خاطرة اقتصادية / الطاهر المعزّ
الأحد 28/4/2019 م …
الأردن العربي – كتب الطاهر المعز
إن الإقتصاد العربي (الرسمي)، اقتصاد ريعي، سواء في البلدان المنتجة، أو غير المنتجة للنفط، فهو غير مُوَجّهٍ للإنتاج، رغم توفّر الموارد (الفلاحة والمعادن والموارد البشرية والخبرة…)، والإنتاج يجب أن تكون أولوياته مُوجّهَة لتلبية احتياجات الناس، من غذاء وملبس ومواد وتجهيزات أساسية ضرورية…
من المُؤسِف إن برامج قوى “اليسار” لا تعتني بهذه الجوانب، مما يعني إنها ليست جِدِّيّة ولا يمكنها أن تحكم دولة وشعبًا، ولا أعتقد إنها تطمح أن تحكم يومًا، أو حتى أن تكون معارضة ذات برنامج بديل ورؤية تقدّمية لمجتمعاتنا…
رفعت قوى اليسار شعار أو مَطْلَب “مجلس تأسيسي” في تونس، وهو مطلب قديم رُفِع قبل حوالي خمسين عامًا عندما بدأ بورقيبة يُحوّر الدّستور، ليفصّلَهُ على مَقاسِه، ولكن من رَفَع هذا الشعار سنة 2011، لم يكن يمتلك مَشْرُوعًا لدستور جديد يقترحه، خلال الحملة الإنتخابية وخلال جلسات المجلس التأسيسي، مما جعل الإخوان المجرمين (إخوان الإمبريالية) يتأقْلَمُون مع الوضع الجديد (الذي لم يُساهموا في خَلْقِهِ) في تونس وفي مصر، ويحكمون البلاد، بعقلية “السّلْطَة غنيمة حرب” (لم يَخُوضُوها) “وجب تقاسُمُها بين الإخوان وذويهم”، مع تخصيص جزء يَسِير من “الغنيمة” كرشوة…
في حال انتفض الشعب من جديد ضد فساد الإخوان، هل للقوى التقدمية برنامج بديل وتَصَوُّر لطبيعة السلطة وللإجراءات الواجب اتخاذها وسُبُلُ تمويل البرنامج (إن وُجِدَ)، وبرنامج لحل مشاكل الأمن الغذائي والبطالة والإستثمار في المناطق غير السّاحلية، وفك الإرتباط مع الإمبريالية وأدواتها (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية)، وتوفير الأموال الضرورية لاستثمارها في مشاريع مُنْتِجَة ومُشَغِّلَة لعدد كبير من العاطلين عن العمل (كالفلاحة ومشاريع السّكن والبُنْيَة التحتية…)، على أن يكون الإنتاج موجّهًا بالدرجة الأولى نحو تلبية حاجات المواطن، قبل التّوجّه للتصدير…
لماذا لا ترفع القوى التقدمية شعار “إلغاء الدّيون الخارجية”، وتتردّد كثيرًا في طرح شعار “تجميد تسديد الدّيون وخدمة الديون”؟
هل نشرت القوى التقدمية دراسة عن حاجة البلاد للإستثمارات المنتجة، وعن طرق استيعاب العاطلين عن العمل وعن التنمية (وليس النّمُو) المُتَوازِنة، بين الجهات (المَناطق) وبين القطاعات الإقتصادية، وعن إمكانية التعويل على التمويل الداخلي (عبر الإستدانة من المواطنين) أو عبر تحفيز العاملين بالخارج (في المغرب وتونس ومصر…) لتحويل مزيد من الأموال بالعُملة الأجنبية، مقابل حوافز مُشَجِّعَة…
إن مصداقية القوى التقدمية تُقاس بمدى جِدِّيتها في البحث عن حلول (قابلة للتطبيق) للمشاكل القائمة، والحلول تَفْرِضُ نفسها إذا كانت الأهداف واضحة، وإذا كان المُدافعون عنها مُقْتَنِعِين بضرورة البحث عن بديل، وبضرورة العمل من أجل إنجاح البديل، عبر تبنّيه من قِبَل الفئات المَعْنِيّة بالتغيير، وليس من قِبَل فئات من البرجوازية الصغيرة (من قادة “اليسار”) التي تسكن الأحياء الراقية، بعيدًا عن “جمهورها” المُفْتَرَض، والتي ترسل أبناءها إلى المدارس الخاصة، أو مدارس النّخبة، في الداخل وفي الخارج، لكي لا يختلطوا بالفُقراء وبالنقابيين المَحَلِّيِّين.
التعليقات مغلقة.