إنتهازية الاحزاب السياسية الاسلامية في السودان / د. عادل يعقوب الشمايله
د. عادل يعقوب الشمايله ( الأردن ) الثلاثاء 28/5/2019 م …
أعلنت الاحزابُ السياسةُ الاسلاميةُ في السودان بما فيها حزبُ الامة، رفضها المشاركةَ في إضرابٍ عام وعصيانٍ مدني دعت اليها القوى السياسيةُ الثائرةُ المتواجدةُ في شوارع المدن السودانية منذ اسابيع. كما أعلنت تلك الاحزاب الاسلامية، أنها تقفُ مع المجلس العسكري السوداني في توجهاته لإدارة المرحلة المُقبلة.
وهي بهذا الموقف، تضعُ نفسها في مواجهةٍ مُضادةٍ لمطالب الشعب السوداني ممثلا في قوى الحراك الشعبي. الاحزابُ الاسلاميةُ في السودان توافقُ المجلس العسكري المكون ممن كانوا شُركاءِ “أمير المؤمنين عمر البشير” طوال ثلاثين عاما، الاستمرار في قيادة البلاد لمدة ثلاث سنوات إضافية، وأن تقتصرَ مُشاركةُ الثوار المدنيين على مهام الادارة العامة وليس السيادة والحكم، من خلال مجلس وزراء هزيل إمعةٍ لبصاطير المجلس العسكري. هذه هي عادةُ الاحزابِ الاسلامية. هذا ما فعلتهُ في مصر، وهذا ما فعلته في تونس وباكستان وبنغلادش والمغرب، وسيفعلون نفس الشئ كلما ثار الشعب على مظاهر ومسببات الظلم والفساد والاستبداد. لا يحرثون ولا يزرعون ولا يُعشِّبون ولا يسقون.
ينتظرون حتى ينضج الثمر وتعبأ اكياس القمح على البيدر لينقضوا عليها ويلهفوها ممن حرث وزرع وسقى وعَشَّب، وكَوَتهُ أشعةُ الشمسِ ولسعتهُ الرياح الباردة. التبريرُ الذي يختبأون وراءه هو ضمان إستمرار تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان، وهو نفسُ الشعارِ الذي حملهُ عمر البشير لثلاثين عاما، سرق خلالها هو وزبانيته من الضباط وزعماء الجماعات الاسلامية البلاد وقسمها وأفقرها وقتل مئات الالاف وتنازل عن سيادة السودان وموارده ووحدته، حتى لا تطاله يد العدالة الدولية وتحاسبه على جرائمه ضد الانسانية. ما فعلهُ نظامُ عمر البشير الاسلامي العسكري، أبرزَ للعالم النتائج المتوقعة لتطبيق نماذج الحكم “بإسم الاسلام” التي وضع قواعدها فُقهاءُ الخنوعِ لإرضاء أسيادهم المستبدين الذين إختطفوا الاسلام كدين، واختطفوا مصائر المسلمين ووضعوها تحت قوائم عروشهم. الشعب السوداني وبعد أن خبر الاعيب ما يسمى “الاحزاب السياسية الاسلامية” الذين جاءوا بعمر البشير وشاركوه في السرقة والنهب وتخريب البلاد وتقسيمها، لا يريدون أن يفسحوا المجال للاسلاميين مرة أخرى. لانهم فقدوا الثقة بهم تطبيقا لقاعدة” المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين”، و “المؤمن كيس فطن”.
وهذا ما اقتنع به معظم المصريين بعد تجربة محمد مرسي الفاشله. لذلك فإن الاحزاب السياسية الاسلامية التي ذاقت طعم السلطة ومكاسبها، لا ترضى بإن تُحرم من تلك المكاسب، مما يجعلها تقبل أن تتحالف مع الشيطان وأبو الشيطان. هذا يبرهن على أن الاحزاب السياسية الاسلامية لا تؤمن أصلا بالديموقراطية ولن تؤمن بها. بمعنى أنها لا تؤمن بأي دور سياسي للشعب الذي يُسمونه رعية، وعوام. الاحزاب السياسية الاسلامية تتظاهر بقبول الديموقراطية، وهذا من باب التذاكي فقط. هم توصلوا الى قناعةٍ، أن باستطاعتهم الوصول سريعا الى السلطة باستخدام أليات الديموقراطية المتمثلة بصناديق الاقتراع والتصويت، بعد أن نجحوا في إلغاء عقول الناخبين، واغتالوا حرية التفكير عندهم، باستخدام منابر المساجد والمناهج المدرسية وشاشات التلفزة. لن يتردد اتباع الاسلام السياسي عقب الفوز بالسلطة باغلبية الاصوات، أن يفعلوا ما فعله طارق بن زياد في السفن التي مكنته من عبور البحر الى اسبانيا، حيث حرقها واغرقها. الاسلام السياسي منذ أن بدأ في عهد الخلفاء الذين اخترعوه “بدعة” حيثُ لم يؤسس له الرسول، ولا توجد آية واحدة في القرآن أو حديث نبوي موثق يدعم الاسلام السياسي والحكم باسم الاسلام ولا كلمة خليفة. ما ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام عن الخلافة كان من باب الاخبار بالاحداث القادمة وليس من باب الموافقة عليها.
على العكس حديث الرسول الذي قال فيه عن فترة قصيرة يكون فيها حكم رشيد، يتبعها ملك ظالم، هو تحذير للمسلمين من عواقب السلطة السياسية بإسم الدين. ولكن المسلمين لم يفهموا مقاصد حديث الرسول وقام الفقهاء بتزوير معناه. ألفقهاء الاسلاميون المُحبون لاسلام الخلفاء لا إسلام محمد عليه الصلاة والسلام، شرعنوا لاسلوب الغلبة للوصول الى الحكم وليس الديموقراطية منذ عهد معاوية. الغلبة هي مصدر الشرعية، والله الذي “صنعوه هم وليس الله على حقيقته” كما أخبر عن نفسه بواسطة الانبياء والمرسلين هو مصدر السلطات، لان هذا الاله المخترع منهم يمكنهم من إحتكار التعبير عن ارداة الله وما يريده الله وما لا يريده. الاسلام السياسي لا يقبل رقابة دنيوية أي رقابة الشعب على اعمال السلاطين، بل رقابة ذلك الاله في الاخرة “المرجئة”. كافة الاحزاب السياسة الاسلامية ترفض الثورة مهما بلغ ظلم الحاكم وتعسفه وفساده، لانهم دائما جُزءٌ لصيق للحاكم ويتغذون على فتاته.
ولهذا فإن على جميع الاحزاب السياسية البرامجية والحراكيين والنشطاء السياسين أن يعوا ويحفظوا عن ظهر قلب حقيقة مواقف الاحزاب السياسية الاسلامية، واساليبها وتحالفاتها، وأنها لا ترضى بغير استلام السلطة كاملة في نهاية الامر اذا استطاعوا الى ذلك سبيلا. يقبلون ببعض السلطة ويُقبلون أقدام من يمنحها لهم ويُفتونَ له مقابلها، أن “يكون الجبار العنيد الفعال لما يريد”. وما على الرعية الا الصبر على إبتلاء الحاكم لان في ذلك حكمة الاهية لا يعلمها الا الله، وأنه سوف يجازيهم على صبرهم على فقرهم وخنوعهم وذلهم، بالجنة التي يقدمها المشايخ باليمين ويسلبونها باليسار جزاءاً على ما يرتكبه هؤلاء الفقراء والمضطهدين من آثام وهفوات. وبذلك ينتهي مصير الفقراء والمضطهدين الى مصير “معيد القريتين أو الجهنمين”.
التعليقات مغلقة.