تركيا: مَنْ يُفوّضُ مَنْ.. الآن؟ / محمد خروب
محمد خروب ( الأردن ) الخميس 20/8/2015 م …
أعاد احمد داود اوغلو «التفويض» الذي كان مُنِحَهُ من قبل رئيس الجمهورية لتشكيل حكومة جديدة, الى رجب طيب اردوغان وقبل خمسة ايام من انتهاء «المهلة الدستورية» التي يمنحها الدستور لزعيم اكبر حزب أو كتلة برلمانية, كي يُشكِّل حكومة منفرداً أو إئتلافية, ويُصار الى تكليف رئيس الكتلة الثانية (في الترتيب العددي) كي ينهض بهذه المهمة في الفترة المحددة (45 يوماً).
لن يكون بمقدور كمال كيليتشدار اوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري (الثاني في عدد المقاعد) تشكيل حكومة إئتلافية قبل يوم الاحد القريب, لأن حزب الحركة القومية اليمينية المُعارض حسم أمره وقال في وضوح أنه لن يجلس في حكومة يُشارك فيها حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي الهويّة ولكن اليساري الايديولوجيا والخطاب والتحالفات), لأنه (الحركة القومية) لا يعترف بالقومية الكردية ولا يؤيد منح الكرد أي حقوق ثقافية أو الاعتراف بهويتهم القومية والحضارية.. الامر الذي يعني أن حكومة مُعارِضة لحزب العدالة والتنمية, لن ترى النور – الان وفي المستقبل – رغم امتلاكها الاغلبية, في حال التقت احزاب المعارضة الثلاثة المُمَثلة في البرلمان, حزب الشعب الجمهوري, حزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي.
ماذا يعني ذلك؟
بات خيار الذهاب الى انتخابات مبكرة مُتاحاً الان, وهو خيار عمل عليه الثنائي اردوغان – اوغلو منذ هزيمتهما في انتخابات السابع من حزيران الماضي, وإن كانا التزما بقواعد اللعبة الديمقراطية ولكن بتحايل وتضليل وخصوصاً بوضع شروط قاسية وتعجيزية على احزاب المُعارَضة كي تنخرط في حكومة ائتلافية, يُراد لها – احزاب المعارضة – ان تكون مجرد ديكور لحكومة يقودها ويفرض خياراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية, الحزب الحائز على اكبر عدد من المقاعد, ولكن ليس باغلبية تُمكّنه من تشكيل حكومة من لون واحد, ما دفع بحزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية الى رفض «العروض» التي قدمها اوغلو, واختارا البقاء في مقاعد المعارضة, فيما كان حزب الشعوب الديمقراطي قد حسم أمره مبكراً, وقال أنه لن يشارك تحت أي ظرف في حكومة «إئتلافية» مع حزب العدالة والتنمية.
فهل الظروف باتت ناضجة كي يُعلن صلاح الدين ديميرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي, استعداده للمشاركة في حكومة جديدة (برئاسة العدالة والتنمية) تُمهّد للانتخابات المبكرة؟
ثمّة من يقول انها خطوة تكتيكية ذكية من قبل ديمييرطاش, الذي يريد أن يبقى في «الصورة» حتى تشرين ثاني الوشيك وهوالموعد المتوقع لاجراء الانتخابات المبكرة، بعد ان لم يعد أمام حكومة تصريف الاعمال التي يقودها داود اوغلو غير الاستقالة, وتشكيل حكومة انتقالية (بمشاركة) الاحزاب الممثلة في البرلمان – ولكن بمن رغب منها – لتسيير امور الدولة حتى ظهور نتائج «ام المعارك» التي غامر اردوغان بخوضها ظنا منه انه وبعد ان اعلن الحرب على حزب العمال الكردستاني التركي PKK وتظاهر بانه «شريك» في الحرب على داعش، رغم التشكيك الذي ما تزال اوساط غربية سياسية واعلامية وعسكرية تُوَجهه الى اردوغان واهدافه الملتبسة التي يحاول تسويقها والتي تصب في النهاية لصالح هدف «وحيد» وهو زيادة حصة حزبه من اصوات «القوميين» الاتراك (كذلك بعض الكرد) الذين يُفزعهم حجم العنف المتزايد في البلاد، الامر الذي – كما يتوهم اردوغان – يدفعهم لاعادة «تفويض» حزب العدالة والتنمية لقيادة البلاد منفردا وربما التوفر على ثلثي مقاعد البرلمان (367 من 550) كي يتسنى له تعديل الدستور وتحويل النظام البرلماني الحالي الى نظام رئاسي.
احتمال قيام حكومة انتقالية تتولى التحضير للانتخابات المبكرة, يبدو, هو الاخر احتمالا ضئيلا حتى لا يُقال مستحيلاً, نظرا لان الاحزاب الاربعة المُمَثلة في البرلمان, بافتراض موافقتها كلها على المشاركة فيها, لن تتوافق – ما بالك ان تتفق – على كثير من الملفات والقضايا والقرارات، ما يعني انها ستكون حكومة مشلولة تماماً وغير قادرة على «تسيير» البلاد في مهلة الاشهر الثلاثة، التي يفرضها الدستور لاجراء انتخابات مبكرة, بعد تعذر قيام حكومة ائتلافية في البلاد، دون إهمال امكانية خروج احمد داود اوغلو من المشهد – ككبش محرقة – وتحميله المسؤولية عن فشل الحزب في انتخابات السابع من حزيران الماضي, وهو امر وارد عندما ينعقد مؤتمر حزب العدالة والتنمية الجديد في 12 أيلول المقبل لاختيار (او التجديد) لرئيسه والقائمة التي ستخوض الانتخابات المبكرة.
في انتظار تلك المواعيد الحاسمة، والتي يصعب التكهن بمساراتها ما بالك بنتائجها، يجب التوقف عند الاحتمالات المفتوحة والتغييرات المتوقعة على موازين القوى ومعادلة التحالفات الداخلية والاقليمية القائمة الآن وأيضاً المُتوقعة, بعد ان يصادق الكونغرس الأميركي أو يستخدم أوباما «الفيتو» على قرار الكونغرس بمعارضة الاتفاق النووي مع ايران، وما ستحمله ساحات المعارك المفتوحة والمحتدمة في اليمن وليبيا والعراق وخصوصاً سوريا من عناوين وإشارات.
ما يعني ان سؤال: مَن يُفوِضْ مَن في تركيا.. سيبقى قائماً وبلا جواب حاسم.. الآن.
التعليقات مغلقة.