سيناريو المواجهة الشاملة المحتملة بين سورية والكيان الصهيوني / عمر معربوني

 

عمر معربوني ( سورية ) الأحد 23/8/2015 م …

من المؤكد أنني لا أتكلم وكأنّ الحرب الشاملة ستقع غدًا، ولكن من الطبيعي أن يعرف الناس السيناريو الأكثر ترجيحًا لهذه الحرب اذا ما وقعت، ومن المؤكد أيضًا أنّ الوضع الإقليمي والدولي ليس جاهزًا للتعاطي مع سيناريو خطير قد تقوم “إسرائيل” بتنفيذه يُدخل الجميع في مأزق يتجاوز قدرة الجميع في السيطرة على مساره وعدم القدرة على تحمل نتائجه، ولكن من الضروري أن يعلم الناس كيف ستسير الأمور في حال اندلاع المواجهة الشاملة.

في المبدأ، ما يحصل من مواجهات بين سورية والجماعات الإرهابية المسلّحة هو مواجهة غير مباشرة بين سورية والكيان الصهيوني تتدخل فيها “إسرائيل” أحيانًا بشكل مباشر من خلال الغارات التي ينفذها سلاح الجو الصهيوني على أهداف للجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية، وآخرها ما ادّعته “إسرائيل” أنها استهدفت مجموعة لحركة الجهاد الإسلامي أطلقت صواريخ من القنيطرة بإتجاه الجليل الفلسطيني.

التدخّل الصهيوني يأتي بعد كل مرّة تصبح فيها الجماعات المسلّحة في وضع معقّد وتكون عاجزة عن تنفيذ أهدافها، خصوصًا هذه المرّة بعد أن أصبحت قيادة الكيان الصهيوني متأكدةً من تحرير الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية لمدينة الزبداني التي وفّرت فيها الإستخبارات الصهيونية للجماعات المسلّحة كل أشكال الدعم اللوجستي من أسلحة نوعية وخرائط وأجهزة اتصال وربط عبر الأقمار الصناعية، بالإضافة الى العديد من الضباط الميدانيين الذين يتولّون الإشراف على التخطيط ومتابعة المعارك وربما لا يزالون في الزبداني في أحد المخابئ التي تمّ تجهيزها بواسطة معدات حفر متطورة.

الدور الذي كان منوطًا بالزبداني مرّ بأكثرمن مرحلة ووصل الى ذروته بعد تحرير يبرود، حيث أصبح ضروريًا أن تقوم الزبداني بمهمة إضافية تضاعفت أيضًا بعد تحرير الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية للغالبية الساحقة من جرود القلمون وجرود عرسال، وألغت دور عرسال كقاعدة لوجستية خلفية وعزلتها بشكل كبير عن مسلحي الزبداني بنفس الوقت الذي تم فيه قطع غالبية الممرات الى الزبداني.

مسألة أخرى ستكون محط اهتمامنا في الكتابة عنها لاحقًا، وهي جزء من سيناريو خطير قد يواكب أي تدخل صهيوني واسع وشامل، وهو دور ستلعبه الجماعات المسلّحة في وادي بردى لناحية استخدام مواد كيميائية وتسميم المياه لتحقيق أعلى مستوى من الفوضى وتحديدًا في العاصمة دمشق يسبق الهجوم الصهيوني، وهو احتمال تضعه القيادة السورية في حساباتها ووضعت له خططًا لمنع تداعياته اذا ما أقدمت الجماعات المسلّحة على القيام به.

الحقيقة التي تدفع قيادة الكيان الصهيوني الى مزيد من التوتر هي معرفة النهاية التي ستؤول اليها الأمور في سورية، وهي خروج سورية من مرحلة الصمود الى مرحلة تحقيق شروط الإنتصار، وهو الأمر الذي يعرفه المراقبون والمتخصصون رغم استمرار مخططي الهجمة بمحاولاتهم الحثيثة لاستمرار الحرب بمواكبة إعلامية باتت تستخدم أساليب جديدة في عرض الخبر وممارسة الحرب النفسية بهدف تعطيل مفاعيل النصر القادم.

هذه القناعة الضمنية لدى قيادة الكيان الصهيوني قد تدفع حمقى الكيان الى مغامرة لتغيير معالم المرحلة وتحقيق الأمر الذي عجزت عنه الجماعات المسلّحة طيلة أربع سنوات ونيّف.

حتى اللحظة، لا يبدو أنّ الصهاينة بصدد القيام بعمليات واسعة وشاملة رغم التهديدات التي يطلقها قادة العدو، ويبدو الأمر مقتصرًا على تحقيق المنطقة العازلة وهو الموضوع الذي يُثار بشكل دائم حيث يبررون ذلك بأنّ ايران تقوم بتدريب وتجهيز مجموعات في الجولان السوري بموافقة الدولة السورية وبمساعدة مباشرة من حزب الله الذي كلّف سمير القنطار، بحسب الرواية الصهيونية، بناء هذه المجموعات وإعدادها وتجهيزها.

“إسرائيل” كانت ولا زالت تعمل على إحداث المزيد من الضعف في بنية الجيش العربي السوري، وما قامت به أخيرًا باستهداف مواقع للواء 90 مشاة وللواء 137 مدفعية جزء لا يتجزأ من مناورة نفذتها بعض وحدات الجيش الصهيوني أخيرًا بالتعرض لوحدات الجيش العربي السوري بعد “عمل عدائي” بحسب الوصف الصهيوني تتعرض له “إسرائيل” من الأراضي السورية.

ممّا لا شكّ فيه أنّ ما قامت به “إسرائيل” أخيرًا تجاوز في حجمه ما قامت به سابقًا ويتجاوز في مضمونه الرسائل المعتادة، وكعادتها تعاطت القيادة السورية ببرودة وتكتّم على ما يمكن أن تقوم به في سياق الرد الذي سيكون موضعيًا كما كان الإعتداء الإسرائيلي موضعيًا، كما أنّ سورية لن تكون البادئة بالحرب الشاملة لاعتبارات سياسية إقليمية ودولية تضعها في خانة المعتدى عليه لاستثمار الأمر في الحراك السياسي بعد اندلاع الحرب.

وإذا ما تجاوزت “إسرائيل” في عملياتها الضربات الموضعية وأطلقت حربها الشاملة، فإنّ الأمر سيكون موجعًا لسورية بالتأكيد ولكنه سيكون وبالاً على الكيان الصهيوني.

عندها سيتغير وجه الشرق الأوسط لمصلحة محور المقاومة كما تشير كل الدلائل التي تستفز الكيان الصهيوني وترفع منسوب توتره، بفارق أنّ “إسرائيل” قد لا تكون موجودة على الخارطة.

“إسرائيل” ستكون البادئة بالحرب وستقوم بزج سلاحها الجوي كالعادة لتنفيذ ضربات عنيفة وواسعة ستتركز في محيط دمشق والمنطقة الوسطى وستستهدف مراكز القيادة والسيطرة والمطارات العسكرية ومواقع الدفاع الجوي ومواقع انتشار قوات النخبة السورية المحيطة بالعاصمة دمشق، إضافةً الى العديد من الأهداف الإستراتيجية والحيوية كشبكات الإتصال والرادارات والجسور وغيرها، واستخدام الجماعات المسلحة في الجولان وأرياف دمشق كقوات برية لتنفيذ الزحف باتجاه دمشق وهو الأمر الذي عجزت عنه هذه الجماعات حتى اللحظة.

إنّ الحرب الدائرة في سورية أثّرت بشكلٍ كبير على تموضع وانتشار طائرات سلاح الجو السوري وشبكة الدفاع الجوي السوري، ولكنها باتت أكثر كثافة في المنطقة الحيوية للدولة السورية، ومن المعروف أنّ شبكة الدفاع الجوي السورية هي الأكثف في العالم والأكثر تنوعًا ولم يتم استخدام هذه الشبكة بشكل فاعل منذ حرب تشرين عام 1973 باستثناء استخدامها المحدود في اجتياح لبنان عام 1982، ومنذ ذلك التاريخ نعتبر شبكة الدفاع الجوي السورية لغزًا لم تستطع استخبارات الكيان الصهيوني فك رموزه رغم كل محاولات التحرش الجوي بهذه الشبكة لكشف تردداتها وتقنيات كشف الأهداف الجوية وطرق الإطباق على الهدف. وهذه الشبكة تضم تشكيلة متنوعة وكبيرة من الصواريخ أرض جو لا يستطيع احد التحدث عن اعدادها وانواعها وفاعليتها لأنه وبرغم الحرب لم يستطع احد الوصول الى توصيف دقيق لشبكة الدفاع السورية التي من المؤكد انها تحتوي على انظمة صواريخ خطيرة كالـ”تور ام 1″ والـ”بانتسير” وغيرها التي ستعمل كمنظومة متكاملة رغم خسارة الدفاعات الجوية للعديد من مواقع الإنذار المبكر في الجنوب السوري وأكثر من مكان، وعليه فإنّ أي كلام عن استخدام شبكة الدفاع الجوي السورية لن يكون دقيقًا نظرًا للشّح الكبير في المعلومات عن هذه الشبكة.

على مستوى سلاح الجو، فإنّ سورية بالتأكيد لا تملك التفوق اللازم على سلاح الجو الصهيوني لا في العدد ولا في النوعية، خصوصًا أنّ عدد طائرات الإعتراض الجوي المهمة يقتصر على حوالي 90 طائرة ميغ 29 بعضها تم تطويره الى الطرازات المتقدمة وعدد من طائرات الميغ 25 ولا يملك احد رقمًا صحيحًا للعدد العامل منها، وهي طائرات لا زالت حتى اللحظة قادرة على عبور اجواء فلسطين المحتلة دون ان تتمكن الصواريخ الصهيونية من اسقاطها نظراً لقدرتها بلوغ ارتفاع 37 كلم وسرعة تصل الى 3000 كلم في الساعة وقدرتها على المواجهة ضمن شعاع يصل الى 60 كلم اصبح في الميغ 31 وهي النسخة المطورة عن الميغ 25 حوالي 180 كلم، ولا احد يعلم اذا ما تم تزويد الميغ 25 بصواريخ الميغ 31 وتقنيات توجيهها حيث يسود الكثير من السرية والتكهنات حول الأمر.

التحدي الأكبر لـ”إسرائيل” لن يكون سلاح الجو السوري وشبكة الدفاع السورية التي يمكن لها إحداث تفوق فيها، إنما يكمن في خطر الصواريخ أرض – أرض التي تملكها سورية وهي بالآلاف وخصوصاً صواريخ المدى المتوسط من فئتي فاتح وام 600 ذات المدى الذي يصل في بعض طرازاتها الى 400 كلم وبرؤوس حربية تصل الى 500 و700 كلغ، إضافةً الى اعداد كبيرة وهائلة من صواريخ فئة فجر التي يصل مداها الى 120 كلم برؤوس حربية تصل الى 100 كلغ.

وكما استطاعت المقاومة في لبنان وغزة ان تستمر في اطلاق الصواريخ حتى آخر يوم في الحرب، سيكون بوسع سورية وحزب الله وأقله حركة الجهاد الإسلامي في غزة إطلاق الصواريخ منذ لحظة اندلاع المواجهة وحتى نهايتها ومن ثلاثة اتجاهات لن يبقى فيها لـ”إسرائيل” أي عمق استراتيجي وتصبح جغرافيا فلسطين المحتلة كلها تحت النار.

أما لماذا قلت بأنّ حزب الله والجهاد الإسلامي سيشتركان في المواجهة، فلأنّ أي سقوط لسورية سيكون بمثابة ضربة قاصمة للجهتين سيصعب وربما ينهي قدراتهما على المواجهة في المستقبل.

وإن كانت صواريخ غزة فتحت نافذة من نوافذ الجحيم على “إسرائيل”، وإن كانت صواريخ حزب الله ستفتح بعض بوابات الجحيم، فإنّ الصواريخ السورية وربما الإيرانية اذا ما تفلتت الأمور ستفتح نار الجحيم كلها وستحرق “إسرائيل” وتزيلها من الوجود.

وإن لم يمتلك أحدٌ منّا موعدًا لحصول المواجهة، إلّا أنها حتمية وستحصل وستكون نهايتها معروفة ومعلومة بالقناعة والثقة بأنفسنا وباليقين.

*ضابط سابق (خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية).

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.