الأردن … الشرفات يكتب: من يسهل تهريب البضائع للداخل؟

د. طلال طلب الشرفات ( الأردن ) الثلاثاء 4/6/2019 م …



قد نختلف مع الحكومة كثيراً في الشأن العام، ولكن هذا الاختلاف لا يعطينا الحق في محاولة تعطيل أعمالها، أو إعاقة جهودها في كبح جماح الفاسدين الذين عاثوا فساداً في الوطن، وعبثوا بمقدراته؛ سواءً بالرشوة، أو بالتهريب، أو الافتئات على سيادة القانون، والاعتداء على المال العام، أو الثقة العامة. تلك ملاحظة نوجهها للساسة في الأحزاب، والبرلمان، والنقابات، ومؤسسات المجتمع المدني في كل أرجاء الوطن، حتى وإن قصّرت الحكومة، أو غفلت عن شأن عام فهو مدعاة لتذكيرها بواجبها، وإسنادها في مهامها؛ لأن الحكومة –أياً كانت– هي حكومة للوطن ولا يجوز مساءلتها إلا بالوسائل الدستورية، والرغبة الشعبية ضمن الأدوات الديمقراطية.

علينا أن نعترف أولاً بتراخي المؤسسات الرقابية، ورخاوتها وارتباكها، وافتقادها للأساليب الرقابية الناجعة في كبح جماح الفساد، وعلى الأخص في هذه المرحلة؛ حين أضحت عمليات التهريب تفتك بالمال العام، والتقارير التي تتحدث عن خسارة الخزينة مليون دينار يومياً؛ بسبب تهريب السجائر فقط مما يثير الاستياء والعضب، ويعيد للأذهان دعواتنا السابقة ومطالبتنا بضرورة وجود كوادر مؤهلة للتحقيق الاحترافي، وتبادل المعلومات مع المؤسسات التي تملك معلومات مهمة في هذا الشأن، أو قادرة على امتلاكها. ويجب على الحكومة أن تدرك بأنها أمام مسؤولية تاريخية في ضرورة معالجة هذا الملف بحزم، ومسؤولية وطنية راسخة، وبالتعاون مع مجلسي الأمة بشقية.

الحقيقة المرَّة التي لا نستطيع إنكارها هي أن التهريب جريمة منظمة يشترك فيها محترفون يتجاوزون في قدراتهم استعدادات دائرة الجمارك، والمؤسسات الأخرى، وقد يساندهم أشخاص في الإدارة العامة، أو المؤسسات العامة دون أن نستثني أحداً.
قبل أن تتوقف ظاهرة الإنفلات هذه والتي تشكل خطراً على هيبة الدولة في ضمان نزاهة كوادرها من جهة، واستعدادها لتأهيل أدوات محترفة، نزيهة، مستقلة، وقادرة على جمع معلومات حقيقية، وتملك صلاحيات اتخاذ القرار اللازم لقطع دابر التهريب دون هوادة.

من المؤلم، والمفجع حقاً أن رعاية فساد التهريب من قبل قوى نافذة، ومؤثرة يؤدي بالقطع إلى إرباك الجهود الوطنية في مكافحة الفساد بشتى جوانبه وعلى وجه الخصوص التهريب، ومن المفجع اكثر اننا فشلنا حتى الان في التوافق على منظومة قيم وطنية تعتبر الفساد نقيصة بحق كل ممارسيه او الراعين له، والإدانة الاجتماعية الحازمة قبل المساءلة القانونية، واقتلاع الفاسدين من داىًرة الاهتمام العام.

التهريب من منطقة العقبة الاقتصادية، والمنافذ البرية، والمناطق الحرة ما زال يمارس بأساليب، ووسائل احترافية، وجهود دائرة الجمارك، والمؤسسات الرديفة ما زالت قاصرة، ووسائلها بدائية، وتقليدية، والسيطرة على رصد حالات الاختراق لكوادرها قاصرة، وتعتمد على الصدفة في غالب الأحيان، وثمة غياب للأساليب الحديثة وعوامل التحصين الذاتي لكوادر الجمارك يعد عاملاً آخراً من عوامل عدم ضبط عمليات التهريب، وعدم إدراك مجلس النواب لمخاطر التهريب، وتغليظ العقوبات عند معالجة التشريعات ومنها قانون الجمارك عامل آخر ما زال يعيق دور الأجهزة الرقابية في القيام بواجبها على الوجه الأكمل.

الصديق الخلوق وزير المالية يتحمل مسؤولية سياسية عما يجري في الدوائر، والمؤسسات التابعة لوزارته، والتساؤل الذي طرحه وزير المالية السابق يستحق أن نتوقف عنده مليّاً، وأن نؤيد أي جهد حكومي يعيد للثقة العامة اعتبارها، وللمال العام حرمته، أما الوسائل البدائية المتبعة في التفتيش الجمركي تحتاج لإعادة نظر وفق التجارب العالمية المتبعة في هذا الشأن، على أن يرافق ذلك تعزيز الاستخبار الجمركي، ورصد المعلومات بدقة، وبشكل يمكن الاستفادة منها بحرفية ومهنية عاليتين.

المجتمع الأردني مجتمع متجانس ومافيات “الدخان” معروفة للجميع، والتحقيق، ورصد المعلومات، واتخاذ الاجراءات الحازمة حيال ذلك هي مسؤولية مشتركة لكل المؤسسات الرقابية وفي مقدمتها دائرة الجمارك التي ما زالت عاجزة عن رصد مخاطر التهريب، وأدواته من جهة، وتحديد أولويات عملها من ناحية أخرى، ونزاهة المسؤول لم تعد تكفي لوسمه بالنجاح بل المثابرة، والنجاح، والحزم، والقدرة على تحديد الأولويات، ومدى كفاءة الإجراء وحكمته هو التحدي الأكبر، وسندرك لاحقاً كم هي خسارة الوطن عظيمة بسبب نكوصنا عن اقتلاع الفساد والفاسدين من جذورهم بحزم وعنفوان ..!!.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.