قبل الصفقة بنكبة / كريستينا المومني
بمنتصف ليل الأمس، مارس القمر خسوفه في قلب السماء، وفيهِ أيضاً، قبل 852 شهراً و 17 ساعة و رصاصات، ركل الرئيس الأمريكي هاري ترومان بطن التاريخ بعنف، فكان المخاض – قبل الولادة بشظية – نكبة وأشياء أخرى.. كاعتراف ذاك الترومان بولادة اسرائيل، فما أن انتهى الانتداب البريطاني على فلسطين حتى ولد ذاك الكيان من رحم المجلس اليهودي الصهيوني، فبدا الركل منطقياً بالمنطقة حينها، ودق العرب طبول الحرب لركل الكيان غير أنها – اسرائيل- أشارت بوقاحة إلى رغبتها بالترعرع والتربع فوق ماضينا وتعهدت -بوقاحة أيضاً- عدم منازعة أحد في سلطانها.
إن المراقب للتاريخ المستبصر فيه والناظر إليه، يذكر أنه في نكبة الــ 48 كانت أقوى الجبهات وأهمها هي الجبهة الأردنية الاسرائيلية ويذكر كيف غصّ بن غوريون -هنيئاً مريراً- أمام الكنيست قائلاً: ” لقد خسرنا في معركة باب الواد وحدها أمام الجيش الأردني ضعفي قتلانا في الحرب كاملة”، كما أنه – المراقب والمستبصر- يعتبر أن النكبة وتداعياتها عملية نشطة و مستمرة بدأت منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر عندما استوطن الصهاينة في فلسطين، بل هي صفعة يُخَطط لها بالحاضر من أجل المستقبل على هيئة صفقة.
عزيزي العربي المنكوب، في أوسلو والاتفاقيات التي تلتها، ضمنت اسرائيل شرعنة “الاستعمار الاستيطاني” واحتواء البعض كما حاولت عبر التاريخ إدارة مستقبل ” نكبتنا” محاولةً محوها من ذاكرتنا الشعبية والقضاء على شهودها ، فحاول يا عزيزي أن تفتح الباب -قبل أن تغلقه بوجهي- مرة أخرى للمقاربة بين النكبة والصفقة – قبح الله ذكرهما- إذ يلعب البنك الدولي الآن ضغوطه في تمرير الصفقة دور الانتداب آنذاك، الهدف منهما هو إعلان ولادة لشيء ما بعلاقة غير شرعية – بين جميعهم- أما عراب كليهما فهو الرئيس الأمريكي و من استطاع إليه سبيلا..!
وبالرغم من تلك المقاربات، لا أعتقد أن يعيد التاريخ نفسه عبر صفقات تكتيكية، فكما كان الأردن عصياً عليها أيام النكبة هو كذلك الآن الجبهة الأقوى والأهم في صفقة استكمال النكبة، رافضاً لها، متمسكاً بثوابت معلنة رسمياً بالرغم من الضغوطات الاقتصادية التي يمر بها، كذلك الغرب وحتى -أشقائنا بدول عدم الانحياز- يدعمون نصف خطة ترامب للسلام ولا يدعمون نصفها الآخر، لذا يبقى الخيار الاسرائيلي لضمان استمرار النكبة هو ميزان القوى أي عبر قوتها العسكرية وليس صفقة القرن.
التعليقات مغلقة.