وتبعه بتاريخ 15/5/1948 وثيقة إعلان دولة إسرائيل وبتاريخ 11/5/1949 تبوأت إسرائيل مقعدها في الأمم المتحدة بصفتها العضو 59 في المنظمة الدولية.
وسوف نقوم في الجزء الثاني بتقديم مخطط برنارد لويس لتفتيت وتحطيم دول العالم العربي.
التعليقات مغلقة.