تحرير ادلب: بين قرار الحسم والرفض الأمريكي / د. خيام الزعبي
د. خيام الزعبي – جامعة الفرات ( سورية ) الأحد 5/5/2019 م …
اليوم تتسارع الأحداث وتجري الاستعدادات على قدم وساق لحسم معركة إدلب و تضييق الخناق على“النصرة” والقوى المتطرفة الأخرى، وأثبت الميدان العسكري أن سورية قامت بقلب موازين المعادلة وأسقطت حسابات أمريكا وحلفائها في المنطقة. فتحرير إدلب لا شك أنه سيشكل فرحة عارمة لدى السوريين، إلا أنه في الوقت نفسه يضع العديد من التساؤلات الهامة عن مستقبل سورية والمنطقة بأكملها، هل يعني هذا التحرير نهاية الوجود الداعشي في سورية ؟، وهل سيكون هذا التحرير نهاية الأزمة السورية؟، وهل سيكون آخر مسمار في نعش الرئيس الأمريكي ترامب ومشروعه الخبيث في المنطقة ؟ .لا يختلف إثنان أنّ الوقتَ قد حان للبدء بعمليات تحرير ما تبقّى من الأراضي السورية التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، من الواضح أن الرئيس الأسد حسم الموقف وإتخذ قراره في استعادة السيطرة على محافظة إدلب وبعث برسائل ساخنة وخطيرة إلى تركيا التي تدعم الإرهاب وتستخدمه بكافة الوسائل والإمكانيات، ورسائل أخرى إلى دول كبرى تمارس نفس الشيء، ولا تستكان عن استخدام الإرهاب واستثمار نتائجه لتحقيق مصالحها وأهدافها في المنطقة.
من المتوقع أن تبدأ معركة تحرير إدلب ومحيطها من ريف حماة الشمالي الغربي لإيقاف العمليات الإرهابية التي يقوم بها جيش العزة والنصرة، والتي تستهدف المناطق الآمنة ونقاط تمركز الجيش السوري في مختلف هذه المناطق، هذه العملية يتوقع أن ترافقها عمليات نوعية وكبرى بمناطق ريف حلب الجنوبي الغربي، ولذلك اليوم نرى أنّ هناك حالة من الترقب من التركي الأميركي الكيان الصهيوني لتطوّرات عسكرية مفاجئة بمعركة تحرير محيط إدلب.
في الجانب الآخر بدأ الجيش السوري وبدعم جوي روسي بإرسال تعزيزات عسكرية إلى جبهة ريف إدلب بالتوازي مع إرساله تعزيزات عسكرية إلى محور ريف حماة الشمالي ، للاستعداد لعملية عسكرية كبرى “خاطفة وسريعة” لتحرير محيط إدلب، بعد رفض الجماعات الإرهابية التابعة لجبهة النصرة الخروج من مناطق إدلب تنفيذاً لبنود اتفاق سوتشي، ووصول المفاوضات على ما يبدو بين الأتراك والروس بخصوص إدلب إلى طريق مسدود.
وفي الاتجاه الأخر يتابع الجيش السوري تطوير قدراته العسكرية ويعزز ترسانته بأحدث أنواع الآليات التي تمكنه من تحقيق إنجازات ضخمة في إدلب من خلال استخدامه آليات عسكرية مدرعة تشبه الدبابة “ترميناتور” والتي سيكون لها الأثر الكبير على مجرى الأحداث الميدانية والعسكرية في هذه المعركة.
مسرح عمليات المواجهة القادمة سيكون متعدّد المحاور والجبهات لتشتيت جهد جبهة النصرة وتحقيق انتصارات ساحقة وسريعة، لذلك لن تجد الجماعات المتطرفة ما تبكي عليه بعد خسارتها أكبر المواقع الإستراتيجية في إدلب، سوى أن تعيد مع داعميها النظر في إستراتيجياتها المتبعة، من أجل خلق وتعزيز مخطط “الفوضى الخلاقة” وهو الأسلوب المرجح من قبل العديد من المحللين السياسيين ممن حذروا من أن خسارة إدلب قد تدفع بهذه الجماعات لتنفيذ المزيد من الهجمات الشرسة في مناطق أخرى متفرقة من سورية التي تمثل بعداً إستراتيجياً مهماً لواشنطن ولحلفائها من الغرب في المنطقة، إذ تدعي أمريكا اليوم ان “النظام السوري” يستعد لشن هجوم كيميائي قي بعض مناطق إدلب، وهي مسوّغات لمواصلة عدوانها على الجيش السوري خاصة بعد التقدم الكبير الذي حققه في مختلف المناطق، ولهذا تريد تفجير الموقف مجددا في سورية لأنها لا تريد لهذه الحرب أن تنتهي وأن يتوقف شلال الدم بأي شكل من الأشكال، لأنّ البيت الأبيض يعرف أنّ نجاح وإنتصار الجيش السوري معناه انهيار الجماعات المسلحة والإرهاب ومجمل أصناف التدخّلات الخارجية في سورية.
ما يحصل اليوم من تطورات على الساحة العسكرية أثبتت الأحداث إن وجود أمريكا بتحالفها الدولي ومبرراته أصبحت واهنة وغير منطقية وهي لم تقدم أي شيء كان ينتظره السوريين قبل دول العالم، إذ تأتي بأحدث طائراتها لتقدم المساعدات لداعش في بعض المناطق، ولترسم خريطة كانت مرسومة منذ عقود في أذهان الساسة الأمريكيين وهو تقسيم سورية إلى دويلات وحماية مصالحها وحلفاءها الإستراتيجيين الإسرائيليين والدول العربية التي أبرمت مع أمريكا معاهدات حلف إستراتيجي، لكن الجيش السوري بعد كل السنوات من حرب الوجود ما زال صامداً يضحي بأغلى ما عنده في سبيل وطنه وشعبه، ولا يزال مستمر في مواجهة المؤامرة التي إستهدفت الوطن السوري والسعي إلى تمزيقه وتفتيته.
مجملاً…. إن شراسة المعركة الجارية في ادلب ، وزيادة إرتباك أمريكا وحلفاؤها تشير إلى أن الحرب اقتربت من جولتها الأخيرة، فالتحالف الأميركي الغربي وحلفاؤه حشدوا كل مرتزقتهم على جبهة إدلب لتحقيق أي كسب معنوي يوظفه على طاولات المفاوضات القادمة، لكن إدلب بفضل جيشها ستدفن أحلامهم وما هي إلا أيام وسنرى العلم السوري يرفرف في وسطها، وباختصار شديد… معركة إدلب هي ضربة جديدة للدول الداعمة للإرهاب، ما يعني أن تحرير إدلب يشكل بوابة جديدة لعبور الأزمة السورية وطوي صفحة أخرى من كتاب التنظيمات التكفيرية وستكون بالقدر نفسه على طريق الخلاص من الإرهاب في سورية، كل هذا يؤكد بأن ادلب سوف تغادر محطات الإنتظار بسواعد جيشها ومساندة حلفاؤها، وأنه لا مجال للإنكسار أو التراجع، وأن إدلب على مسافة خطوة واحدة من الحسم.
التعليقات مغلقة.