الثورة السودانية ولحظات المخاض المتعثر
ما ان اعلن المجلس العسکري في السودان وقوى اعلان الحرية والتغيير ليلة الثلاثاء الماضية عن اتفاق طال انتظاره على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، على أن يتم الاتفاق والاعلان عنه بشكل رسمي خلال 24 ساعة.
ويفترض أن يستكمل الاتفاق بتشكيل “مجلس السيادة” المؤلف من عسكريين ومدنيين ويتولى الحكم، ومجلس وزراء لإدارة شؤون البلاد.
وبحسب مفاوض في قوى الحرية والتغيير، فإن اتفاقا جرى التوصل إليه بتشكيل مجلس أمن يرأسه رئيس المجلس السيادي ويتكون من رئيس الوزراء إلى جانب وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية. ويشدد المفاوض على أن وزارة الدفاع ستذهب للجيش والداخلية للشرطة.
وفور الإعلان عن الاتفاق احتفل السودانيون بإطلاق الهتافات والزغاريد. وردد المعتصمون النشيد الوطني ولوحوا بأعلام السودان وسط أجواء احتفائية تخللتها الأغاني الوطنية، وعانق المعتصمون بعضهم بعضا وهم يغالبون دموعهم بعد يوم دامٍ فقدوا فيه عددا من رفقائهم على المتاريس.
حالة من الفرح الحذر سادت ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش بالخرطوم عقب مفاوضات اليوم الثاني،فقد شهد يوم الثلاثاء محاولات يائسة لفض الاعتصام اطلق خلالها الغاز المسيل للدموع والاعيرة النارية وقد فقد الثوار خلالها ثمانية من رفقاء دربهم النضالي .
اشارت قوى المعارضة باصابع الاتهام الى قوات الدعم السريع التي يترأسها الرجل القوي محمد حمدان حميدتي والتي سارعت بدورها الى نفي الموضوع جملة وتفصيلا ، الا ان مشاعر الفرح وقرب جنى ثمار الثورة حالت دون الخوض في الموضوع وتناوله بشكل اوسع رغم اعلان المجلس العسكري تكوين لجنة للتحقيق وكشف ملابسات الحادث والجهات التي تقف خلفه .
يوم الاربعاء كان حافلا مثل سابقه فقد نفذ الجيش السوداني حملة لإزالة الحواجز من الطرق الرئيسة وتحدث شهود عيان عن سماع دوي إطلاق نار بكثافة الشوارع المحيطة بساحة الاعتصام وسط الخرطوم، عندما حاولت قوة من الجيش وقوات الدعم السريع فتح الشارع وتجمهر المحتجين لحمايته.
وانتشرت بشوارع المك نمر والمطار قوة مسلحة من الجيش السوداني، وبدأت في إزالة المتاريس التي يعتبرها الثوار الضامن وجسرهم لتحقيق مطالبهم كاملة، فقوبلت المحاولة بمقاومة شرسة من قبل الثوار العزل حيث سقط اربعة عشر جريحا بينهم سبعة بالرصاص الحي فعلّق المجلس العسكري الانتقالي في السودان على اثر هذه التطورات الجلسة النهائية لحواره مع قوى الحرية والتغيير، حتى يفتح المتظاهرون الطرق المغلقة في أجزاء من الخرطوم.
فالملاحظ ان الدولة العميقة التي حكمت البلاد لثلاثين عاما والمتجذرة في كل مؤسسات الدولة ولاسيما المؤسسة العسكرية لاتريد لهذا الاتفاق ان يرى النور وهي على استعداد لفعل كل شيء للحيلولة دون ذلك ووأد كل المحاولات الجادة لاخراج البلاد من نفق الفوضى، فقد كان الاتفاق قاب قوسين او ادني من مرحلة التوقيع رغم المحاولات اليائسة واحداث الثلاثاء الدامية فجاءت احداث الاربعاء والقت بظلالها الثقيلة على المشهد السياسي السوداني واعطت المجلس العسكري الذريعة المناسبة للالتفاف على ماتم التوافق عليه مطالبا برفع الحواجز التي حالت ولاتزال تحول دون الالتفاف على مطالب الثوار ،وهم يعلمون تماما انها صمام الامان للخروج بسلمية ثورتهم الى بر الامان .
فهل يفلح الثوار وقادتهم في قوى الحرية والتغيير في ادارة معركتهم مع هذه الدولة العميقة واستخدام اوراق ضغط اقوى لاجبار العسكر على النزول الى رغبهم لاسيما ان الضغوط الدولية على المجلس العسكري بدأت في التزايد ووصلت الثورة السودانية الى مرحلة عض الاصابع وهذه استراتيجية يجيدها الثوار السودانيين جيدا .
التعليقات مغلقة.