الديبلوماسية السورية تشتبك مع الغطرسة الأميركية… هل من رسائل؟ / سومر صالح

 

سومر صالح ( الأربعاء ) 26/8/2015 م …

«تابعت الجمهورية العربية السورية بقلق التطورات الخطيرة في شبه الجزيرة الكورية…» بهذه الكلمات ابتدأت وزارة الخارجية والمغتربين بيانها الديبلوماسي حول الأحداث في كوريا الشمالية، للوهلة الأولى يبدو البيان عادياً وروتينياً اعتادت الخارجية السورية على إصداره في إطار ثوابت سياستها الخارجية المبنية على الحرص على العلاقات المتميّزة والوفاء لأصدقائها، ولكن إذا ما أضفنا إلى هذا البيان تصريح الرئيس الأسد بتاريخ 8/3/2015 والذي قال فيه «إنّ سورية وكوريا تقفان في خندق واحد ضدّ عدو واحد يريد أن يغيّر من هوية شعبيهما الوطنية»، مردفاً «إنّ ما قامت به سورية تجاه كوريا في السابق وما تقوم به كوريا اليوم تجاه سورية ينطلق أولاً من المبادئ الأخلاقية في البلدين والمبنية على الكرامة الوطنية وعلى الوفاء للأصدقاء».

هنا تتضح أهمية هذا البيان، فالسياسية الخارجية السورية لا تبنى على ردّ الفعل أو الانفعال، فكيف إذا كان الظرف السياسي السوري معقداً وحساساً، هنا علينا وضع البيان الديبلوماسي في سياق تطوّر الأحداث الإقليمية والدولية لاستيضاح أهميته والرسائل التي أراد إيصالها.

بتاريخ 20/7/2015 أعادت الولايات المتحدة إحياء العلاقات الديبلوماسية مع كوبا، وهو ذات اليوم الذي صدّق فيه مجلس الأمن الدولي على اتفاقية فيينا النووية بين الغرب وإيران، وبالطبع لا مكان للصدف في عالم السياسية، كلنا يتذكر مصطلح «محور الشر» الذي أعلنه جورج بوش في العام 2002 ليشمل كلاً من العراق وإيران وكوريا الشمالية، والجميع يتذكر أيضاً تصريح السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة جون بولتون حول دول «ما وراء محور الشر» مشيراً إلى كلّ من ليبيا وسورية وكوبا، الأمر لا يحتاج الكثير من العناء لشرح مستويات النهج الأميركي الذي لم يتغيّر منذ عهد بوش وصولاً إلى أوباما، ولو اختلفت الوسيلة، فالعراق وليبيا إلى الفوضى والتدمير وفي نهاية المطاف التقسيم، فالعراق دمّره بوش، وليبيا دمرها أوباما، وإيران وكوبا إلى الاحتواء الديبلوماسي كوسيلة جديدة في النهج الأميركي الثابت والقائم على تفكيك وحدة الخصم، لتبقى سورية وكوريا في ميدان الاشتباك مع الولايات المتحدة، هنا أصبح كلام الرئيس الأسد واضحاً حول الخندق الواحد الذي يجمع البلدين ضدّ عدو واحد، وبالطبع هو الأميركي.

ولكي تتضح الصورة أكثر علينا ربط المتغيّرات المتشابكة والدراماتيكية للأزمتين السورية والكورية، ففي 17/8/2015 بدأت المناورات الكورية الأميركية، وبتاريخ 19/8/2015 أعلنت الخارجية الروسية التحضير لعقد مؤتمر «جنيف 3» لتسوية الأزمة السورية، ومن المؤكد أنّ الأميركي على علم ودراية بالحدث، وبتاريخ 21/8/2015 شنّ العدو الصهيوني عدواناً على الأراضي السورية، ليأتي بيان الخارجية السورية بتاريخ 23/8/2015 ليصحّح الخلل في التوازن الحاصل في المشهد، هنا يسأل سائل كيف ذلك؟

بداية هناك افتراضان أساسيان لما حصل، الافتراض الأول أنّ المناورات المشتركة أتت لرفع حدة الاشتباك الأميركي مع روسيا والصين نتيجة الخلل الحاصل في الأزمتين السورية والأوكرانية لصالح المحور الروسي الصيني، طبعاً الولايات المتحدة ستستغلّ الساحة الكورية نظراً لطبيعة العلاقة الكورية الروسية من جهة، ولحساسية الجغرافيا الكورية بالنسبة للصين من جهة أخرى، هنا يمكن وضع العدوان الإسرائيلي بتاريخ 21/8/2015 في إطار تسخين الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط، بمعنى إمكانية اندلاع حرب إقليمية بين محور المقاومة و«إسرائيل»، بهذا سيكون حلفاء روسيا جميعاً على خطوط النار، الأمر الذي سيحتم على روسيا تقديم تنازلات في «جنيف 3» والتي قد تتخذ طابع الحلول الوسط لمجمل الأزمات، أو طابع التنازل المتبادل لساحات على حساب ساحات، حسب ما تؤول إليه هذه الأزمات. هذا الكلام في إطار التحليل طبعاً، أما الافتراض الثاني فهو أنّ الولايات المتحدة تريد فعلاً تصعيد الموقف العسكري بين الكوريتين لاستنزاف الصين وإشغال روسيا، بعد تعاظم الخطر الصيني والقوة الصينية وتمدّدها إلى مناطق كانت مجالاً حيوياً للولايات المتحدة، هنا نورد حادثتين الدخول البحري الصيني إلى المتوسط وتكراره في ميناء بندر عباس الإيراني…

وأمام هذين الافتراضين علينا التوقف عميقاً أمام زيارة رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إلى جزر الكوريل المتنازع عليها مع اليابان حليفة الولايات المتحدة في الشرق الآسيوي بتاريخ 22/8/2015، والتي تأتي كردّ فعل مباشر وحاسم على استفزاز حليفتها كوريا الشمالية، فالرسالة الروسية واضحة استفزاز باستفزاز وتصعيد سيليه تصعيد… أمر أربك الخطة الأميركية، فردّ فعل روسيا كان مفاجئاً… وسريعاً.

هنا تكمن أهمية البيان الديبلوماسي السوري الذي انطلق من فهم عميق لتضارب المصالح الجيبوليتيكية العالمية، وخصوصاً الروسية والأميركية ومركزية الأزمة السورية في إعادة التوازن للعلاقات الدولية، فكان عنوانه القوة والحكمة، فلو انطلقنا من الافتراض الأول وهو محاولة أميركا رفع سقف التوتر العالمي لتحصيل مكاسب جيواستراتيجية انطلاقاً من الأزمة السورية، وفرض شروط في مؤتمر «جنيف 3» كان الجواب السوري لاذعاً برفع سقف المواجهة الديبلوماسية مع الولايات المتحدة ووصف أعمالها بـ«الاستفزازية»، وهو اشتباك ديبلوماسي سوري على مستوى دولي، وهو أمر مستجدّ في السياسة السورية، وبالتالي أوصلت القيادة السورية رسالتها بعدم استعدادها لتقديم تنازلات في «جنيف 3»، وانّ المعركة تحسم في الميدان أولاً، وهو أمر باتت تخشاه الولايات المتحدة بعد انهيار أدواتها في الداخل السوري، وإذا انتقلنا إلى الافتراض الثاني وهو النية الأميركية بإشعال حرب في شبه الجزيرة الكورية كان البيان واضحاً في فهم المقاصد الحقيقية والنوايا المبيتة، فسورية تدرك أنها بقيت وحيدة على قائمة الولايات المتحدة والعدوان «الإسرائيلي» يشير إلى النوايا الأميركية بالعدوان لأنه تمّ برضى أميركي، فحمل البيان رسالة واضحة للولايات المتحدة وللحلفاء أيضاً حين قال «إنّ سورية تعبّر عن تضامنها التامّ مع شعب وقيادة كوريا الديمقراطية»، وتركت أمر تفسير معنى «تام» لقابل الأيام، وأشار البيان إلى ملامحه حين قال إنّ «فقدان الأمن والاستقرار سيؤثران أيضاً على الأمن والاستقرار في العالم»…

وبغضّ النظر عما ستؤول إليه أزمة الكوريتين وجزر الكوريل، فالديبلوماسية السورية أوصلت رسائلها وغيّرت قواعد الاشتباك الديبلوماسي وانتقلت من الدفاع إلى الهجوم، ورسمت معالم «جنيف 3» عنوانها القوة السورية، إنها حنكة الديبلوماسية السورية مجدّداً، والتي هزمت ثعالب الديبلوماسية الأميركية سابقاً، فلوحة النصر السوري تخطه ريشة قائد أتقن علوم القيادة العسكرية وأبدع في فنون السياسة، فإلى موعد قريب مع النصر…

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.