احتفالية النصر ” في الساحة الحمراء / د. حسام العتوم
تابعت باهتمام وعبر الفضائية الروسية (1 ( احتفالية عيد النصر على الفاشية المهيب بتاريخ 9 أيار/2019 ، واستمتعت بذلك، وشخصياً أتابع هذا النوع من الاحتفالات منذ جلوسي على مقاعد الدراسة في روسيا في بداية ثمانينات القرن الماضي، ومما لفت انتباهي هذا العام2019 هو دقة التجهيزات العسكرية والبروتوكولية على مدى اكثر من شهرين من بدء الاحتفال الذي حدد له ان يبدأ العاشرة صباحاً ولكي ينتهي الساعة الثانية عشرة وخمس واربعون دقيقة ظهراً، وبثته عدة قنوات روسية مثل (1)، و(RTR)، و(24)، و(ART) بالعربية والانجليزية والاسبانية، وغيرها من القنوات الأجنبية. وأعداد كبيرة من الجنود والضباط والأمن ورتل نسائي رتيب وأنيق مثل مدرسة القائد الميداني في الحرب العالمية الثانية جيورجي جوكوف وسط ساحة مرقد عظماء زعماء السوفييت (الحمراء) الرائعة المجاورة لقصر ( الكرملين) الرئاسي الجميل.
وإلى وسط الحفل المتميز ذاك، اصطحب رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير بوتين الرئيس الكازاخي السابق نور سلطان نزاربايف تكريماً لعمق صداقته مع موسكو، وهو الذي قدم استقالته طوعاً وحوله بلده كازاخستان الى زعيم وطني بعدما كان رئيساً مخلصاً، وأطلقت اسمه على العاصمة (أستانا) حيث أصبحت رسمياً تسمى (نور سلطان).
وتنوع الحضور بين السلك الدبلوماسي، وعامة الناس، وغورباتشوف، وبين المحاربين القدامى ممن تقدم بهم العمر، ومن تقدم به العمر أكثر أرسلت السرايا العسكرية لتقدم لهم العروض الاحتفالية أمام منازلهم وفي ساحاتها.
والسؤال الذي طرحه الإعلام الروسي وسط المشاركين في الاحتفال عكس اعتزاز الجميع بنشوة النصر الذي ما كان له ان يتحقق بسهولة على النازية الألمانية التي قادها ادولف هتلر زعيم حزب العمال الاشتراكي قائد ومستشار الرايخ، وهو الذي انهى حياته مسموماً بعد هزيمته وحلفائه أمام التقدم السوفييتي الذي طارده ليس الى الحدود، ولكن الى عمق برلين مع رفع علم السوفييت فوق الرايخ نفسه.
كتب الفوهرر هتلر في كتابه (Mein Kampf- كفاحي) الذي خطه له بأفكاره نائبه رودلف هس (ص،238) بأن جوبلز وزير دعايته قال ” كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي”. وسؤال آخر للإعلام الروسي وجه للمشاركين في الاحتفال مفاده، ماذا لو لم يتحقق النصر، وهو الذي دفع السوفييت من أجله 27 مليون شهيد وأكثر؟ وكيف اصبحت روسيا الآن بعد مرور 74 عاماً على النصر ورغم انهيار الاتحاد السوفييتي عام (1991)؟ وجوابي هنا هو: بأن روسيا قادت الاتحاد السوفييتي وحاربت النازية الألمانية المعتدية عام 1941 من دون امتلاكها للقنبلة النووية وقتها، ولو امتلكتها لما استخدمتها وباقي السوفييت، وهو أمر أخلاقي إنساني، وأما الآن فإن روسيا أصبحت تنفرد بدون السوفييت بامتلاكها لجيش أحمر، وبحرية وسلاح نووي بحجم أكثر من 7 الاف رأس، وتتوازن مع كامل حلف الناتو ( العسكري الغربي بقيادة أمريكا، وتشكل جداراً مانعاً لاحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، وتتفوق نوعاً في بعضه رغم الفارق الكبير في ميزانية الدفاع التي بلغت 51,6 مليار دولار، نهاية عام 2019، بينما ميزانية امريكا الدفاعية وصلت الى 702,5 مليار دولار الى جانب 664 مليار دولار لصالح ميزانية الحلف الأطلسي.
وفي احتفال النصر هذا يشارك وحسب التقليد الرئيس بوتين الجموع في مسيرة الخلود شهداء الحرب حاملاً صورة والده، واقترب من معلمته، وسار شعبه الى جانبه يحملون صور الآباء والأجداد حزناً عليهم واعتزازاً بالمناسبة القومية.
وراقب الروس حالة الطقس فوق سماء الساحة الحمراء بدقة واتخذوا قراراً بوقف اقلاع الطائرات الحربية الاستعراضية ومنها الهوليكبتر العسكرية بسبب تراكم الغيوم وتحرك الرعود والبرق، واكتفوا بتحريك المشاة والاسلحة الثقيلة ومنها النووية العابرة للقارات، والدبابات التي كانت شاهدةً على مسيرة الحرب 1941/1945 .
وبين منظر سيارات (الزيل) المكشوفة الجميلة ناقلة قائد الجيش الروسي سيرجي شايغو، والأُخرى الناقلة للجنرال الميداني اليق سوليكوف رقم 0001MO77، وبين تقدم الرئيس بوتين يرافقه رئيس وزراءه ميدفيديف ورؤساء الأعيان والنواب بوضع باقة ورد حمراء وسط ميدان الجندي المجهول ومع أجراس الكرملين وموسيقات الجيش الأحمر، كان للرئيس بوتين كلمة مؤثره هامة أوجزها في التالي حيث قال بعد إعلانه دقيقة صمت احتراما للشهداء 🙁 ذكرى الحرب حزينةً ومفخرةً تعكس ضميرنا، والنصر الذي تحقق هو للجميع، والصمود الذي تشكل لم يكن سهلاً، وكان الأهم هو النصر على الفاشية، ولم يتمكنوا من الاتحاد السوفييتي وروسيا، وكان شعار حربنا أموت ولا أستسلم، وكانت الحرب وحصار ليننغراد، وحارب جنودنا من اجلنا والمستقبل وتناسوا كل شيء، وسنبقى نقدم كل ما هو ضروري لضمان الامكانات العالية لقواتنا المسلحة الروسية). وبالمناسبة فلقد بلغ عدد المشاركين في احتفالية النصر في الساحة الحمراء في موسكو هذا العام أكثر من 13,600 من الجنود والضباط والمجندات، فيما بلغ عدد المحاربين القدامى الباقين على قيد الحياة منذ اندلاع الحرب الوطنية العظمى الثانية حوالي4500 محارباً. وفي الختام اصبح مطلوباً اكثر من العالم أخذ العبرة وتثبيت الفرق بين الدول والشعوب المناضلة التي تدافع عن اوطانها وتنتصر، وبين غيرها التي تعتدي وتمارس الاحتلال وتنهزم على الارض واعلامياً.
التعليقات مغلقة.