بين السياسة والأخلاق / موسى عباس

موسى عباس ( السبت ) 27/4/2019 م …
يقول الإمام عليّ عليه السلام :



” من ساس نفسه أدرك السياسة ، بئس السياسة الجَوْر ، ملاكُ السياسة العدل،من حَسُنت سياسته وجبت طاعَته “
image1.jpeg
ولا يمكن فهم السياسي إلا من خلال فهم النظرية الأخلاقية التي يلتزم بها ويتقرّب من خلالها من مناصريه ومؤيّديه  ، وبما أن  سياسة البلاد والعباد  أي إدارة الشأن العام الداخلي والخارجي تتطلب ذكاءً وعلماً وخبرةً  ليتمكن السياسي من فهم الواقع الذي يعمل فيه ومن تحليل الأمور بشكل منطقي ومن ثَمَّ استنباط الحلول للمشاكل التي قد تواجه البناء السليم للمجتمع والدولة .
وبما أنّ السياسة فَنْ المُمكن بمعنى دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيّاً  وليس الخضوع للواقع السياسي والرضى  به كما في الفهم الخاطىء لبعض السياسيين الذين يرتضون بأسوء الأمور تحت شعار ” هذا هو الواقع ويجب الرِّضى به “وذلك للمحافظة على مواقعهم ، لذا وجب على السياسي ولا سيّما من هو في موقع المسؤولية في إدارة الشأن العام  خاصةً  أن يمتلك رادعاً أخلاقياً يمنعه من تضليل الجمهور الذي اتّخذه زعيماً قدوة ، لأن في ذلك ما قد يشكّل خطراً على إستقرار المجتمع ، ومن البديهي أن يكون لديه ثبات ٌفي المواقف من الأمور المصيرية التي تَمَسُّ أمْنَ البلاد .
فكيف بأشخاص فَرضت عليهم الظروف المحيطة بهم أن يتبوؤا مواقعَ سياسية مؤثّرة في مصير  بلادهم، إمّا لأنّهم  من أُسرٍ توارثت المناصب والمواقع السياسية أباً عن جَدْ وإمّا لأنّهم ورثوا  الثروة المالية ووَجدوا في المواقع السياسية فُرصةً للوصول لمراكز السلطة لزيادة نفوذهم وثرواتهم بوسائل غير مشروعة فيعقدون الصفقات المشبوهة ويستغلون المال العام لمصالحهم الخاصة.
وللأسف من يُطلَق عليهم لقب سياسيين في العالم الثالث وخاصةً في العالم العربي  في غالبيتهم من المتسلقين درج السياسة دون كفاءةٍ أخلاقية بل على العكس يمتلكون من العُهر السياسي ما أهّلهم لجعل السياسة”فَنّ الكذب والنفاق والحقارة ” لدرجة أنّ الكثيرين منهُم لا يجدون حرجاً في إذلال أنفسهم لأعداء بلادهم مقابل الحفاظ على سلطانِهِمْ وسلطاتهم وهذا ما ينطبق على غالبية الحكام .
والأخطر من هؤلاء أولئِك الذين  بإمكانهم المحافظة على مواقعهم لِمُجرّد تعاطيهم الصادق مع مُجتمعهم ومع منُاصريهم ولكنّهُم بسبب عنجهيتهم وانانيّتهم وحقدهم وعدم ثقتهم بأنفسهم قلبوا ظهر المِجَنْ، فقلَبوا الباطل إلى حَقّ والحقّ إلى الباطل ،أوهموا من يُؤيّدهم  من مجتمعهم الطائفي أو المذهبي أنّ مصيره مرتبط ببقاء زعامتهم لأجل ذلك يستمر على تأييدهم ولا ينتفض بالرغم من قناعته أنّهم على خطأ في ما أتّخذوه
من مواقف.
وللأسف فقد أُبْتُلِيْنا في عالمنا العربي بمجموعةٍ من السياسيين أخلاقهم الفجور والنّفاق وشريعتُهُم”تضييع الأصول والتمسُّك بالغرور وتقديم الأراذل وتأخير الأفاضل” والحقد على الشرفاء  وكُرههم للحق وتآمرهم على من حرّر الوطن من الإحتلال وعلى من حماه من السقوط في أيدي الجماعات التكفيرية، ممّن لا يعتبرون بالعِبر وبالتجارب السابقة ، واحدهم لا يرعوي عن التحريض على أبناء جلدته لأنهم رفضوا الإنجرار خلف من تآمر مع الصهاينة  لتدمير بلده .
دينُهُم دينُ من يدفع لهم أكثر  ومن يشتري كرامتَهُم بأمواله المنهوبة والمسلوبة من شعبه، ومن لا يتورّع عن الولوغ في دماء أحرار الأُمّة ويبيع مُقدّساتها  ومن لا يجد غضاضةً في أن يدفع جزيةً لحثالة البشر لأجل إبقائه مُتسلّطاً على رقاب  شعوبٍ مُستضعفة تعتقد أنّ حُكّامها هم القضاء والقدر ولا يَجوز الإعتراض على حُكمهم خاصّة وأنّهم مُخدّرون بفتاوى دينية لا مثيل لها في زمن جاهليةِ عبدة الأصنام ، وهذا يعني أنّ من إعتلوا رقاب بعض فئات المجتمع هم عبيد للعبيد.
وهكذا يُمْكِننا فهم  المواقف الأخيرة لبعض الإقطاع السياسي  من خلال فهم شخصيّاتهم المتقلبة حسب هوى أسيادهم والمتلوّنة تلوّن حرباء رمال الصحراء مع كلّ إنعكاس شروقٍ أوغروبٍ أوظهيرة .
وفي المقابل رجالٌ رجال هَمُّهم حماية البلاد والعباد والذود عن حياض الوطن  لا يلتفتون إلى ضعاف النفوس ولن ينزلقوا إلى الفخّ  الذي نصبه لهم الأعداء،تجسّد فيهم قول الإمام عليّ   عليه السلام:
“اللّهُم إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا  منافسةً في سُلطان ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام، ولكن لنرُدّ المعالم من دينِك ، ونُظهرَ الإصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك ، وتُقامُ المُعطّلة من حدودك.”
*********************************

** سنكون شاكرين جدا لو تكرّمت بوضع رابط المقال على صفحات التواصل الإجتماعي الخاصّة بك ( فيس بوك ، تويتر … إلخ ).

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.