موجز في تاريخ التدخل الأوروبي في الشؤون العربية 1096-2019 ( الجزء الأوّل) / موسى عباس

موسى عباس ( الأربعاء ) 8/5/2019 م …




1-  التدخل في الشأن المصري

يعود العداء الغربي للعالم العربي إلى زمن الفتوحات العربية التي وصلت إلى قلب أوروبا والتي توقّفت بعد معركة “بلاط الشهداء” بالقرب من مدينة “تورز ” الفرنسية في 10 تشرين الأوّل عام 732م ، وبدءاً من العام 1096م شنّ الأوروبيون عدة حملات ضد بلاد المشرق العربي عُرفت تحت اسم “الحروب الصليبية”انتهت بهزيمتهم  واندحارهم عام 1272م.

في عام 1798م قاد نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا حملة على مصر والشام قادماً من مالطا بهدف  إحتلال تلك البلاد وللحدّ من قدرة بريطانيا للوصول إلى الهند. بالرغم من الإنتصارات التي حققها في مصر إلا أنّ الثورات تلاحقت ضدّه ، وفشل في إقتحام أسوار  عكا  في فلسطين واضطر للإنسحاب تحت ضغط التحالف العثماني البريطاني ضدّه بعد أن نفذ مجزرة هائلة في مدينة يافا، وعاد إلى فرنسا سراً ولحق به  ما تبقى من جيشه بعد عقد اتفاقية أشرف عليها قائد الأسطول الإنكليزي في أيلول 1801.

طموحات محمدعلي باشا والي العثمانيين على مصر  تثير مخاوف الأوربيين . 

كان محمد علي باشا الإلباني الأصل احد قوّاد الكتيبة العثمانية التي أُرسِلت إلى مصر لمواجهة الفرنسيين عام 1801 م ، وفي العام 1805 عيّنَه السلطان العثماني والياً على مصر ، وسرعان ما عمل على التخلّص من مناوئيه في الداخل ووسّع حدود سيطرته جنوباً فضمّ السودان إلى حكمهِ بعد معارك عنيفة انتهت عام 1822م.

أثار تعاظم  دور محمد علي باشا في مصر مخاوف الإنجليز  وقرروا التخلّص منه ، فأرسلوا جيشاً بقيادة الجنرال فريزر لاحتلال الإسكندرية في آذار 1807 لكنه فشل  في البقاء فيها .

> عندما استولى الوهابيون  بمساعدة عبدالله بن سعود على بلاد نجد والحجاز وعاثوا فساداً في العراق والشام طلبت الدولة العثمانية من محمد علي باشا  القضاء عليهم واستعادة  الأراضي التي سيطروا عليها،  استجاب حاكم مصر وأستطاع جيشه بقيادة ولده “طوسون” بعد حروب خاضها بين أعوام 1811-1818 القضاء على دولة الوهابيين، وهكذا أصبح والي مصر الأقوى بين الولاة العثمانيين ، ويمتلك جيشاً قوياً واسطولاً بحرياً  فرض وجوده في البحر المتوسط واستعان به العثمانيون لمواجهة أساطيل فرنسا وبريطانيا وروسيا في حرب إستقلال اليونان عن العثمانيين حيث وقعت معركة خليج”ناڤارين”عند السواحل اليونانية في 20 تشرين الأوّل عام 1827  التي انتهت بهزيمة العثمانيين وحلفائهم وتدمير  غالبية سفن الأسطول المصري.

كان محمد علي باشا يطمح في توسيع رُقعة حكمه نحو بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية والسيطرة على ما كان يُعرف تحت اسم”طريق الحج” الى “مكّة المُكرّمة” ،بدايةً أيّد الأوروبيون محمد علي رغبةً في إضعاف الجيشين المصري والعثماني فدعمته فرنسا بالسلاح وأرسلت له مستشارين وخبراء فرنسيين في مجالات عدّة برز منهم “كلوت بك” الذي أشرف على الوضع التعليمي لبلاد الشام وذلك رغبةً منها في العودة إلى مصر ولبسط نفوذها على بلاد الشام كما أن الإنكليز كانوا يرغبون بالدخول إلى مصر وبلاد الشام وحماية طريق مستعمراتهم في الهند وكذلك لعدم تمكين الفرنسيين من العودة إلى مصر.

في عام 1831 أرسل محمد علي باشا حملة عسكرية بقيادة ابنه إبراهيم باشا واحتل بلاد الشام  طارداً منها الجيوش العثمانية وتابع تقدمه إلى أن وصل إلى “قونية” جنوبي الأناضول حيث دارت معركة طاحنة أدّت إلى هزيمة الجيش العثماني هزيمة ساحقة وأصبحت القسطنطينية مُهدّدة فاستنجد السلطان العثماني بالأوروبيين فأرسلت روسيا أسطولها مما أثار حفيظة فرنسا وبريطانيا اللتان خشِيتا من سيطرة روسيا على الممرات البحرية “البوسفور والدردنيل”فسارعتا الى عرض مساعدتهما للسلطان العثماني إضافةً إلى أنهم كانوا قد وجدوا أنّ خططهما كُلّاً على حدا في السيطرة على مصر وبلاد الشام قد أعاقتها طموحات محمد علي،سعت فرنسا إلى إقناعه بضرورة وقف تقدم جيشه وهددته بقطع العلاقة مع مصر وبسحب المستشارين وأرسلت بريطانيا  تهددهُ بالتدخل في القتال إلى جانب العثمانيين  إذا لم يتوقف  الجيش المصري عن التقدُّم داخل الأراضي التركية ، وهكذا أُرغِمَ  حاكم مصر على الإنسحاب من أراضي السلطنة ووافق على توقيع معاهدة “كوتاهية” مع العثمانيين في أيّار 1833 إحتفظ بموجبها بحكم مصر وجزيرة كريت وبلاد الشام.

في 15 حزيران1839 تجدّد القتال بين الجيش العثماني وقوات إبراهيم باشا وتلقى العثمانيون هزيمة مُنكرة أجبرت السلطان العثماني “عبد المجيد الأوّل” على إجراء مفاوضات مع محمد علي الذي وافق على عقد الصلح  مُشترطاً أن يكون حُكم بلاد مصر والشام حقّاً وراثيّاً لأسرته.

كاد السلطان العثماني أن يوافق لكن بريطانيا وبروسيا وروسيا والنمسا أخافها أن يَحُلّ  محمد علي باشا القويّ مكان السلطنة العثمانية الضعيفة في المشرق العربي فأرسلت للسلطان رسالة مُشتركة تطلُب منه وقف المفاوضات مع محمد علي،أمّا فرنسا فأبقت علاقاتها جيِّدة مع مصر على أمل أن يكون لها مركزاً ممتازاً في المنطقة.

عقدت الدول الأربع عام 1840 إتفاقيةً مع الحكومة العثمانية في لندن  ، عرضت تلك الدول على محمد علي حكم مصر وراثياً وحكم عكّا مدى حياته، وأنذرته  بضرورة الموافقة خلال عشرة أيّام وإلاّ أُلغيت من حكمه ولاية عكّا لكنه  إسْتَخفَّ بالتهديد مُستنداً إلى الدعم الفرنسي له، وبعد إنقضاء المدة دون أن يجيب أبلغه قناصل الدول الأربعة بأن ولاية عكّا تمّ سَحبها من الإقتراح وأنه سيتم خلعه من ولاية مصر إذا لم يوافق على إقتراحهم خلال عشرين يوماً.

كان محمد علي يُراهن على نشوب حرب أوروبية تُنقذُهُ ، لكن رهانه كان خاسراً فسرعان ما أصدر السلطان العثماني فرماناً بخلعه من ولاية مصر ، وأمرت الحكومة البريطانية أسطولها بقطع الطريق البحري بين مصر والشام وبقصف  الموانىء في تلك البلاد وقطعت الدول الأربعة المتحالفة علاقاتها مع مصر واشتعلت الثورة في بلاد الشام ضد الحكم المصري .

أضطر محمد علي الى الرضوخ بعد أن وجد أن فرنسا لن تستطيع مواجهة الدول الأوروبية ووقّع اتفاقية مع قائد الأسطول الإنجليزي المُرابط مقابل الإسكندرية  “نابييه” مُشترطاً الاعتراف بأن يكون الحكم وراثياً لأسرته على مصر  وساندته فرنسا في موقفه عندما رفض السلطان العثماني الشرط بإيعاز من بريطانيا،وخوفاً من وقوع حرب أوروبية تدخّلت النمسا وبروسيا ضاغطةً على بريطانيا التي ألزمت السلطان العثماني بالموافقة ، وهكذا إنتهت مرحلة أولى من التدخل الأوروبي  خاصّةً البريطاني والفرنسي لتبدأ بعد بضع سنوات المرحلة الثانية.

السيطرة الفرنسية البريطانية على قناة السويس:

عام1798 فكّر نابليون بونابرت بعد احتلاله مصر في شق قناة السويس للربط بين البحرين الأحمر والمتوسط ولكن فكرته  لم تُنَفّذ إذ سرعان ما رحل عن مصر.

في العام 1854 عقدالفرنسي”فرديناند ديليسبس ” إتّفاقاً مع الخديوي محمد سعيد باشا الذي استحصل على موافقة السلطان العثماني ،نصّ الإتّفاق على منح امتياز شق ّ القناة للشركة الفرنسية التي يديرها ديليسبس وتشغيلها لمُدّة 99 عاماً ،عارضت بريطانيا المشروع لعدّة أسباب كان أهمها رفض الوجود الفرنسي في المنطقة خاصةً وأن هذا النفوذ سيتعزّز مع بدء عمل القناة ، وسعت لإقناع السلطان العثماني وخديوي مصر  بالتراجع  لكنّ محاولاتها باءت بالفشل ، وبعد تنفيذ المشروع وافتتاح القناة عام 1869م عبرت جميع السفن بما فيها البريطانية القناة دون أي عائق ، وفي العام 1875 عرض الخديوي إسماعيل باشا أسهم مصر في قناة السويس للبيع لسداد ديون الخزينة المصرية التي أفلست نتيجة الإسراف والتبذير ، تلكأت فرنسا عن الشراء فما كان من بريطانيا إلا أن إشترت الأسهم بمبلغ يُقارب الأربعة ملايين جنيه إسترليني ذهباً دفعهُم بنك روتشيلد أغنى أغنياء الصهاينة في ذلك الزمن وهكذا أصبحت بريطانيا شريكة فرنسا في قناة السويس المصرية.

-الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882.

ثار الضابط في الجيش المصري أحمد عرابي عام 1881 ضد الخديوي توفيق وضد التدخل الأجنبي الذي وصل الى حد وجود مراقب بريطاني للمالية المصرية إضافةً للمستشارين الأجانب الذين كانوا يديرون شؤون مصر الداخلية والخارجية، وأجبر الخديوي على الإستجابة لمطالبهم، إلا أن البريطانيين كان لهم رأي آخر حيث تدخل أسطولهم وجيشهم وهزموا عُرابي في معركة “التل الكبير” عام 1882 وقضوا على ثورته واحتلوا القاهرة ، وأصبحت مصر بالكامل خاضعة فعلياً للإنكليز سياسياً واقتصادياً وعسكرياً .

في 23تموز 1952 قاد الضباط الأحرار ثورة ضد الملك فاروق أحد أحفاد محمد علي باشا وضد الإحتلال الإنكليزي لمصر واستولوا على الحكم بتأييد من الشعب المصري وفي العام 1954  أُجبِرت بريطانيا على توقيع اتفاقية الجلاء عن مصر بعد مقاومة شعبية عنيفة ضد قواتها المتواجدة حول القناة بحجة حمايتها وفي العام  1956 أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم  قناة السويس فما كان من بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني إلا وشنوا الحرب على مصر وعُرفت باسم العدوان الثلاثي والتي انتهت بإجبارهم على الإنسحاب وعودة قناة السويس كاملةً للشعب المصري.وانتهى الإستعمار العسكري المباشر لكنه لم ينته بأشكاله المتعددة حتى تاريخه.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.