صفقة القرن والحق الفلسطيني بين الانحياز التام والمساندة النقدية / د زهير الخويلدي
د زهير الخويلدي ( الخميس ) 9/5/2019 م …
” غزة تقاوم، القدس تنتصر، فلسطين تتحرر”
عاد من جديد الحديث عن التقدم في تنفيذ صفقة القرن الباطلة بشكل ملموس وإمكانية ضياع الحقوق الفلسطينية وذلك بعد اعتبار القدس عاصمة للكيان الغاصب من طرف الإدارة الامبريالية الظالمة وتهويد المدينة المقدسة وافتكاك هضبة الجولان من الدولة السورية الصامدة وضمنها للمشروع الصهيوني التوسعي وتصنيف الحركات المقاومة في خانة المنظمات المعادية ونعت التنظيمات الفلسطينية بالإرهاب والعنصرية وإعادة تفعيل قانون معاداة السامية في مختلف التظاهرات الدولية وعلى الأراضي الغربية.
في هذا السياق تتنزل تزايد الهجمة الشرسة والهمجية على قطاع غزة الأبية في الأيام الأولى لبداية شهر رمضان المقدس عند المسلمين بوصفه شهر صيام وعبادة وتذكر للقرآن وتوطيد الصلة بالله رب العالمين.
لقد خلف العدوان مثل العادة الكثير من الدمار للمباني والمؤسسات والتخريب الممنهج للعمران وترتب عنه أيضا عشرات الضحايا وارتقى أكثر من عشرين شهيدا وأصيب أكثر من مائة جريحا من الفلسطينيين وفي المقابل تمكنت المقاومة الوطنية الباسلة من اختراق القبة الحديدية ورشق العدو بوابل من الصواريخ والنيران التي وصل مداها عمق الكيان الغاصب وأصابت القذائف المطورة أهداف عسكرية بدقة بالغة.
والحق أن الانحياز التام للقضية الفلسطينية في الشارع العربي والإسلامي ظل محورا نضالا لا محيد عنه وبقيت الحقوق العربية في فلسطين ميدان لا يقبل المناور أو التفكير في التنازل عنه أو التفاوض بشأنه وطالب الجميع من مؤسسات المجتمع المدني في العالم بكسر الحصار عن قطاع غزة وتثبيت مدينة القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية وربط جسور التواصل والإمداد الحيوي بين الضفة الغربية وسكان غزة الأبية.
غير أن تداول وسائل الإعلام الدولية لوثيقة صفقة القرن وكشفها مؤامرة دولية لتصفية القضية الفلسطينية وتعويم حقوق اللاجئين واستغلال الكيان المحتل للضعف العربي وحالة الثورات للمضي في تنفيذ مشاريع الهيمنة والتوسع في المنطقة قد خلق داخل النخب العربية تصورا جديدا وعلاقة مختلفة مع حزمة المطالب الحقوقية الفلسطينية وتم الانتقال عند البعض من الانخراط العضوي والنضال المبدئي والانحياز التام إلى المعاضدة الخجولة والتأييد النسبي والدعم المشروط والمساندة النقدية وبدأ الحديث عن سلمية النضال وأولوية المقاومة الثقافية والتخلي عن قواعد الاشتباك ونزع سلاح الحركات وقوة المنظمات المجاهدة.
في الواقع الوجود العربي مهدد بالعديد من المخاطر الأمنية والكوارث السياسية وتتحرك جميعها حول الإرهاب المعولم والزحف الاستيطاني والاستعمار الجديد عن طريق المال والثقافة والإعلام والتقنية وان تقديم من التنازلات المذلة وتعميق الانقسامات الداخلية يزيد من حالة العجز الذاتي ويساعد أعداء الأمة.
لكن حاجة المقاومة للنقد الذاتي يجب أن يصب ضمن منطق التطوير والإعداد والفرز الحقيقي يبدو على الصعيد النظري ثم يتم تنزيله على مستوى الميدان بغية بناء الثقة وتقوية العزائم وشد همة الصابرين ولا يمكن الرد على المؤامرة والمكر الإسرائيلي إلا بالثبات النظري والصمود العملي وتحيين الرفض التام للتطبيع والمضي في المقاطعة وجعل العمل الثقافي والإعلامي الساحة الفعلية للمعركة السياسية من أجل السيادة والاستقلال وتربية الأجيال الناشئة على حب الأوطان والإيمان بالذات الحضارية دون نقصان .
ان صفقة القرن باطلة وان الحق الفلسطيني ثابت وان الانحياز التام للقدس ضروري وواجب وأن المساندة المطلوبة لغزة وسكانها هي الدعم اللوجستي الكلي في جميع المجالات وتوفير شروط البقاء وإرادة الحياة. فمتى يعلم النظام الرسمي العربي أن إبرام صفقة القرن هي سايسبيكو جديدة قد يؤدي تمريرها إلى التفكيك والزوال وأن المطلوب هو التعبير عن إرادة الشعوب الحرة وتوق المجتمعات نحو التحرر من الاستعمار؟
*كاتب فلسفي
التعليقات مغلقة.