مقاربة مختلفة لأزمة الحزب الشيوعي اللبناني / ابراهيم عمار

 

ابراهيم عمار ( لبنان ) الأحد 23/8/2015 م …

نشرت في الفترة الأخيرة جملة مقالات هادفة لمعالجة أزمة الحزب الشيوعي اللبناني، تضمن بعضها افكاراً يمكن البناء عليها، بينما شخصن بعضها الآخر الأزمة واستغلها في الزواريب السياسية الضيقة.

سأحاول تناول المسألة في سياقها التاريخي، وعرض ظروفها الموضوعية، والمسؤوليات الذاتية التي أدت الى هذا المأزق في محاولة للمساهمة مع آخرين باستكشاف الوجهة الضرورية للحل.

ما بين أزمتين

تعرض الحزب الشيوعي اللبناني الى أزمتين، الأولى، في منتصف ستينيات القرن المنصرم، والحالية، وتعود الى عقدين والتي وصفها الأمين العام الراهن بأنها مأزق. ان منهجية المقارنة بين السمات والاسباب الجوهرية لتينك الازمتين، والتطرق للأسس التي اتّبعت لحل الأولى، يستهدفان رؤية التناقض والمشترك بينهما، للإضاءة على الاسلوب الضروري لمواجهة الازمة الحالية وحلها.

إن الأزمة الاولى كانت وليدة التناقض ما بين حركة النهوض التي عاشها الحزب، وحاجته الى تطور نظريته، وسياساته القومية والوطنية، ورسم صيغة عصرية للتحالفات، واقرار نظام داخلي يفعّل اتساع صفوف الحزب وتنوّع نضالاته وانتشار نفوذه في مختلف المنظمات الديموقراطية، وما بين محدودية الرؤية والجمود في وسط بعض القيادات العليا للحزب وتخلّف علاقات الحزب الأممية، وبخاصة مع الحزب الشيوعي السوفياتي، وقصور رؤيته وتقييمه للحركة القومية العربية، فضلاً عن افتقاده للنظام الداخلي وانقطاع عقد مؤتمراته الوطنية والاستعاضة عنها بقرارات فوقية. باختصار، يمكن القول إن طبيعة الأزمة الأولى كانت في تصادم حركة النهوض والتطور في الحزب، بأطر ومفاهيم قيادية متخلّفة.

ان تضافر جهود الأمين العام الأسبق الراحل نقولا الشاوي، وتبنّيه لطروحات المنظمات الوسطية والقاعدية فضلاً عن القيادة الشابة، حول ضرورة صيانة وحدة الحزب وضمان تطوره، أديا الى عقد المؤتمر الوطني الثاني للحزب الشيوعي في العام 1968، الذي شكّل منعطفاً تاريخياً في مسيرته.

الأزمة الحالية

تتسم الأزمة الحالية بطبيعتها التراجعية الانحدارية، أي نقيض الأزمة الأولى. ولدت نتيجة ظروف موضوعية خطيرة ومعّقدة، سأكتفي بالاشارة الى عناوينها:

1ـ عالمياً: انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية.

2ـ عربياً: اضمحلال شبه تام لدور حركة التحرر العربية.

3ـ وطنياً: هزيمة مشروع الحكم الوطني الديموقراطي.

4ـ أيديولوجياً: انتشار الفكر الغيبي والوعي الطائفي والمذهبي.

هذا بالإضافة الى سياسة الضغط والتهميش التي مارسها النظام الأمني السوري ـ اللبناني ضد الحزب والمقاومة الوطنية.

المسؤولية الذاتية

مع الاعتراف بهذه الاسباب الموضوعية للأزمة، لا بد من الاضاءة على المسؤوليات الذاتية لتفاقمها ولتحويلها الى مأزق يستعصي على الحل، ولنستعرض بالعناوين بعض نماذجها.

أولاً: التغيير الحاسم لبنية قيادة الحزب، ولو بالتدرج منذ العام 1975، تحت ضغط متطلبات المرحلة التي أدت لبروز العناصر العسكرية والأمنية على حساب دور القــــيادة التاريخية ذات الخـــبرة والعلاقات السياسية والتنظيمية والثقافية.

ثانياً: عشية التحضير للمؤتمر الوطني التاسع للحزب 2004، ونظراً لبروز طروحات متفاوتة واصطفافات متنوعة داخل الحزب، قررت اللجنة المركزية تشكيل هيئة حوار داخلي، مؤلفة من 26 رفيقاً ورفيقة، يمثلون مختلف الاصطفافات الحزبية، أنيط بها تحضير ورقة توجهات فكرية، سياسية وتنظيمية، وقد رفعت اللجنة تقريرها الى اللجنة المركزية بعد نقاش دام حوالي السنة، تضمن توصية للتوجهات السياسية الضامنة لوحدة الحزب، واقتراح فصل موضوع الخلاف حول طبيعة النظام الداخلي الى المؤتمر لاقرار ما يراه مناسباً.

نوقشت وأقرت هذه التوجهات في اللجنة المركزية، وبعدها أخفيت في الادراج.

فاقمت هذه المخالفة الخلاف السياسي داخل الحزب، وساهمت باعلان تأسيس «حركة اليسار الديموقراطي».

ثالثاً: ان سياسة عدم تمايز الحزب عن الانقسام العمودي الذي حصل في شهر آذار 2005، وعدم حماية استقلالية الحزب، بتبنّي سياسة التبعية غير المبدئية التي انتهجتها القيادة ولا تزال، فضلاً عن: التخلف النظري، فقدان البرنامج السياسي، اضمحلال التحالفات، فقدان دور الحزب التاريخي في النضال الطبقي والمطلبي الاقتصادي الاجتماعي، تآكل نفوذه في وسط المنظمات الديموقراطية والثقافية العمالية والشبابية والنسائية بشكل محدد، اكتفاء القيادة بطرح شعارات لا صلة لها بالواقع، كل ذلك ساهم بانتشار الاحباط في صفوف الحزب وتفكك العديد من المنظمات واعلان تأسيس «حركة الانقاذ في الحزب الشيوعي اللبناني». ان هرب القيادة من الازمة، باتجاه عقد مؤتمر وطني للحزب، أواخر هذا العام، على قاعدة ممارساتها السابقة المدانة في التحضير للمؤتمرات، لتسويق مفاهيمها الفكرية والسياسية والتنظيمية التي أوصلت الحزب الى ما وصل اليه، سيؤدي ـ الهرب ـ حتماً الى المزيد من الاهتراء في صفوف الحزب، وتعمق المأزق لدرجة الاستعصاء.

في ضوء ذلك، واستناداً للتجربة الناجحة لكيفية حل أزمة الحزب الأولى (أزمة ستينيات القرن الماضي)، لا بد من السعي المشترك والمسؤول لاقرار آلية مشتركة تؤمن تضافر الجهود والمسؤولية المتساوية لجميع الشيوعيين في التنظيم وخارجه في لبنان والمهجر للانخراط في ورشة عمل تقييمية، وتحليل الوقائع وتقديم التوجهات الفكرية والسياسية والتنظيمية وصولاً لصياغة وثائق المؤتمر الجامع لكل الشيوعيين، القادر ان يحافظ على وحدة الحزب ورسم معالم تطوره اللاحق.

ان الحاجة الموضوعية القومية والوطنية، تفرض في الظروف الراهنة والمصيرية، وجود أحزاب شيوعية ويسارية، للقيام بوظائفها القومية، الوطنية، الديموقراطية والاقتصادية الاجتماعية وللمساهمة في مواجهة الاخطار التي تهدد أوطاننا.

ان هذا الواقع الموضوعي سيفرض في حال فشل قيادة الحزب الشيوعي و/أو عدم رغبتها بضمان شروط وحدة واستنهاض الحزب، أي عدم قيامها بأبسط موجبات وجودها، سيفرض هذا الواقع الموضوعي تأسيس أحزاب شيوعية جديدة قادرة على حمل مسؤولياتها التاريخية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.