كيف مات صديقي عامل الوطن .. علاء !! / العميد ناجي الزعبي
العميد ناجي الزعبي ( الأردن ) الجمعة 3/5/2019 م …
لا يمكن ادراك قهر الفقر وذله وانكسار صاحبه الا من ذاق عذابه ومرارته
مات صديقي علاء عامل نظافة حينا … توفي اثناء العمل وهو يتشعبط بسيارة النظافة .
وقع منها اثر قيام السائق باستخدام الكوابح فجأة واصدم راسه بالرصيف وكسرت جمجمته وتوفي على الفور .
لم تكن وظيفته التجوال مع سيارة النظافة بل كانت تحديداً نظافة الحي ، لكن غياب احد زملائه جعله يتطوع او ربما كُلِف بالقيام بواجب زميله وربما لانعدام خبرته وعدم تعوده على التشعبط بسيارة جمع القمامة كانت السبب في سقوطه منها.
وكأن الموت طبقي فقد مات وهو يتعلق بسيارة النظافة ، علاء لم يعش يوماً واحداً عرف به معنى الترف والراحة ، لم يحلم ولم يبتعد – ان حلم – بعيدا باحلامه ، لم يحلم حتى بزي غير زي عامل الوطن ، فقد كان يقول لي الحمدلله مشكلة اللبس محلولة ،
لقد وأد احلامه او وأدته احلامه ربما .
لم يحلم بالتنزه او تناول وجبة الفلافل والحمص بمطعم بل على الرصيف وزجاجة الماء بشربها من اي حنفية في اي منزل بالحي لم يحلم بالسفر ولا بان يذهب لشرم الشيخ او لانتاليا اومرمريس اويعرف ما معنى فلانتاين ، ولا حتى بالوردة الحمراء ، كانت اقصى احلامه ان يشبع العيال على الغداء ثم ” بيفرجها الله على العشاء “
وحلم بعلاج لزوجته وولده الذي مرض دون ان يجد العلاج المناسب ، وغادر دون ان يعالج طفله .
فاحلامه كانت متواضعة بحجم انسان اردني مطحون بالفقر والذل والقهر
فحلم الدجاجة ،،، قمحة ،
علاء لم يحلم بسيارة ولا حتى بدراجة العجلات ، ولا حتى التنقل بالباصات فقد كان يتعلق باي بك اب .
احلام علاء مدقعة كفقره ، وعمره مضى بين نفاياتنا الفكرية والبشرية ، وموته متواضع ، مفرط بالتواضع والبؤس ، موت موجع .
تحطمت جمجمته وغاب بلا عودة.
غياب مجاني بلا عوائد ولا فوائد ولا مردود.
واعتقد ان زوجته سوف تتشعبط بغراب البين لتحصيل الفتات من حقوقه ، ان كان له حقوق .
سنين طويلة مضت وهو مخلص في عمله متفاني يرتبط بعلاقات طيبة وصداقات متينة مع العديد من الجوار، وصداقة من نوع خاص بي شخصياً.
لديه خمسة اطفال وزوجته حامل بالطفل السادس .
لم يشكو يوما ، لم يتذمر ، كان راضي عن حياته كل الرضى قنوعاً لا يقبل مساعدة تزيد من وجهة نظرة عن البخشيش المعتاد ، وهي بضعة دنانير في احسن الاحوال .
كان يرفض التوقف لشرب الشاي يرفض
ان يحتسيه الا وهو يعمل.
عامل النظافة ، عامل الوطن الذي جعل من الحي الذي اقطنه نظيفا ًبشكل دائم ،وكان يشعر الجميع بوده الخاص ويعمل على تنظيف ساحات وشرفات منازلهم دون انتظار مقابل .
اخر مرة تقابلنا كان بمنتهى البشر والسعادة ، قال لي لقد حصلت على زيادة مجزية
قلت : كم بلغت قيمتها
قال : ٢٥ دينار شهرياً وعيناه الفرحة تحدق بعيوني ليرى ردة فعلي .
قلت :كم بلغ مجموع راتبك
اجاب : ٣٧٥ دينار مع تامين الضمان يعني الوضع تمام !!
قلت : لا زلت تقطن بالبقعة
اجاب : نعم
قلت : وتتنقل بالمواصلات
اجاب : نعم
قلت وتقطن بالايجار
اجاب : نعم لم يتغير شئ والوضع في تحسن .
قلت : ارجوك لنشرب الشاي معاً
اجاب : صدقني شارب ومفطر ولدي عمل كثير ،،
واردف : تامرني بشي ؟
قلت : وانا اناوله بضعة دنانير وهو يتعفف بصدق ،
عجيب امرك يا صديقي .
ابتسم ابتسامة الرضى واجاب : انا بالف خير لا .تقلق يا صديقي لا تقلق ،،
ومضى وابتسامته المعتادة ترتسم على محياه وهو يردد
انا بالف خير ..
مضى ولن يعود ،
بانتظار كائن حي او عبد رقيق بزي وردي اخر واشلاء احلام وانسان بداخل الزي
عاش الوطن
التعليقات مغلقة.