فلسطيــن القضيــة و الشــام الهويــة / أحمد الشرقاوي
أحمد الشرقاوي ( فلسطين ) السبت 22/8/2015 م …
قبل الأحداث، نزلت بمطار دمشق.. وبينما كنت أنتظر إتمام معاملة الجوازات في الصف، تقدم نحوي شخص لا أعرفه بلباس مدني، أدركت بالبديهة من هيئته وقسمات وجهه وحركاته أنه ليس مسافر.. كانت عيونه توشي بأنه من البوليس السري…
سألني وعلى وجهه ابتسامة من النوع المصطنع: هل أنت فلسطيني؟..استغربت السؤال ولم أجب.. قال: بالتأكيد أنت عربي.. قلت: سأكون شاكرا لك لو أخذت جواز سفري لتنجز معاملة العبور نيابة عني، وبالمناسبة ستعرف كل شيئ عن هويتي وعن سبب زيارتي..
طلب مني أن أخرج من الصف وأرافقه، مررنا الحاجز ودخلنا مكتبا صغيرا للأمن، سلم الجواز لأحد أعوانه وطلب منه القيام باللازم في نقطة العبور وقدم لي الشاي ثم سألني: أنت قادم من الولايات المتحدة، من شيكاغو تحديدا، أليس كذلك؟.. قلت نعم. قال: كيف هي أحوال العرب هناك؟.. قلت بخير والحمد لله.. قال: وماذا عن الفلسطينيين؟..
قلت: ما سر اهتمامك بالفلسطينيين في أمريكا، وما علاقتي بالموضوع؟.. ابتسم وقال: أليس الشعب الفلسطيني هو أعز الشعوب لدى العرب؟.. قلت: وما قيمة شعب بلا أرض؟.. وهل للهوية من معنى حين يضيع الوطن ويتحول إلى مجرد قضية يساوم بها تجار الشنطة في العواصم العربية والعالمية؟..
قال: كيف؟.. أخرجت وثيقة من حقيبتي وقلت له: تفضل، هذه نسخة من دراسة مقتضبة أعدها قسم الدراسات الديموغرافية والسياسات السكانية بجامعة شيكاغو، تتحدث عن أن في ولاية شيكاغو وحدها يوجد 50 ألف مهاجر فلسطيني، معظمهم رجال أعمال، وأفقرهم له ‘سوبر ماركت’ صغير..
تفحصها الرجل لبرهة باهتمام شديد وعلامات التعجب بادية على محياه، ثم سألني: من أين لهم هذا.. هل الحلم الأمريكي حقيقة أم خيال؟.. قلت: الدراسة تقول أنهم لم يحصوا على ثروتهم بكدهم وجهدهم بل قدموا إلى أمريكا بالأموال كمستثمرين.. قال: هل هم رجال أعمال أصلا؟.. قلت: نعم لكن من صنف “تجــار الشنطــة” الذين باعوا القضية الفلسطينية واشتروا بها الهوية الأمريكية مع حفنة من الدولارات (إلا من رحم الله)..
قال: ضاعت إذن القضية.. قلت: لا وألف لا وكلا.. لا يمكن أن تضيع القضية ما دام في فلسطين من باع سوار أمه واشترى بندقية، ومن يقاوم وراء الأسوار والحواجز والأسلاك بطفولته كالرجال وهو لا يملك غير لحم جسده والحجارة سلاحا يناضل به من أجل الحرية، ومهما تآمر أشباه الرجال وباعوا واشتروا.. ستظل فلسطين هي القضية والشام هي الهوية..
لأن فلسطين يا سيدي في الأصل، قبل فتح وقبل حماس، وقبل الخيانة العربية وخرائط الذل الصهيونية، كانت قطعة جميلة قدت من بلاد الشام التي رضي عنها الرسول وباركتها السماء..
ودمشق يستحيل أن تتخلى عن خصرها المغتصب ومجدها المهان وتاريخها المسروق من قبل الصهاينة وأشباه الرجال، لأنها هي من ستغير الأقدار في عهد الأسد بخيول هشام، ورماح عمر بن العاص، وسيوف خالد بن الوليد، ودروع صلاح الدين..
*** / ***
انتهى الاستجواب.. شكرني الرجل والحزن في عينيه يفضح ما يختلج بصدره من غدر العرب، فهمت أنه تحول من بوليسي إلى إنسان، فقلت وأنا أودعه وأعانق ليل دمشق: لك الله يا شام يحفظك ويحميك..
*** / ***
اليوم وأنا أتابع الأخبار الصادمة عن قرب توقيع حماس لاتفاق هدنة مع “إسرائيل” لـ 10 سنوات مقابل ميناء عائم يراقبه جنود صهاينة وبضع دولارات من “السعودية”، قلت: وماذا يرجى من تنظيم نقض مرجعيته الإسلامية، ومزق هويته العربية، وحول غزة في عصر المماليك والإمارات إلى غرناطة جديدة، وطعن سورية وحزب الله في الظهر بخنجر الغدر، وباع دعم إيران وإخلاص إيران ومحبة إيران، واشترى بها مصلحة “السعودية” وقطر وتركيا؟..
تستطيع حماس أن تبيع المقاومة كما باعتها فتح من قبل، لكن لا حماس ولا فتح ولا غيرهما من تجار الشنطة يستطيعون محو القضية وطمس الهوية وتحويل فلسطين إلى فلس مقابل طين لتصفية القضية..
لا يمكن لفلسطين أن تتحول من قضية تحرير إلى قضية حصار.. تنتهي بميناء محاصر، وأرصدة في بنوك عربية، ووعد بسلطة وهمية، وأدبيات تبشر بشعارات التحرير إلى يوم الدين، بناء على فتوى إخونجية تقول بجواز التفاوض مع الصهاينة.. هذا خداع وزيف وتحوير وتضليل..
ستبقى فلسطين شوكة في عيونهم بعد أن أضاعوا الرشد وبدلوا الخيار وغيروا السير والمسير.. لأن قدر فلسطين أن تبقى أبد الآبدين هي القضية برغم الظلم والحصار والمعاناة، وقدر الشام أن تظل هي الهوية إلى أن يأذن الله باليوم الأكبر..
فلسطين لا يمكن اختزالها في قطعة جغرافية يساوم عليها أشباه الرجال ويقايض بها لصوص الشرعية الذين احترفوا الخسة والغدر والخيانة، من أجل تحقيق مصالحهم الأنانية ومصالح أسيادهم الانتهازية..
لم تنجح” السعودية” ومن معها من أنظمة العهر والرذيلة من خلال طرحهم الهجين لمبادرة الاستسلام في تحويل فلسطين الأبية إلى علبة سردين تهم فتح في الضفة أو حماس في القطاع.. لأن فلسطين بفضل شرفاء الأمة في محور المقاومة كانت، ولا زالت، وستظل قضية الأمة العربية والإسلامية، يرعاها رجال الله الشرفاء بدعم من السماء..
يستطيع العميل خالد مشعل والطرطور إسماعيل هنية وجناحهم السياسي أن يقدموا غزة على طبق من ذهب لإسرائيل ثمنا يستثمره خليفة الإخوان السلطان أردوغان في انتخاباته الداخلية نصرا زائفا برائحة الخيانة، ليسرقها من إيران وسورية وحزب الله الذين دعموا لعقود المقاومة وقدموا في سبيل تقوية عودها وتحصين قدرتها على الدفاع والصمود والنصر الأثمان الغالية والتضحيات الجسام وهم يرددون بقناعة الرجال وإيمان الأنبياء: “أرواحنا فداك يا فلسطين الجميلة، وكل شيئ يهون من أجلك يا قدس الحزينة”..
فعل الخيانة الدنيئة هذا لن يحول أردوغان إلى سلطان، ولن يعيد الإخوان إلى عرش مصر، ولن يجعل من حماس وريثة سلطة فتح.. لأن الله كتب في الذكر بعد الزبور أن فلسطين سيحررها أسد دمشق بأجناد الشام وأجناد اليمن وأجناد العراق، بدليل عمود النور الذي تحرسه الملائكة فوق جبل قاسيون، وأن القدس ستعانق دمشق يوم العرس الكبير الموعود، فتعود الشام كما كانت موحدة في علم الله العلي العظيم قبل أن يبدأ التكوين..
فدعهم يمكرون ويمكر الله ومكر الله أكبر.. ودعهم يبررون بفقه الخيانة من قاموس الغدر ما يشاءون.. لم تعد الأقوال تعنينا بعد أن ذبحتنا الأفعال من قبل..
اليوم لم نعد نسمع لحديث أو خطاب بعد أن فقد الكلام معنى الكلام، لأن كل ما لا يقوله الإعلام الحربي للمقاومة الشريفة في لبنان وسورية والعراق واليمن لا يعنينا في شيئ..
ما عدنا نسمع ونفهم سوى صوت الرصاص حين يبرق، والصاروخ حين يرعد، والدبابات حين تزمجر، الطائرات حين تزبد… فتدك معاقل المرتزقة الخونة والتكفيريين المجرمين.. هذه هي اللغة الجديدة التي نستوعبها، ومن بطون قواميسها المدونة بلغة النار نميز بين الصدق والكذب، بين الحقيقة والخداع، بين الرجال وأشباه الرجال..
فاركبي المجد يا دمشق حصانا، وصولي وجولي في ميادين الوغى، لا يضيرك غدر الأقزام، لأن التاريخ لا يصنعه إلا الرجال الشرفاء، ولا يدون من قبل الملائكة في أم الكتاب إلا بدماء الشهداء..
فبارك الله فيك ولك يا شام يا أرض الأنبياء، يا مهد الرسل والرسالات، يا منبع الحضارات وحصن البطولات وقلعة الأمجاد، يا أرض الجهاد المقدس.. بك بدأ التاريخ، ويوم قيامتك سينتهي الزمن لتبدأ قصة الخلود..
فطوبى لأجناد الشام بوعد السماء.
التعليقات مغلقة.