الحاجة ماسة إلى مجلس للأمن القومي في الأردن / حسين عمر توقة

د. حسين عمر توقه* ( الأردن ) الأربعاء 8/5/2019 م …



مقدمة لا بد منها :-
1: في كل الدول المتقدمة هناك مجلس يطلق عليه إسم مجلس الأمن القومي وهو المسؤول المباشر عن إدارة الأزمات ووضع الإستراتيجية القومية لمجابهة كافة التهديدات والأخطار الداخلية والخارجية والحفاظ على سيادة الدولة وإستقلالها وتحقيق أمن وسلامة مواطنيها وحماية حدودها ومصالحها القومية.
وإنني في ظل الظروف الراهنة القاسية سياسيا وإقتصاديا وعسكريا وأمنيا وإجتماعيا أناشد جلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية المبادرة في إتخاذ الخطوات القانونية اللازمة من أجل تشكيل وتأسيس مجلس الأمن القومي للمملكة الأردنية الهاشمية للحفاظ على سيادة الدولة ومقوماتها واستقلالها وحماية مواطنيها والدفاع عن مصالحها الوطنية والقومية .
كثيرون من أصحاب الفكر الإستراتيجي يفضلون إطلاق إسم مجلس الأمن القومي بدلا من مجلس الأمن الوطني لأنهم يعتبرون الأمن الوطني أضيق في المعنى والمدلول من الأمن القومي بإعتبار أن الأردن جزء لا يتجزأ في أمنه من أمن الأمة العربية والأمة الإسلامية لا سيما وأن هناك معاهدات وإتفاقات عسكرية وأمنية ودفاع مشترك تربطه مع العديد من الدول العربية .
كما أن الأردن جزء لا يتجزأ في أمنه الإقليمي مع دول الجوار . ويضيف بعض الإستراتيجيين بعداً آخر هو البعد الدولي حيث أن الأمن القومي العربي في غالبيته يعتمد في تسليحه على الأسلحة التي يشتريها من الدول العظى المصنعة للسلاح .
وبناء على ما تقدم لا يمكن لبلد مثل الأردن أن يكون منغلقا على نفسه بعيدا عن العمق الإستراتيجي القومي العربي الإسلامي .2: لقد تم إرتكاب أخطاء أمنية وتم دفع ثمن هذه الأخطاء بأرواح خيرة الخيرة من الشهداء الأخيار الأبرار في أحداث أمنية إرهابية في كل من إربد والحدود السورية الأردنية ومعان ومخيم البقعة ومدينة الكرك والسلط ومحافظة البلقاء . وهي أخطاء يندى لها الجبين وليست نتاج قوات عسكرية أو أجهزة أمنية محترفة ذات تاريخ طويل حافل في مكافحة الإرهاب .

3: في كل النشرات الإخبارية وفي معظم التعليقات الصحفية والمقالات والتقارير الإخبارية لم أر خلال الأسبوعين الماضيين مثل هذا الزخم من الأخبار التي يتم تناقلها حول صفقة القرن . إن الكل يدلي بدلوه ويخرج بنتائج لا أول لها ولا آخر الكل خبير في صفقة القرن وأنا أقول لهم إن كل مقالاتهم ومعلوماتهم لا تتعدى في أحسن الأحوال محاولات لإستشراف المستقبل لأن صفقة القرن لم يتم حتى هذه اللحظة الكشف عنها لا سيما البعد السياسي منها وأن أحدا من قادة العرب لم يتم إطلاعه عليها وأن التقارير الإخبارية الأمريكية تشير أنه لا يعرف مضمون البعد السياسي أحد بإستثناء ستة أشخاص الأول هو الرئيس الأمريكي وزوج إبنته ومستشاره جاريد كوشنر ومستشار الأمن القومي جون بولتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب بنيامين نتنياهو ولم يتم حتى هذه اللحظة الإفصاح عن إسمي الشخصين الخامس والسادس ولقد تم التأكيد أن هذه المعلومات لم يطلع عليها أحد من القادة العرب .
4: إن الخطر على النظام في الأردن لن يكون نابعا من الداخل وإنما الخطر المباشر حين تنهار الأعراف الدولية وتفقد المعاهدات والإتفاقات الدولية شرعيتها فتقرر الولايات المتحدة فرض حلول غير مقبولة لا يرضاها الفلسطينيون ولا الأردنيون على حد سواء بل لا يرضاها مجلس الأمن الدولي ولا الجمعية العامة للأمم المتحدة مثل تهويد القدس والإعتراف بها عاصمة إسرائيل الأبدية وضم مرتفعات الجولان السورية إلى إسرائيل وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الإنتخابية بضم المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية وهي بداية الطريق لضم الضفة الغربية كاملة وتفريغ أهلها وإعتبار نهر الأردن الحدود الإسرائيلية الجغرافية الطبيعية .
5: وحتى يحين ذلك الوقت فإن الخطر الذي يهدد الأردن منذ بداية الربيع العربي ليس حرب جيوش تهاجم الدولة من خارج الدولة وإنما هي حرب تهدف لإنهاك وتآكل الدولة الأردنية ببطء وثبات من الداخل هي حرب الإنابة وإيقاظ الخلايا النائمة التي تهدف إلى زعزعة الإستقرار وخلق فوضى منظمة تستهدف صناعة الأزمات تؤدي إلى تفتيت القبائل الأردنية وإبعاد ولائها عن النظام وإغلاق الديوان الملكي في وجه العشائر الأردنية . وتهدف إلى قتل القيم والمثل والمبادىء وتعمل على خلق دولة فاشلة لحكومات فاسدة متعاقبة تفقد فيها أجهزة الدولة هيبتها عن طريق طابور خامس من العملاء داخل الدولة يقومون بنشر الفساد ويشجعون الفوضى وإثارة القلاقل وإيقاع الفتنة وزيادة أعمال العنف ونشر استخدام مختلف أنواع الأسلحة غير المرخصة ورفع وتيرة الجوع والفقر .
يزرعون الحقد بين الفقراء والأغنياء ويرسخون معالم التفرقة بين ألأحياء الفقيرة والأحياء الغنية في المدينة الواحدة من أجل إثارة الحقد والضغينة وترسيخ الفصل وإثارة النعرات بين الفلسطيني والأردني والأقليات من مختلف المنابت والأصول وتطفو على سطح الأحداث أسئلة كثيرة حول توطين الفلسطينيين من أهل غزة ومن الضفة الغربية ومن المخيمات الفلسطينية لا سيما اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا . ويقومون بزرع الفتنة والفوضى بين طلبة الجامعات وتتزايد ظاهرة العنف في الملاعب الرياضية بين الأندية المختلفة ويتعاظم التفاخر برفع شعار القبلية العشائرية والعودة إلى عقلية القرية . ويتزايد افتعال الأحداث في شتى المناطق والأقاليم بحيث تفقد الدولة مركزيتها وسيادتها الدستورية وتؤدي بالتدريج الممنهج إلى تكريس الفجوة وتعميق الشرخ وفقدان الثقة بين الشعب وقيادته ويتم تحميل تبعية كل ما يجري على النظام من قبل الفاسدين ومن قبل تجار الأوطان .
6: إن شدة الإحباط لدى المواطن الأردني الشريف الناجمة عن فداحة وخطورة الأحداث التي تمر بها الدول العربية ومن خلال الثورات والتهديدات التي تعصف بكل المنطقة العربية . وفي ظلال ما يدور في دول الجوار بدءا من العراق وسوريا ومصر وفلسطين . وفي ظلال تعاظم لهجة ووتيرة الصلف والعنجهية الإسرائيلية والتأييد المطلق الذي يمنحه الرئيس الأمريكي للدولة اليهودية .
وفي ظل التغيرات السياسية والإجتماعية والأمنية والإقتصادية والدعوة الى الملكية الدستورية وتواتر قضايا الفساد التي تمس الثروة الوطنية والتصاق هذه القضايا بفكر وضمير كل مواطن حتى أصبحت هذه القضايا وتداعياتها هي الشغل الشاغل لكل مواطن وهي المقياس الذي تتضح من خلاله علاقة الثقة بين القيادة والشعب لا سيما وأن الشعب قد مل من مماطلة الحكومات المتعاقبة في إتخاذ أي إجراء ملموس على أرض الواقع فلا زال قادة الفساد يصولون ويجولون دونما رقيب أو حسيب. ولا زالت الخصخصة تنتشي وتنتشر ولم تبق أي ثروة وطنية للوطن بل تم بيعها بأبخس الأسعار حتى الإسمنت الأردني أصبح الإسمنت الرئيس الذي بنى الجدار الهمجي الفاصل بين المحتل وبين صاحب الأرض في فلسطين . والشعب الأردني بأسره يعارض الموضوع النووي ولا يقف في جانب هذا المشروع غير شخص واحد تجاوز توصيات مجلس الأمة بوقف العمل في المفاعل النووي وخالف المادة رقم 117 وأرغم الحكومات الأردنية على توقيع اتفاقية تعدين مع عدة شركات أجنبية وعمل على إلغائها .
فضائح الخصخصة لن تنتهي وستبقى وصمة خزي وعار في جبين من باع الأرض والمقدرات والثروات والكهرباء والماء والإتصالات والموانىء والمعسكرات والجوازات والملكية الأردنية من أجل الحصول على عمولة رخيصة . فعلى سبيل المثال لا الحصر تم تفتيت وتفكيك وبيع كافة الشركات التابعة للخطوط الجوية ” الملكية الأردنية “بأبخس الأسعار في صفقات مشبوهة وهي شركة الأسواق الحرة والشركة الأردنية لتزويد وتموين الطائرات والشركة الأردنية لصيانة الطائرات والشركة الأردنية للتدريب على الطيران والطيران التشبيهي والشركة الأردنية لصيانة محركات الطائرات وفندق عاليه. ولقد هبط سعر السهم في الملكية الأردنية من ثلاثة دنانير إلى نصف دينار.
وفي حادثة أشد إيلاما فقد كانت شركة الإتصالات الأردنية من أنجح الشركات الحكومية وكان دخلها السنوي يتراوح بين 120 مليون دينار سنويا ويرتفع ليبلغ 180 مليون دينار تم بيعها إلى شركة فرنسية بمبلغ 500 مليون دولار علما بأن موجودات الشركة العينية والمادية والمالية من مقاسم وكيبلات وشبكات إتصال وأعمدة وهواتف ومباني قد تجاوز مبلغ ثلاثة مليار دينار . لقد تم حرمان شركة الإتصالات الأردنية بل كل الأردن من الأرباح الخيالية التي حققتها شركات مثل زين وأورانج وأمنية .
كل العملاء الخونة الذين تم فضحهم وفضح تآمرهم من خلال وثائق الويكيليكس تم تعيينهم في أعلى المناصب وزراء ومستشارين .
كل الفاسدين يتنقلون من كرسي إلى كرسي ومن موقع إلى موقع من رئيس وزراء إلى رئيس ديوان إلى مدراء مخابرات إلى رؤساء مجالس شركات إلى أعيان إلى أمناء عمان الكبرى إلى مستشارين إلى رؤساء إدارات بنوك ورؤساء مجالس جامعات. إلى رؤساء مجالس شركات شبه حكومية أو حتى الخاصة منها حتى هذه الشركات قد أفلسوها وتسببوا في ضياع آلاف العائلات كما حدث في شركة المستثمرون العرب المتحدون التي نزل سعر السهم فيها من 18 دينار إلى قرشين ونصف . عصابة المافيا هذه لا تتعدى أعداد أصابع اليدين والقدمين وبكل أسف لا زالوا يحظون بحماية النظام .
وجاءت وعود الحكومات المتتالية في تطوير قوانين الإنتخابات النيابية مخيبة لآمال وتطلعات الشعب الأردني وجاء قانون الإنتخاب الجديد والذي حصل على موافقة مجلس نواب وصفه أحد مدراء المخابرات السابقين بأنه مزور هذه المجالس المتعاقبة قد تم عن طريقها تبرئة معظم قضايا الفساد الكبيرة التي شغلت الوطن والمواطنين .
إن الإستياء لم ينحصر في جانب النواب وإنما انتقل ليشمل الأعيان وهنا فإننا ننأى عن التعميم فهناك نواب وأعيان شرفاء . لقد كان من ألأولى مناقشة المادة 64 والمادة 79 والمطالبة بإلغاء أحد الشروط الضبابية فيمن تنطبق عليهم عضوية مجلس الأعيان والتي تنص حرفيا ” ومن ماثل هؤلاء من الشخصيات الحائزين على ثقة الشعب واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن ” لقد تسلل إلى مجلس الأعيان من خلال هذا الشرط أناس لم يسمع بهم مواطن ولم يقدموا أي خدمات أو إنجازات . كما أن تقليدا جديدا ينقض النص الوارد في هذه المادة حول الحائزين على ثقة الشعب فكيف يتم تعيين أعيان لأشخاص رفضهم الشعب وقال كلمته فيهم وتم تعيينهم في مجلس الأعيان بعد أن فشلوا وسقطوا ولم ينجحوا في الإنتخابات النيابية .
كنا نتمنى التطرق إلى المادة 65 والمطالبة بعدم تعيين أي عين لأكثر من دورتين نيابيتين بدل أن يكون منصب العين متوارثا وحصرا في مجموعة من الذوات يكاد لا يخلو أي مجلس منهم وينطبق عليهم المثل القائل لقد أكل عليهم الدهر وشرب ولا تستطيع أن تفرق بينهم وبين أثاث المجلس وبكل أسف أصبح مجلس الأعيان الموئل السياسي والإجتماعي ومصدرا للحصانة لأناس اتهموا بالفساد وتمت محاكمتهم وقال الشعب كلمته فيهم .
لقد تكررت نفس القصة في اللجنة الأولمبية الأردنية وتم اختيار أعضاء تحت مسمى الأعضاء المميزين لا يعلمون شيئا عن الرياضة التي تم انتخابهم أعضاء مميزين فيها فهم لم يمارسوا تلك الرياضة لا مدربين أو لاعبين أو حكام دوليين بينما تم شطب أسماء أبطال ومدربين وحكام دوليين ورواد بدل تكريمهم والإعتراف بفضلهم والإشادة بإنجازاتهم .
وفي ظل الحراك الجماهيري والمسيرات المطالبة بالإصلاح وفي ظل الضغوط الإقتصادية وارتفاع مستوى الفقر وإزدياد العجز في الموازنة الأردنية وإزديار المديونية الوطنية وارتفاع مستوى البطالة وارتفاع الأصوات المطالبة في تحقيق العدالة الإجتماعية من حيث الرواتب الحكومية وتحسين رواتب المتقاعدين العسكريين وتحقيق التأمين الصحي .كما أن ازدياد نفقات البترول والغاز ورفع فاتورة الكهرباء قد انتشرت لتشمل آثارها المدمرة كل مناحي الحياة وأسعار كل المواد الغذائية قد أخذت تهدد أمن الأردن نظاما وشعباً .
بالإضافة إلى التخبط الذي شهدته الحكومات الأردنية المتعاقبة في التعامل مع قضية اللاجئين السوريين وعدم وضوح الرؤيا حول سياسة استراتيجية واضحة تجاه ما يجري في سوريا وفتح المجال لكل القوى لتحويل الأردن إلى منطقة لصراع مبطن بين القوى المتصارعة ونقل تناقضاتها إلى الأرض الأردنية .
كما أن نتائج العاصفة الثلجية “إلكسا” قد كشفت الكثير … الكثير من مكامن العجز وتبعها في هذا الشتاء الشهداء الأطفال من طلاب المدارس الذين جرفتهم مياه ألأمطار وهم في رحلة سياحية مدرسية وانطلقت التساؤلات إلى الجهات الرسمية من هي الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن أي أزمة تحل بالأردن .
لقد ظن معظم الشعب الأردني ومعظم الصحفيين أن المركز الوطني للأمن ولإدارة الأزمات هو المسؤول عن إدارة أزمة العواصف الثلجية والأمطار التي أدت إلى وفاة فلذات أكبادنا والمياه التي غمرت وأغرقت مخازن أسواق عمان ” وسط البلد ” التجارية وأنا أقول لهم إن الحكومة هي المسؤول المباشر عن إدارة أي أزمة قد تعصف بالوطن إن كانت أزمة طبيعية أو أزمة سياسية أو أزمة إقتصادية أو أزمة إجتماعية أو أزمة صحية وأن الحكومة هي المسؤول المباشر عن إيجاد الحلول المناسبة بشتى الوسائل المتاحة والإمكانات المتوفرة وأن مجموعة الأخطاء التي عانينا منها هي نتيجة سؤ في التخطيط او بالأحرى لعدم وجود تأهيل إداري في إدارة الأزمات لكافة المسؤولين في المواقع الإدارية العليا ولعدم وجود تخطيط استراتيجي سليم لما يمكن ان تجابهه الحكومة الأردنية من صعوبات ومشاكل وتحديات مثل الضجة الكبيرة التي صاحبت امتحانات الشهادة الثانوية حتى خرجت علينا إحدى الحكومات بالعودة إلى إجراء إمتحان وأحد بدل إجراء إمتحانين . بالإضافة إلى الفلتان الأمني وعلى سبيل المثال لا الحصر انتشار ظاهرة سرقة سيارات ” البكب ” وتهريب الكثير منها إلى سوريا بحيث يتم تركيب رشاشات الدوشكا عليها . وانتشار ظاهرة استخدام الأسلحة المهربة من تركيا في الشوارع الأردنية ومن بينها سلاح البومب آكشن “SHOT GUN 12 GAGE ” وانتشار ظاهرة العنف الجامعي وعنف الملاعب وتعاطي المنشطات وإزدياد نسبة الجرائم . وأنتشار جريمة الإتجار بالمخدرات على كافة أشكالها وأنواعها . ولعل آخر هذه الفضائح جريمة الإتجار بالدخان المهرب منذ عام 2004 ومليارات الدنانير التي دفعها الشعب ثمن دخان مزور لمجموعة أقل ما يقال فيها أنها مافيا لا تحترم الوطن ولا القانون ولا النظام ولا المواطن .
7: منذ عام 1989 وأحداث العنف تتكرر في مدينة معان المدينة الأردنية التي اشتهرت بتاريخها واحتضانها لرجالات الثورة العربية الكبرى والتي كانت بمثابة العاصمة الأولى للهاشميين فهل يعقل أن تشهد ساحات المدينة وشوارعها أحداث عنف طوال خمسة أيام دون أن يكلف رئيس الحكومة السابق أو رئيس الديوان الملكي السابق نفسيهما بزيارة المدينة المكلومة والعمل على وقف وتيرة العنف وكأن هذه المدينة الأردنية الراسخة في القدم تابعة إلى جمهورية الكونغو برازافيل .

8: أما الموضوع الذي يشغل الحيز الأعظم من قلق أبناء الشعب فهو موضوع الضرائب والرسوم التي أنهكت أبناء الشعب . كل دول العالم لديها مجموعة كبيرة من الضرائب والرسوم ولكن هذه الضرائب تأخذ صفتها القانونية وشرعيتها بعد التصويت عليها إيجابا من قبل مجلس الأمة . كما أن هذه الضرائب والرسوم في الدول المتقدمة لديها رابط نسبة وتناسب ما بين دخل الأفراد والشركات وبين الضريبة ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تتجاوز هذه الضريبة نسبة معينة من الدخل . ومقابل هذه الضرائب تقدم الحكومات خدمات وتأمينات لأفراد الشعب وتضمن لهم حقوقا أساسية لا يمكن حرمانهم منها .
إن معظم الثورات الإجتماعية والسياسية بدأت نتيجة زيادة الضرائب وزيادة الرسوم وزيادة الفساد وإنتشار الفقر والجوع تماما كما حدث في أولى أكبر الثورات وهي الثورة الفرنسية التي قضت على الملك لويس السادس عشر وزوجته الملكة ماري أنطوانيت .
هناك أنواع لا تعد ولا تحصى من الضرائب تتجاوز ال 160 نوع من الضرائب والرسوم تنضوي تحت المسميات والعناوين الرئيسة التالية . ضريبة الدخل . ضريبة الرسوم الجمركية . الضريبة الإضافية . ضريبة الرخص والرسوم . ضريبة الإيرادات المختلفة . الضرائب والرسوم التي تتقاضاها البلديات وأمانة عمان الكبرى . رسوم رخص البناء . رسوم الحصول على رخصة مزاولة مهنة . رسوم إمتلاك سيارة والقائمة تطول كلها تنهب ما في جيوب البؤساء من أبناء الشعب .
9: مفهوم الأمن القومي . لقد شهدت جيوش الدول العربية التي حاربت إسرائيل منذ عام 1948 مخططا دوليا يهدف إلى خلق الظروف التي تؤدي إلى تدمير هذه الجيوش عن طريق ما تعارف على تسميته بحرب الإنابة وإيقاظ الخلايا النائمة لإيقاد نار حرب إرهابية أهلية قذرة لا تعرف الرحمة والرأفة يكون وقودها أبناء الشعب العربي الطيب .
لقد تم تدمير الجيش العراقي على مراحل بدأت المرحلة الأولى منها بشن حرب دول التحالف على جيش العراق بتاريخ 17/1/1991 وإرغامه على الخروج من الكويت والمرحلة الثانية بدأت بتاريخ 20/3/2003 بعملية إحتلال العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين والمرحلة الثالثة التي شهدت بداية أولى شرارات الربيع العربي بتاريخ 17/12/2010 في تونس بعد أن أحرق المواطن التونسي طارق الطيب محمد البوعزيزي بإضرام النار في جسده ووصلت قمة المرحلة الثالثة في العراق بخلق الدولة الإسلامية ( داعش ) في العراق وسقوط الموصل في يد داعش وسيطرتها على خمس محافظات سنية في وسط العراق.
أما الجيش السوري فلقد بدأت مرحلة تفكيكه منذ اللحظة الأولى لبدء ثورة الربيع العربي في درعا بتاريخ 6/3/2011 وتبعه تشكيل ألإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية . وتبعها الإعلان عن تشكيل الجيش السوري الحر وجبهة النصرة لأهل الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية والجبهة الإسلامية السورية ولواء صقور الشام وتنظيم خراسان ووحدات حماية الشعب السوري والإعلان عن تشكيل الدولة الإسلامية داعش يقابلها بجانب النظام الجيش السوري وما تعارف على تسميته بالشبيحة ولواء ابو الفضل عباس وحزب الله وقوات روسية وإيرانية . وقامت الحرب الأهلية لتدمر البنى التحتية للمدن والقرى وتتسبب في قتل أكثر من مليون ونصف سوري وتشريد ملايين السوريين داخل سوريا وخارجها في كل من الأردن ولبنان وتركيا .
أما الجيش المصري فلقد بدأت مرحلة تفكيكه منذ إعلان الثورة بتاريخ 25/1/2011 والتي كانت نتيجتها تنحي الرئيس المصري حسني مبارك وإجراء إنتخابات نيابية وتولي الرئيس محمد مرسي العياط رئاسة الجمهورية المصرية بتاريخ 30/6/2012 وبعد عام من حكم الأخوان المسلمين عادت المسيرات والتي كان أكبرها بتاريخ 30/6/2013 مطالبة برحيل الرئيس محمد مرسي وبتاريخ 4/7/2013 قامت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية بقيادة القائد العام عبد الفتاح السيسي بالإطاحة بالرئيس المصري المتنحي وتم تعطيل الدستور وبتاريخ 24/7/2013 دعا الفريق أول عبد الفتاح السيسي الشعب المصري إلى النزول إلى الشوارع لمنحه تفويضا وأمرا لإنهاء العنف والإرهاب وبتاريخ 26/3/2014 أعلن المشير عبد الفتاح السيسي رسميا إستقالته من منصبه وترشيح نفسه لإنتخابات رئاسة الجمهورية والتي تضمنت حصوله على 188 ألف توكيل من المواطنين . وبتاريخ 29/5/2014 ظهرت نتائج الإنتخابات وتم الإعلان عنها رسميا بتاريخ 4/6/2014 بفوز المرشح عبد الفتاح السيسي برئاسة الجمهورية وحصوله على 23 مليون صوت ونيف ومنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية تحركت مجموعات الأخوان المسلمين إلى مقاومة الرئيس الجديد تحت شعار أن الرئيس الشرعي هو محمد مرسي وتم رصد عمليات عسكرية إرهابية استهدفت الجيش المصري في كل من سيناء وفي بعض المدن المصرية . وبالرغم من تصاعد هذه العمليات الإرهابية إلا أنها لا زالت ذات وتيرة ضيقة ولم تصل إلى الحد الذي يمكن أن يشكل تهديدا لمصر العربية أو جيشها .
أما الجيش الرابع المستهدف فهو الجيش العربي الأردني الذي شارك أبناؤه في كل المعارك والحروب العربية الإسرائيلية وضحوا بأرواحهم في سبيل أن تبقى القدس عربية مسلمة وفي سبيل تحرير الأرض من الإحتلال الصهيوني وهو أطول إحتلال عسكري في التاريخ الحديث .
ولا يعلم أحد ما هو المخطط الجهنمي المرسوم لهذا الجيش العربي المصطفوي .
10: مجلس الأمن القومي . في كل الدول المتقدمة هناك مجلس يطلق عليه اسم مجلس الأمن القومي هو المسؤول المباشر عن إدارة الأزمات ووضع الإستراتيجية القومية لمجابهة كافة التهديدات والأخطار الداخلية والخارجية والحفاظ على سياد الدولة واستقلالها وتحقيق أمن وسلامة مواطنيها وحماية حدودها ومصالحها القومية. وإنني في ظل الظروف القاسية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا واجتماعيا فإنني أناشد جلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية المبادرة في إتخاذ الخطوات القانونية اللازمة من أجل تأسيس مجلس الأمن القومي للمملكة الأردنية الهاشمية للحفاظ على سيادة الدولة ومقوماتها واستقلالها وحماية مواطنيها والدفاع عن مصالحها القومية والوطنية .
إن معاني ومدلولات الأمن القومي ومهام وواجبات مجلس الأمن القومي أكبر بكثير من أن تتم تغطيتها في مقالة عاجلة . ولكن للظروف أحكامها وسأحاول قدر الإمكان تقديم إيجاز ملخص لهذه المعاني والمدلولات والمهام والواجبات .
إن أي دولة في العالم يدفعها حب البقاء والإستمرار في الحياة لا بد وأن تتصرف تلقائيا أو عن تخطيط مسبق لتحقيق هذا البقاء وإن كل ما تقوم به الدولة في هذا السبيل هو انعكاس للتفاعل بين مفهوم الأمن القومي للدولة وللتهديدات والأخطار التي تحيط بها أو تنبع من داخلها.
ولما كانت هذه التهديدات والأخطار مختلفة من دولة لأخرى اختلفت السياسة التي تنتهجها الدول في إطار مفهومها للأمن القومي الخاص بها . ولكن هناك بعض الأسس والمبادىء الأولية التي تلتقي عندها أو على الأقل تتشابه في مدلولاتها وتركيبها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا وعقائديا.
إن السياسة العامة للدولة تهدف إلى تحقيق المبادىء والأهداف والمصالح القومية وهي تشكل في مجموعها ما يعرف بالأغراض القومية كما أن الدستور والقوى الإقتصادية والحربية والأمنية تساهم في إعطاء الدولة القوة في الإستمرار وتحمل المسؤوليات ومجابهة الأخطار والتغلب عليها وتخطيها .
إن السياسة العامة للدولة تتفرع إلى أربعة فروع رئيسية هي السياسية الداخلية والسياسة الخارجية والسياسة العسكرية والسياسة الإقتصادية . وكل هذه السياسات تصب في ينبوع واحد هو الإستراتيجية القومية . ومن خلال الإستراتيجية القومية يتم تحديد الأهداف القومية وبناء على الأهداف القومية يتم تشكيل مجلس الأمن القومي حيث يتولى مهمة التخطيط لرسم معالم السياسة الخارجية والسياسة الداخلية والسياسة العسكرية والسياسة الإقتصادية وتسخير كل الوسائل المتاحة من القوة العسكرية والإقتصادية والسياسية وتقوية الجبهة الداخلية لتحقيق الأهداف القومية والدفاع عن المصالح الحيوية .
وقد يناقش البعض التسمية المناسبة لهذا المجلس وكما شرحنا في المقدمة فالبعض يفضل تسمية المجلس بإسم مجلس الأمن الوطني والبعض الآخر يفضل تسميته بمجلس الأمن القومي وفي الواقع إن الخلاف بين هذين المصطلحين هو إختلاف أفقي حسب مساحة الإنتشار وإختلاف عمودي حول أهمية المضامين والمصطلحات ومدى عمقها وأمتداد جذورها في عمق الوطن. ولو اعترفنا بأن الأردن هو دولة عربية وهو ضمن البعد الإقليمي للدول العربية ولو اعترفنا بأن الأردن هو دولة من الدول الإسلامية ضمن البعد الدولي . كما أن طبيعة الصراع خلال العقود الماضية والحروب التي خاضها الأردن هي حروب من أجل الدفاع عن القضية العربية الأولى فلسطين ومن أجل الدفاع عن الأمن القومي العربي فلا يمكن في لب الصراع فصل الأمن الوطني الخاص بالأردن عن الأمن القومي لدول الجوار العربي . كما أن الواجب يحتم علينا في زمن العولمة بأن نعترف بأن الأردن يستورد السلاح من مختلف دول العالم من الولايات المتحدة ومن روسيا ومن أوروبا ومن البرازيل أي أن مصادر السلاح متنوعة وهي على المستوى الدولي . كما أن التبادل التجاري والإقتصادي لا سيما في مجالات النقل مثل السيارات والطائرات كلها مستوردة من دول خارج البعد الإقليمي كما أن الأجهزة الإلكترونية والكهربائية والأجهزة الطبية وشبكات الإتصال المختلفة كلها مستوردة على المستوى الدولي . كما أن أي حدث أو ثورة أو حرب في الدول العربية لا بد وأن تؤثر من قريب أو بعيد على الأردن . من كل ما تقدم فإن اصطلاح الأمن الوطني يبقى منقوصا وغير متفاعل ولا متكامل مع المجريات الإقليمية والدولية ومن الأفضل استخدام اصطلاح الأمن القومي لأنه أشمل وأكمل ويستوعب المستويات الثلاثة الوطني والإقليمي والدولي.
وفي غالبية الدول يتم تشكيل مجلس الأمن القومي برئاسة رئيس الدولة في الأنظمة الجمهورية وينوب عنه نائب الرئيس أو الملك في الأنظمة الملكية وينوب عنه سمو ولي العهد ويتشكل المجلس من كل من رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس النواب ورئيس الديوان الملكي ومستشار الأمن القومي وعضوية بعض الوزراء من الوزارات السيادية مثل وزير الداخلية ووزير الخارجية بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات العامة ومدير الأمن العام ومدير الدفاع المدني ومدير قوات الدرك بالإضافة إلى مقرر المجلس أو سكرتير المجلس . ويتم عقد جلسات المجلس بشكل دوري مرة كل شهر كما يتم استدعاء المجلس للإنعقاد في الحالات الطارئة .
وقد تختلف طبيعة هذه التشكيلة حسب الظروف وقد يتم استدعاء أكثر من وزير وأكثر من مسؤول حسب المشكلة أو الأزمة التي يتدارسها المجلس فعلى سبيل المثال في حال مناقشة العمالة الوافدة قد يتم استدعاء وزير العمل وفي حال انتشار أي وباء يتم استدعاء وزير الصحة وفي حال تعرض البلد إلى نقص في موارد الطاقة يتم استدعاء وزير الطاقة .
إن أي مشكلة مهما تعاظمت أو كبرت لا بد وأن تمر في مراحل محدودة معروفة وواضحة وهذه المراحل هي تحديد المشكلة وتحليل المشكلة وطرح الحلول البديلة ومن ثم صنع القرار المناسب وهي المراحل التي يلتزم بإتخاذها وإتباعها مجلس الأمن القومي في مجابهة أي أزمة مهما عظمت أو صغرت .

* الكاتب باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.