التغييرات الأمنية وتحصين الجبهة الداخلية / د. مروان المعشر




*وزير الخارجية الأسبق …

تتوالى التحليلات عن الأسباب التي ادت للتغييرات الأمنية الأخيرة، وتركز بشكل خاص على مفردات وأسباب غير مسبوقة ساقها جلالة الملك في رسالته لعطوفة مدير المخابرات الجديد.

ولئن درجت العادة في الرسائل الملكية ان ترسل إشارات ضمنية دون الإفصاح المباشر عن الدوافع التي ادت للتغيير، فلا بد من التوقف عند بعض المفردات التي وردت في خطاب جلالة الملك.

من الواضح ان جلالة الملك كان مستاء من “عناصر قليلة في المخابرات مارست استغلال الوظيفة و”قدمت المصالح الخاصة على الصالح العام”، بل واوحت الرسالة انه لم يتم التمسك “بمرتكزات الدستور”. وان لم تعرف الرسالة هذه المرتكزات، فيفترض ان تكون واضحة للجميع من ناحية تعريف دور المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

رسالة جلالة الملك واضحة من ناحية التمسك بمرتكزات الدستور كافة، والإيحاء بان هناك من سمح لنفسه داخل السلطة التنفيذية بالقفز فوق مؤسسات الدولة. وقد أشار جلالة الملك انه بالنسبة لهذا النفر القليل، فقد تم “التعامل الفوري في حينه وتصويبه” مع هذه الفئة.

في الرسالة الملكية إشارات مهمة عديدة من ان المسؤولية تتلازم مع المساءلة، مع التشديد على العمل “لضمان صون حقوق وكرامة المواطن وحمايتها لأننا نفخر في الأردن دوما، بأننا دولة مؤسسات ودولة قانون، كان وسيبقى الاستمساك فيها بالدستور والقانون، واحترامهما مصدرا أساسيا لاستقرار بلدنا ومنعته”. هذا كلام يجب ان يفتخر به كل اردني، كما في توجيه جلالة الملك لمدير المخابرات الجديد “لإرساء بيئة محفزة وممكنة تقودنا إلى تعزيز وتدعيم مرتكزات الدولة الحديثة الأمر الذي من شأنه بالنتيجة أن يدعم الاقتصاد الوطني ويوجد حلولاً لمعالجة البطالة وتوفير متطلبات العيش الكريم لشبابنا الغالي”.

ليس هناك افضل من تعريف الدولة الحديثة من الأوراق النقاشية لجلالة الملك من ناحية بناء نظام من الفصل والتوازن وضمان عدم تغول سلطة على اخرى وارساء للتعددية بكامل اوجهها ولحرية الرأي والتعبير.

لقد ظهرت بعض التحليلات التي توحي بان هذه التغييرات قد تكون مقدمة لتشديد القبضة الأمنية، وانا لا ارى ذلك إطلاقا. ان المفردات المستعملة، بما في ذلك عبارة الامن السياسي، توحي بان هناك إرادة سياسية على اعلى المستويات بانتهاج سياسة اكثر انفتاحا تؤسس لدولة حديثة لا تتغول فيها سلطة على اخرى ولا يتم فيها العبث بالمرتكزات الدستورية.

لا بد من ربط هذه التغييرات بالتحديات التي يتعرض لها الاْردن خارجيا وتحديدا من الولايات المتحدة واسرائيل فيما يتعلق بتداعيات صفقة القرن ودعم الإدارة الأميركية الواضح ضد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية، وما يشكله ذلك من خطر على الأمن القومي الأردني. كما لا بد من ربطها بالتحديات الداخلية المتمثلة في الوضع الاقتصادي والانغلاق السياسي الذي شهدناه من بعض ضعفاء النفوس في الحقبة الماضية والذي لم يرتق الى رؤى جلالة الملك، ما جعل الأوراق النقاشية في جهة وسلوكيات بعض عناصر السلطة التنفيذية في جهة اخرى، وهو ما شكل مفارقة عجيبة كان لا بد لتدخل ملكي من اجل معالجتها.

الأمل كبير أن يؤشر كل ذلك للبدء إلى انفتاح سياسي داخلي يحصن الجبهة الداخلية ويتيح وقوف كل القوى السياسية وراء جلالة الملك في مواجهة أي ضغوط مباشرة اوغير مباشرة قد يتعرض لها الأردن. ان لقاء جلالة الملك بالإخوان المسلمين مؤخرا مؤشر جيد على مثل هذا الانفتاح الداخلي، ومن المرجح ان يتبع ذلك لقاء جلالته بجميع الفعاليات التي لها آراء متعددة في مواضيع الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وتحية لجلالة الملك.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.